مجاهيل وألغاز سوق السلع السورية تعيد الحسرة على زمن القيد والمنع والحصر

 

 

الخبير السوري:

يبدو أن مساعي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتقديم نفسها على أنها حامية للمستهلك والأب الراعي لشؤونه الاستهلاكية اليومية، عبر زعمها بين الفينة والأخرى أنها الذراع الضابطة لحركة وانسياب السلع في الأسواق، ومراقبة أسعارها ومدى مطابقتها للمقاييس والمواصفات..الخ، لم تعد تقنع جميع شرائح المجتمع التي بدأت تلمس تمرّد الأسواق من خلال تقصير الأجهزة الرقابية في ضبط الأسواق حيناً بحجة عدم وجود الكادر المطلوب لهذه المهمة، وتواطئها مع التجار حيناً آخر، والتذرع بتداعيات الأزمة في معظم الأحيان، لتوجه بالتالي للوزارة تهمة تضليل المستهلك، وخاصة أن جلّ مديري وموظفي الوزارة يؤكدون دائماً أن 90% من المواد والسلع محررة، وهنا بيت القصيد، حيث إن أكثر ما يهم المستهلك وبالدرجة الأولى موضوع الأسعار وليس مدى مطابقة السلعة للمواصفة، وإذا ما تجرأ وتقدم بشكوى بحق أي تاجر فغالباً ما تكون حول تسعيرة السلعة وليس نوعيتها وطبيعة المواد الداخلة بتصنيعها ونسبتها..الخ، ليس هذا فحسب بل إن المخالفة لا تأخذ مجراها إلا في حال عدم الإعلان عن السعر وبغض النظر عن سقفه بالنسبة للمواد المحررة، أما تلك غير المحررة البالغة نسبتها 10% فتقع عليها مخالفة رفع تسعيرتها إلى جانب عدم الإعلان عن السعر، ما يعني أن الكرة في ملعب المستهلك الذي غالباً لا يبلغ عن المخالفات وفي حال تبليغه يسارع إلى إسقاط حقه، فأين إذاً الحماية الفعلية للمستهلك؟.

تسامح مشبوه

ظاهرة أخرى نلمسها يومياً عبر تجوالنا في أسواقنا المحلية تتمثل ببيع نسبة لا بأس بها من المواد والسلع وخاصة المحررة منها بسعر أقل من المحدد عليها، وهذا الأمر -للوهلة الأولى- يريح المستهلك وأحياناً يغريه بشراء السلعة، وربما لا نبالغ إن قلنا أنه يحسن الظن في التاجر ويعتقد بقرارة نفسه أن المنتج متسامح بالبيع ويحاول كسر السعر كي يتسنى لأكبر شريحة ممكنة أن تستفيد من منتجاته، لكن إن محّصنا قليلاً في هذه المسألة، نجد أنها نوع من أنواع المراوغة، لسبب بسيط نعتقده -ومن منظور اقتصادي بحت وليس من باب التشكيك بمساعي المنتج الإنسانية- وهو أنه ليس صاحب جمعية خيرية غير ربحية هدفها مساعدة الفقراء والمحتاجين، وإنما هو رجل اقتصادي يسعى للربح المشروع، وهذا بالتأكيد من حقه، وانطلاقاً من هذا المبدأ نعتقد جازمين أن لديه هامش ربح لا بأس به – إن لم نقل كبير – رغم أنه يدوّن على السلعة سعراً أقل مما تباع به.

حبر على ورق

لكن في المقابل نجد أن كثيراً من المواد والسلع – حتى غير المحررة – أسعارها تجاوزت الخطوط الحمراء مثل السكر والفروج والخضار والفواكه..الخ علماً أن وزارة التجارة الداخلية تصدر نشرة أسعار استئناسية أسبوعياً، ولدى مقارنتها مع واقع الأسعار الفعلي نلاحظ وجود نسبة ارتياب تصل أحياناً في بعض السلع إلى 25%.

