“سورية الدولة” بعد زمن طويل … نهاية صلاحية “الدور الأبوي”

الخبير السوري:

لقد مرت أكثر من ستين عامًا منذ بدأت الدولة السورية في تولي أدوار اقتصادية واجتماعية وفكرية متنوعة، نجحت في بعضها وتعثرت في البعض الآخر.

واليوم، بعد كل هذه السنوات والخسائر في الموارد والإمكانات، تواجه خيارين رئيسيين بدون خيار ثالث : إما أن تقوم بتحديث أدوارها دون التخلي عن مسؤولياتها الاجتماعية، أو أن تنتظر المزيد من التدهور في التعاطي مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور اليوم.

وتجدر الإشارة إلى أن معظم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية اليوم تبدو مجرد ردود فعل لضبط هذا التدهور أو الحد منه، وهذا يتسبب في انتقاد الأداء الحكومي وعدم قدرته على ابتكار حلاً مبتكرًا.

ولكن هناك آراء تشير إلى أن الوضع الحالي في سورية لا يمكن مواجهته بنفس السياسات والإجراءات التي تم اعتمادها في السابق، خاصة فيما يتعلق بدور الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

تغيرت البيئة العامة تمامًا من حيث الإمكانات والموارد وقدرات مؤسسات الدولة، وأيضًا تغيرت الظروف الإقليمية والدولية.

لذلك، يجري النقاش اليوم حول الأدوار الجديدة التي يجب أن تقوم بها الدولة في سورية، سواء على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بناءً على الإمكانات المتاحة والأهداف المرجوة.

يعتبر بعض الخبراء أنه يجب على الدولة أن تعمل على إعادة هيكلة دورها من خلال تطبيق القوانين والتشريعات والأنظمة، وألا تتدخل مباشرة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية للأفراد.

بدلاً من ذلك، ينبغي أن تعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتمكين الأفراد من ممارسة أدوارهم بشكل فعّال ومنتج، مع إعادة بناء الثقة بها بدلاً من تعزيز هيبتها.

إذًا، النقاش حول إعادة هيكلة دور الدولة في سورية يتطلب تحولًا نحو دور أكثر تطورًا وتوجيهًا للموارد نحو تعزيز الرفاهية العامة دون التدخل الزائد في الأنشطة الشخصية للأفراد.

في العديد من اللجان التي تم تشكيلها لمناقشة اقتراحات الإصلاح الاقتصادي، توافق الجميع على أن الدولة لم تعد مهتمة بإنتاج السلع الاستهلاكية الخفيفة.

ولاحظ الجميع أن سياسة التوظيف الاجتماعي ساهمت في تراجع إنتاج المؤسسات العامة، وأن الدعم الاجتماعي كان يفضل الأغنياء على حساب الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.

وعلى الرغم من هذه الملاحظات، إلا أن هذه القضايا لم تتم معالجتها بشكل جدي في السابق، وعندما حاولت بعض الحكومات إجراء تغييرات، فشلوا بسبب عدم نضوج المشاريع وضعف الإجراءات والبيانات المتاحة. وهذا أدى إلى إحساس المواطنين بالقلق وعدم الثقة في أي مشروع حكومي جديد يهدف إلى تغيير الوضع الذي اعتادوا عليه طوال عقود طويلة.

والآن، نجد أن هناك اتفاقًا على أن الوقت قد حان لمناقشة مفهوم دور الدولة وإعادة هيكلته في النقاش العام.

يعتقد البعض أن هذا هو الوقت المناسب لتحقيق المصلحة الوطنية، ويجب أن تشارك المؤسسات الحالية في هذا النقاش دون محاولة التوجيه أو السيطرة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك من يرون أن الأوضاع المعيشية والاجتماعية قد وصلت إلى مستوى خطير، ومع ظروف الحرب التي تزيد من تعقيد المشكلة، قد لا يكون من الممكن تنفيذ ما هو مخطط له بسهولة.

بشكل عام، هناك اتفاق على أهمية استغلال هذه الفترة لاستعراض دور الدولة والوصول إلى حلول تخدم المصلحة الوطنية.

ويجب على المؤسسات الحكومية أن تكون مستعدة للتغيير وأن تشارك في هذا النقاش دون محاولة التسلط.

ومن الممكن أن نرى تفاؤلًا بالاستفادة من هذه الأزمة لاكتشاف طاقات الأفراد والشركات في مختلف القطاعات واستغلالها لمعالجة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية والسياسية والفكرية.

وفي هذا السياق، يجب أن يكون هناك رؤية حكومية شاملة ومتناسقة تستند إلى استراتيجيات وخطط لتحقيق هذه الأهداف، بدلاً من النهج البيروقراطي التقليدي.

الأخبار

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]