تحديات البقاء تحط رحالها عند رغيف الخبز..تخفيف العبء أو الوقوع في دوامة العوز الدائم

الخبير السوري:

تتزايد الأحاديث عن نيات لإجراء تعديلات على أسعار الخبز، وتتجه معظم الإشارات نحو تحريك بسيط لسعر الربطة..
والواقع لايمكن الحديث عن”سعر” في الوضع الراهن، فمبلغ ٢٠٠ ليرة سورية لربطة الخبز المدعوم، ليس بسعر وإنما أشبه بالرسم..ويتحدث أصحاب المخابز والعاملون عن أن مبلغ ٢٠٠ ليرة هو سعر كيس النايلون الذي توزع به حصص الخبز وفق تقاليد سوق تداول المادة..
والحقيقة أن جرعة قلق تجتاح جميع المطلعين على أرقام صناعة الرغيف التي تتلخص برقم كبير وهو ٧٥٠٠ ليرة سورية تكلفة الربطة المؤلفة من ٧ أرغفة وزنة ١١٠٠ غرام..حتى المواطن المستهلك لم يملك أن يبدد قلقه من الرقم، ومصدر قلق الجميع هو ألا يبقى ثمة إمكانية لتوفير استدامة في تأمين رغيف الخبز للمواطن، لأن الفاتورة باتت أكبر بكثير من استطاعة دولة خارجة من حرب مديدة..

تشاركية لابد منها

أمام حالة القلق الموضوعية هذه، تمسي المفاضلة بين أمرين..الأول: رغيف خبز رخيص أو شبه مجاني…والثاني: رغيف بسعر أعلى قليلاً من مجرد ٢٠٠ ليرة سورية، وليكن ٨٠٠ أو ١٠٠٠ ليرة للربطة الواحدة، مع استدامة في التدفق ووفرة في تأمين الحصص وفق آليات التوزيع الحالية..
بالتأكيد سترجح كفة الخيار الثاني..وهو مايمكن أن نسميه “التشاركية في تأمين رغيف الخبز” بين الدولة والمواطن، ولعل هذه هي طبيعة العلاقة بين المواطن والدولة وفق إملاءات العقد الاجتماعي التي تقوم عليه العلاقة بين الدول ومواطنيها..
ويبدو إلحاح الظرف الصعب سيملي مثل هذه التشاركية “الإستراتيجية” ليكون رغيف الخبز أهم عناوين التكافل بين الحكومة والمواطن، وهو تكافل لم يعد مجرد مشروع، بل واقع جديد لابد من التماهي معه للاستمرار والثبات ..ثبات الدولة والمواطن الذي بات تلازمه مصيري أكثر من أي وقت مضى.

تكلفة تقصم الظهر

ثمة أرقام ومعطيات كفيلة بإنتاج رضوض عميقة في ذهن كل متابع يحاول التحليل الدقيق في كواليس صناعة رغيف الخبز..
حوالي ٨٠٠٠ آلاف ليرة كلفة الربطة الواحدة أو حتى ٧٥٠٠ ليرة..مبلغ كبير جداً لانظن أنه يبقي مجالات واسعة للاستمرار بذات الوتيرة..ولابد أنه انطلاقاً من هذه التكلفة  سيوصلنا التحليل إلى معرفة الرقم الإجمالي لتكلفة تأمين رغيف الخبز للبلاد يومياً..
بالتأكيد الأرقام باهظة وقد تم إعلانها مراراً لكنها عبرت على مسامع الجميع، وكانت ردات الفعل الطبيعية عبارة عن تقطيبة حاجب مع صفرة استغراب، وينتهي الأمر عند هذا الحد..لكن تتحرك بعد ذلك جملة هواجس في داخل كل من يرى ويسمع، يمكن تلخيصها بسؤال مفاده: إلى متى يمكن الاستمرار.

عقلانية

لانظن أن أحداً يمانع أن يرتفع سعر  ربطة الخبز للمستهلك إلى ثمن علكة، أو أن تدفع أسرة في صباح كل يوم مبلغ يعادل سعر بسكوتة صغيرة لأحد أطفالها الذاهبين إلى المدرسة، ثمناً لربطتي خبز تقيتان كافة أفراد الأسرة لمدة يوم كامل..
فما نطمح إليه أن نأكل خبزاً لا “كاتو” على طريقة ماري انطوانيت وفق الرواية التاريخية الشهيرة..

علاوات “جنود مجهولين”

دعونا نكون براغماتيين ..أي نفعيين ..أكثر، ونتحدث بما يلامس حقوق “جيش إنتاج رغيف الخبز”..وهم آلاف العاملين في الأفران الذين يعملون بنظام وارديات مدة الواردية ١٢ ساعة، ويتبادلون الأدوار أسبوع دوام ليلي ثم أسبوع نهاري..هؤلاء يتقاضون رواتب أقل من باقي موظفي الدولة رغم الدوام الطويل..ولايمكن زيادة رواتبهم في الظروف الحالية إلا من خلال تخفيف عجز إنتاج الرغيف، وبعدها قد يكون من الممكن منحهم بعض العلاوات التي تفيهم جزءاً من مقابل أتعابهم..

الدواء المرّ

الدواء المر يكون ضرورياً أحياناً لأن يحمل الشفاء لصاحبه..رغم أنه مرّ لكن لابدّ منه للاستمرار..
كما أن القرارات الجراحية غالباً لاتكون ذات شعبية، لكنها تكون خياراً أوحد للخلاص..
هذه حكاية الخبز، فلابد من إجراء جراحي واضح، وجرعات دواء مر..لكنها جرعات شافية..ولابأس أن يدفع المستهلك مبلغ ٥٠٠ ليرة إضافية ثمن الربطة يومياً..فالرقم لا يشكل عبئاً على من يدفع، لكنه يخفف قليلاً من وطأة العبء الذي تتحمله الخزينة العامة للدولة..بالتالي وأمام أهمية تخفيف العجز، نظن أن تحريكاً طفيفاً على سعر ربطة الخبز سيكون مطلب كل من هو حريص على استدامة هذه النعمة..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]