خبير تأمين صحي ينتقد أكبر مظلّة تفاخر بها سورية..

الخبير السوري:

أكد الخبير التأميني الدكتور هشام الديواني أن ثمة مشكلة بنيوية تعتري قطاع التأمين الصحي..فكلما تغيّر وزير يتراجع أو يتقدم المشروع وفقاً لمزاجية الوزير وثقافته لجهة معرفته بمواد الدستور التي تنصّ على كفالة الدولة للمواطن في حال المرض والعجز والشيخوخة، وهي أسس الضمان الاجتماعي للمواطن وكفالة الدولة لصحة العمال .

وأضاف: تتالت القرارات وتم تعديل مواد من القوانين النافذة حتى خرج مجلس الوزراء عام 2010 بقرار تتم بموجبه تغطية العاملين في القطاع الإداري بالتأمين الصحي بعد (51) عاماً من اقتطاع التأمينات من رواتب العاملين لمصلحة مؤسسة التأمينات الاجتماعية، التي يجب عليها تقديم التأمين الصحي للعاملين وفقاً لما ورد في المادة (3) من قانون التأمينات الاجتماعية، ولم تقم المؤسسة المعنية بالدفع حتى تاريخه بالرغم من حصولها على (24.5%) من راتب العامل موزّعة بين العامل ورب العمل.

والمفارقة أنه تم إلزام المؤسسة العامة السورية للتأمين، التي لم يكن لديها أدنى فكرة عن التأمين الصحي ولم تمارس أعماله منذ تأسيسها، ولا يتوفر لديها الكادر الفني بالمتابعة وتأمين الخطط حتى تاريخه.. وحسب د. الديواني، من هنا بدأت معاناة جديدة شملت كل الأطراف، وعلى رأسها المؤمّن له ومقدّم الخدمة والشركات والدولة، وذلك بعد قرار مجلس الوزراء بإجراء عقود تأمين صحي للعاملين في القطاع الإداري من دون عوائلهم بعد طلب الوزارة المعنية وبالتنسيق مع وزارة المالية.

في العقود الأخيرة التي سبقت عام 2011، كثّفت الحكومة جهودها لإصلاح أنظمتها الصحية، وقامت بتطوير طرق تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية، وأنظمة جديدة للتأمين الصحي، وألغت مركزية نظم إدارة تقديم الخدمات الصحية الحكومية، إلا أن العديد من هذه الجهود انتهى إلى بعض النتائج المخيبة للآمال، إذ – حسب د. الديواني- بقي المرضى يشكون من سوء الخدمة المقدمة لهم “مؤمّن – غير مؤمن “، والأطباء يشكون من ضعف الرواتب في القطاع الحكومي “قطاع عام “، تقابله على الطرف الآخر الشكوى من التسعيرة في القطاع الخاص، ناهيك بأن القائمين على وضع الموازنات، محلياً ومركزياً، يشكون من نقص الموارد وارتفاع التكاليف في القطاع الصحي” العام”، تقابله شكوى من ضعف قسط التأمين “الخاص”.. إضافة إلى أن تحسين مستوى صحة المواطن والاستجابة لتوقعات المواطنين وضمان الحماية المالية من التكاليف المترتبة على الأمراض، كلها أمور بقيت في حدودها الدنيا أو غائبة أحياناً في القطاع العام، وضعيفة لا ترقى إلى الحدود المعقولة في قطاع التأمين.

يتوقف نجاح الإصلاحات على الموارد المخصَّصة، وعلى مدى تطوُّر النظام الصحي العام والخاص، علماً أن التحدِّي الرئيسي الذي تواجهه النُظُم الصحية يتمثَّل-حسب د. الديواني- في كيفية تأمين المستوى المناسب من التمويل مع مراعاة البيئة الاقتصادية وتصاعد تكاليف الخدمات الصحية، وضعف دَوْر الحكومة في مجالَي تمويل الرعاية الصحية وتقديمها.