ذرائع

معادلة تحتاج إلى من يفسّرها من المعنيين بالوزارة وخاصة مديرية الأسعار التي تكتفي بالقول دائماً إن الأسعار محددة للمستهلك من الوزارة لكل السلع والمواد غير المحررة، وفي حال الارتفاع تبرر المديرية أنها مرتبطة بالسعر العالمي وتم تحديد السعر للمستهلك بناء على بيانات ومعطيات إجازات الاستيراد، وسبب التضارب بين سوق وأخرى يعود حسب كل إجازة وأخرى، وفي حال عدم التزام التجار بلائحة الأسعار المحددة من الوزارة، تُرمى الكرة في ملعب مديرية حماية المستهلك على اعتبار أنها المسؤولة عن مراقبتها وضبط المخالفات.

أما مديرية حماية المستهلك فتصرّ دائماً على التأكيد أن أجهزتها تترقب حالة السوق بشكل دائم وحريصة كل الحرص على قمع أي مخالفة سواء كانت متعلّقة بالسعر أم بالجودة والنوعية، وأنها تعمم بين الحين والآخر على مديريات التجارة الداخلية في المحافظات بضرورة تشديد الرقابة على الأسواق المحلية حمايةً للمستهلك، وضبط أي مخالفة تتعلق بارتفاع الأسعار غير المبرر مع ضرورة إلزام كل أصحاب الفعاليات التجارية والخدمية بالإعلان عن الأسعار وتداول الفواتير وبطاقة البيان، وفي حال المخالفة تتخذ أشدُّ العقوبات بحق المخالفين وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة، بهدف إحكام الرقابة التموينية على الأسواق الداخلية ومنع وقمع أي ظاهرة لارتفاع الأسعار، وتدعو المستهلكين باستمرار للإبلاغ عن أي مخالفة تتعلق بالتلاعب بالأسعار أو غيره لقمعها مباشرة.

فلتان

يرى بعض المراقبين أن فوضى السوق الحالية مترافقة مع غياب دراسات حقيقية عن التكلفة، وتلعب دوراً مهماً في فلتان الأسعار، فعند ارتفاع سعر أي سلعة رئيسية (مازوت، إسمنت، بنزين الخ) نلاحظ أن أسعار المواد المرتبطة بهذه السلع قد ارتفعت بالنسبة ذاتها أو أكثر، وكأن السلعة مكونة بالكامل من المازوت أو الاسمنت، وما يساعد على هذه الفوضى هو العوامل النفسية المرتبطة بالبائعين والمستهلكين، وهي من بين الأسباب الرئيسية لزيادات الأسعار في الاقتصاد السوري، فالبائعون والمنتجون مثلاً لا يدعون أي فرصة لرفع الأسعار إلا ويستغلونها بسبب الرغبة في أرباح إضافية.

كما أن تغيرات الأسعار في سورية لا تخضع للنظريات الاقتصادية أو لمتغيرات السوق العالمية إلا في اتجاه الصعود، فاستقرار الأسعار يتطلب تقوية دور الدولة في الأسواق حيث يمكن التدخل بإجراءات اقتصادية فعالة وليس بإجراءات إدارية يطلب فيها من التجار تخفيض أسعارهم، وبالتالي لابد على الأقل من وجود تقديرات للعرض والطلب على السلع والتحرّك قبل حدوث الأزمة، إضافة إلى ضرورة وجود سياسات على المدى الطويل تركز على استقرار الأسعار فآثار أي سياسة مالية ونقدية لن تظهر قبل ثلاث سنوات من بدء التطبيق، إلى جانب وجوب تشجيع المنافسة من خلال تفعيل قانون المنافسة ومنع الاحتكار لضمان حماية المستهلكين، وعدم تركز القوة الاقتصادية بأيدي قلة، ويشجع على توزيع فعال للموارد في الاقتصاد لتأمين خيارات أكبر للمستهلكين، وأن يطبق هذا القانون على جميع المشاريع الصناعية والتجارية وأن يكون شاملاً كل السلع والخدمات.

لعلنا نصيب لبّ الحقيقة إن قلنا إن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لم تأخذ الدور المنوط بها تجاه السوق والمستهلك كما يجب خاصة في هذه الأزمة الراهنة، التي تستوجب عدم التساهل مع من يتاجر بقوت العباد، وسن قوانين تفرض عقوبات صارمة بحقه، وربما العودة إلى زمن دوريات التموين بات من ضروريات المرحلة مع إعطائها صلاحيات أكبر للحزم.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]