تلف أرزاق البلاد والعباد

نهى علي

لم يفصح المحتكرون، ولن يفصحوا، عن كميات المنتجات الزراعيّة التي تعرّضت للتلف في مستودعاتهم عندما أعمت حمى جني الأرباح عيونهم وقلوبهم عن ظروف التخزين السيئة، فخسروا خسائر كبيرة وحرموا المستهلك من “أرزاق بلاده” وافتعلوا أزمة في الأسواق على مستوى المعروض السلعي وبالتالي الأسعار.
موجعة حكاية “تجار التخزين” في بلدنا وهي في الواقع تجارة احتكار كئيبة بكل معنى الكلمة، فمواسم المنع والسماح بتصدير المنتجات الزراعية السورية، تشبه إلى حدٍ ما مفهوم “الهدن” في النزاعات.. أي إما مواجهات أو هدوء يعتريه استعداد لاستئناف المواجهة، فالاحتكار في حالة الأسواق هو عبارة عن استعداد وتأهب وانتظار لقرارات السماح بالتصدير، وكم تكون الخسائر كبيرة عندما يتأخر القرار وتخيب حسابات وظنون المحتكرين المنتظرين.. خسائر لهم بسبب الجشع والطمع، وللمواطن ولاقتصاد البلاد، فضياع وتلف آلاف الأطنان من مختلف المنتجات الزراعية يعني أنا هدراً لكل مساعي وتكاليف دعم الإنتاج، وإفشال مباشر لكافة سياسات الحرص على توازن العرض والطلب.. وهذه خسائر وطنية لا مجرد فردية في المحصلة، يجب أن يُحاسب عليها من تسببوا بها، وهم المحتكرون حتى لو ظهروا بهيئة الضحية، فهؤلاء هم العابثون الحقيقيون بالأمن الغذائي للمواطن.
عدّة آلاف الأطنان من مادة الثوم مثلاً أتلفت في المستودعات وحُرم المواطن منها ودفع ثمن اختلال التوازن بين المعروض منها والطلب عليها، ووصل سعر الكيلوغرام منها إلى ٨٠ ألف ليرة ثلث أو ربع راتب شهري لموظف قطاع عام، أما المستورد – الصيني – فوصل سعر الكيلو غرام منه إلى ١٤٠ ألف ليرة سورية أي نصف راتب.. والسبب جشع تاجر ومّحتكر متفلّت من القوانين وجاهل حتى بأصول وخبايا “صناعة الاحتكار”.
التلف خلال مراحل التخزين – احتكاراً هو السبب المتقدم للاختناقات في توفر المواد الأساسية في الأسواق.. من الثوم إلى البصل إلى البطاطا وبدرجة أقل البقوليات، وهو سبب الاضطرار لفتح باب استيراد مواد من “المعيب” استيرادها في بلد زراعي كبلدنا.
لا يجوز السكوت عن هذا الخلل الذي يتكرر سنوياً، ولابد من علاج مستدام لهذه المشكلة.. ونظن أن مثل هذا الحلّ غير متاح إلا بقرار واحد، وهو عدم السماح بتصدير المنتجات الزراعية الخام مهما بلغ الفائض الإنتاجي منها، والبديل هو تصنيعها محلياً وتصديرها مصنعة .. أي ثوم مجفف وبصل مجفف، وزيت زيتون معالج ومعبأ بعبوات لا تتجاوز الليتر الواحد بدلاً من التصدير”الدوكمة” الذي يفتح شهية حتى من لم يكن لديهم شهية أساساً للاحتكار فيخسرون ويحرمون البلاد والعباد من مواد أساسية وضرورية.
وهذا يتطلّب الإسراع في إحداث المنشآت اللازمة لمثل هذه الصناعات ونشرها على نطاق واسع.. فهذا هو الاستثمار الحقيقي وليست متاجر المفرّق ذات النجمات الخمس.
الثورة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]