بعد عام 2011 ونتيجة ما عانى منه السوريون من حرب طويلة وما نتج عنها من تبعات اجتماعية واقتصادية نتيجة أحداث الحرب خلال السنوات الماضية، التي أدت إلى تدهور شديد في الظروف المعيشية ونوعية الحياة ورفاهية المواطنين وتدمير كبير للنظام الصحي، يؤكد د.الديواني أن كل هذه العوامل أدت إلى تدمير البنية التحتية الحيوية في العديد من المناطق وإلى تبعات أثرت سلباً في متخذي القرار من جهة وضع السياسات والخطط، ومن هذه التبعات فقدان المأوى ومصادر الطاقة، تدهور خدمات المياه والصرف الصحي، كذلك تدهور خدمات جمع القمامة، انعدام الأمن الغذائي، الاكتظاظ الشديد في بعض المناطق والعوامل الأمنية، ندرة الأدوية والمستلزمات الطبية، ولجوء الأسر الضعيفة إلى آليات التكيف السلبية…إلخ . يضاف إلى هذه التبعات تعطل الأجهزة بسبب النقص في قطع الغيار، ناهيك بما نتج عنه من دمار لحق بالمستشفيات والمراكز الطبية والعيادات، وأيضاً وفاة عدد كبير من الكوادر الطبية، وهجرة أعداد لا يستهان بها.”، وأضيفت إليها مؤخراً جائحة «كوفيد» عام 2019 وكارثة الزلزال في شباط عام 2023، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الضغط على نظام الرعاية الصحية.

يضيف د. الديواني: في نظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية لعام 2021 التي أصدرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فإن 86% من الأسر التي شملتها الدراسة والتي طلبت الحصول على خدمات صحية في الأشهر الثلاثة السابقة، دفعت من أموالها الخاصة مقابل الرعاية، في أغلب الأحيان مقابل الأدوية، وخلص تقييم الاحتياجات المتعددة القطاعات، الذي أجراه المكتب المذكور في آب 2021 إلى أن تسعاً من كل عشر أسر أبلغت عن اضطرارها لدفع تكاليف الرعاية الصحية من جيوبها الخاصة وأن التكلفة الحالية للرعاية تعد كبيرة.

تموّل الحكومة قطاع الصحة العامة من خلال الموازنة العامة “الضرائب والإيرادات” عبر مؤسسات ومرافق متعددة، بما في ذلك المستشفيات والعيادات الصحية التي تديرها وزارة الصحة، وغيرها من المرافق التي تملكها وتديرها وزارات التعليم العالي والدفاع والداخلية والتربية، وبقية الوزارات في القطاع الاقتصادي، ومع ذلك حتى قبل الأزمة، كان الإنفاق الحكومي على الصحة من بين أدنى المعدلات في المنطقة، إذ بلغ 38.8% فقط من إجمالي الإنفاق على الصحة في عام 2010، ما يمثل 3.1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

يضيف د. الديواني: حالياً ووفقاً للتقرير النصف السنوي لهيئة الإشراف على التأمين لعام 2022، هنالك ما نسبته 4.5% من مجموع السكان لديهم تأمين صحي، معظمهم من الموظفين الحكوميين، وما نسبته 95.5% من السكان من دون تأمين صحي أو حماية مالية ويدفع معظمهم مقابل الرعاية .

في توصيفه لواقع الرعاية الصحية والتأمين الصحي، بيّن د. الديواني أنه يمكن تلخيصها في عدة نقاط، منها: خدمات الرعاية الصحية في سورية تقع في معظمها على كاهل الدولة، وعدم مشاركة القطاع الخاص بتحمل مسؤولية الرعاية الصحية تجاه العاملين لديه، إضافة إلى صناديق التأمين الصحي للمؤسسات والنقابات ذات موارد مالية محدودة، كما أن عقود التأمين الصحي ذات تجارب سلبية (تأخر في التسديد، تأخر في الموافقات، حسومات غير مبررة على المؤمّنين وعلى مقدّمي الخدمات الطبية، وتطبيق غير علمي لشروط عقود التأمين الصحي..إلخ” وعدم استخدام الترميزات العالمية الخاصة بالأمراض والإجراءات الطبية، سواء من مقدّمي الخدمات الطبية أم من دافع الفاتورة.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]