حصل ويحصل في كواليس منظومة الاستطباب والعلاج المحليّة.. الخطأ الأول بداية حكاية خلل خطير وموجع

* د. سالم: عملية سحب الدم لا تنحصر براحة المريض والتزامه فقط وأغلبية مخابرنا يديرها فنيون فقط

* نقيب أطباء سورية: وجود الخطأ يعود لوجود العامل البشري وسوء المواد المستخدمة وقلة فاعليتها والتوجه إلى مخبر ثالث هو الحل الأنسب

* حبابة: يُقدّر التعويض بناءً على ما لحق المتضرر من خسارة وما فاته من كسب

الخبير السوري:

من منا لا يُخطئ.. والاعتراف بالخطأ فضيلة.. عادةً ما يتم اللجوء لمثل هذه الأقاويل لتبرير وقوع حدث ما، لكن ماذا لو كان هذا الحدث يمسّ الصحة العامة للمجتمع؟! تساؤلٌ فرض نفسه ضمن إطار عمل غير منظم، ذهب بقطاع الصحة لاحتمالات الصواب والخطأ، من دون الالتفات إلى ما ينتج عن ذلك من كوارث صحية وعجز في التعامل معها، وسط غياب الدقة والحكمة في التعامل مع أبسط أمور العناية بصحة الفرد، وهي التحاليل المخبرية، المؤشر الأول والأهم لتشخيص الحالة ومن ثم علاجها، ضمن إطار زمني محدد وشروط خاصة، لكن ماذا لو داهم الخطأ الطبي هذه التحاليل؟ وما النتائج المترتبة عليه؟!

ضعف الخبرة

لكل مرحلة من العمل شروطها، تبدأ من عملية سحب الدم التي تختلف بين مخبر وآخر، فالمسألة ليست محصورة براحة المريض أو التزامه بشروط التحليل بالامتناع عن الطعام مثلاً، بل ثمة أمور لا تحتمل التجاوز، كوجود أيام خاصة لسحب الدم للسيدات على سبيل المثال، أو ضرورة سحب الدم والتأكد من خلوّه من الانحلال أو التجلط، نعم من هنا تبدأ المشكلة، فأغلبية مخابرنا يديرها فنيو مخابر، بناء على تأجير الشهادة، حسب تأكيدات المخبري الدكتور مرعي سالم ل”تشرين”، فهم ليسوا بكفاءة الطبيب حتماً، لوجود الكثير من الأمور التي تغيب عنهم بينما يتنبه إليها الطبيب، هنا سنقع بالتأكيد بمطبات الاختلاف بين المخابر لاختلاف النسب.

لتداخل أطراف العملية كالأجهزة دور في وقوع الخطأ أيضاً، وفق الدكتور سالم، وعليه يجب أن تكون مقبولة نوعاً ما، وأن تحوي معايرة معينة حسب نوع التحليل (لونية – كيميائية)، إضافة للكونترولات التي من الضروري ضبطها، هنا فقط يصبح لاختلاف الأرقام أهمية في حال كان التباين بمسافات بعيدة.

معرفة المشكلة المرضية للمريض وفهم الحالة العامة له من المخبري هما من صلب عمله برأي الدكتور سالم، كما من واجبه التأكد من النتيجة، وعدم تأكيدها قبل مطابقتها مع العارض الصحي للمريض، إلا أنه وبالرغم من كل ذلك نجد أن الكثير من المرضى يتم توجيههم إلى مخابر معينة بالتنسيق مع الطبيب نفسه، وتتبدل النتائج والهدف هو الفائدة المادية الشخصية للطرفين (المخبر والطبيب)، كل ذلك يتم بتجاهل صحة المريض تماماً حسب تأكيدات الدكتور مرعي سالم.

أمام هذه الاحتمالات والحالات لا يبقى للمريض سوى باب الشكوى، لكن لمن؟ بالطبع لنقابة الأطباء.. لعدم وجود هيئة المخابر التي تم حلُّها لعدم خدمة المخبريين وتقديم مصلحتها الشخصية عليهم، وفق حديث المخبري مرعي سالم، إلا أن النقابة ليست بأفضل حال من الهيئة برأيه، فهي لا تعترف بالشكوى ولا بالصواب والخطأ وهمّها جباية الأموال فقط، وتقف ضد مصلحة الطبيب في أغلب الأحيان.

توصيف الخطأ

لكل مخبر مجال طبيعي للقيمة المخبرية، وذلك حسب كشوف الشركات المصنعة وطبيعة المواد المستخدمة، إلا أن القراءة العلمية لهذه النتائج المختلفة هي واحدة، تحليل علمي قدمه نقيب أطباء سورية الدكتور غسان فندي للمشكلة، مبرراً وجود مثل هذه الحالات في دول العالم كلها، لوجود العامل البشري أولاً، وسوء المواد المستخدمة وقلة فاعليتها ثانياً، مؤكداً ضرورة التوجه إلى مخبر ثالث في حال ثبت الاختلاف بنتيجة مخبرين، ليرجح بدوره جهة معينة.

خضوع المريض لكورس علاجي بناء على نتيجة مخبر ما ومن ثم تضرره، يُحمل الطبيب مسؤولية مدنية تستوجب التعويض المادي المناسب، لكون العلاقة السببية واضحة، وفق توضيحات الدكتور فندي، إلا أن الضرر قد يقع بطريقة أخرى، نتيجة سلامة التحاليل مع تأخر المعالجة للمريض ما يُلحق ضرراً أيضاً وهو ما يستوجب المحاسبة وفق قواعد المسؤولية الطبية العامة برأيه.

هدف المريض هو التعويض وفق رؤية نقيب أطباء سورية د. غسان فندي، لذا فالتوجه إلى الشكوى أمام النقابة التي عُرفت وفق تصريحه بإجراءاتها السريعة عبر تشكيل لجان مختصة لدراسة الحالة وإنصاف المريض هو الحل، إضافة لإمكانية توجه المريض إلى القضاء أيضاً.

ويضيف نقيب أطباء سورية مؤكداً دور النقابة: “النقابة تقف على مسافة واحدة بين المريض والطبيب، لأن الهدف هو التعويض، وعلى الطبيب المُدان الالتزام بحق المريض”، ملقياً في الوقت نفسه اللوم على سعر الصرف في تفاوت أسعار التحاليل الطبية بين مخبر وآخر، وندرة المواد التي باتت تتطلب كل المواد المحلية حالياً برأيه.

قانون ولكن!

تُسهل التشخيص والعلاج والوقاية من الأمراض في مجال الطب البشري، تعريف صريح لعمل المخابر الطبية ورد ضمن قانون مختبرات التحاليل الطبية رقم 8 لعام 1980 ضمن مادته الأولى، يُثبت أنها نصف التشخيص بينما يصفها بعض الأطباء بأنها التشخيص كله، أما الفقه والقضاء السوري فيعتبران أن الالتزام تجاه المريض يتم ببذل العناية، كما أنه مسؤول عن خطئه أياً كانت جسامته في حال وقوع التقصير، حسب تأكيدات المحامي أحمد حبابة، كما تنقسم المسؤولية القانونية لمسؤولية أدبية أخلاقية ومسؤولية قانونية جزائية أو مدنية أو كليهما، وتنص الجزائية منها، وفق توصيف حبابة، على أن المُشرّع السوري تبنى مبدأ لا جريمة ولا عقاب إلا بنص قانوني، وكرّس ذلك في المادة 29 من الدستور، آخذاً بمبدأ براءة المُتّهم حتى يُدان بحكم قضائي مُبرم (ف 1 مادة 28 الدستور)، كما كفل الدستور حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء (ف 4 المادة 28 الدستور).

أما في حال الخطأ الجزائي، فبيّن قانون العقوبات السوري بالمادتين 189 و190 على من يقع الخطأ، وفق رواية المحامي حبابة، حيث نصت المادة 189 بأن الخطأ يكون في حال نجم الفعل الضّار عن إهمال أو قلّة احتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة، أما المادة 190 عقوبات فنصّت على أن الجريمة تكون غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئ، وكان باستطاعته أو من واجبه أن يتوقع ذلك، وسواء توقعه فحسب، فإن بإمكانه اجتنابها، وعليه يُلاحق الطبيب في حال ارتكابه الخطأ الطبي أمام القاضي الجزائي حسب النتيجة الجرمية، فيحاكم أمام محكمة صلح الجزاء في حال التسبب بالإيذاء للمريض، وأمام محكمة الجزاء في حال سبب إهماله وفاة المريض، أما في حال ارتكابه القتل القصد فيُلاحق أمام قاضي التحقيق ثم قاضي الإحالة تمهيداً لمحاكمته أمام الجنايات.

حق المتضررين

كل خطأ سبّب ضرراً للغير يلزم مرتكبه بالتعويض، هذا ما جاء ضمن بنود القانون السوري مادة 164، وعلى ذلك يشمل التعويض عن الضرر المادي والضرر الجسدي والضرر الأدبي، وفي حال وفاة المريض يُطالب بالتعويض من قبل ورثته وزوجه، ويأتي التعويض وفق المحامي أحمد حبابة لجبر الضرر ويقدر بمقدار الضرر أي ما لحق المتضرر من خسارة وما فاته من كسب، وعلى هذا الأمر استقر اجتهاد محكمة النقض السورية بقرار 1565 أساس 425 لعام 1995 (مجلة المحامون- العددان 9و10)، ويقدر الضرر حسب جسامة الخطأ ونسبة العجز في وظائف الجسم من جراء الخطأ الطبي من تاريخ الادعاء، كما يخضع تقدير التعويض لصلاحية محكمة الموضوع كما أكد اجتهاد النقض المنشور في (مجلة المحامون العددان 3و4 ) لعام 2006 ص103 قاعدة 148.

التوجه إلى نقابة الأطباء أمر لابد منه في حال الرغبة بإثبات الضرر برأي حبابة، حيث إنه يقع على عاتق المتضرر (المريض) إثبات خطأ الطبيب، وهنا عادة ما تلجأ المحكمة  إلى الاستعانة بالخبرة الطبية من أطباء النقابة، وإن تضمن تقرير الخبرة الطبية حصول الخطأ الطبي، تقرر المحكمة لزوم محاكمة الطبيب أو تقرر حفظ الأوراق وإعلان البراءة…تشرين

بارعة جمعة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]