“الفجوة التكنولوجية” منبع هواجس السوريين .. والتعويل على الأخلاق للتماهي مع منتجات الذكاء الصنعي رهان خاسر

الخبير السوري:

مخاطر الذكاء الصنعي هي الهاجس الجديد ” الطازج” للجميع، لدرجة أن البعض وجد فيه تهديداً  للبشرية، نظراً لأن الاعتماد عليه يؤدي إلى استغناء معظم القطاعات عن الأيدي العاملة البشرية، وخاصة في المجالين الاقتصادي والطبي، كما أن  احتمال الخطأ وارد في هذا المجال، لذلك وصف البعض هذه التكنولوجيا بـ«الروبوتات القاتلة»، ناهيك  باستغلال هذه التكنولوجيا من  بعض الجهات بتضليل الحقائق وتزويرها بهدف تضليل الرأي العام وانتهاك خصوصية الأفراد وتهديد أمن المعلومات، فهل هذه المخاوف في مكانها؟ أم إن الأمر مبالغ به، فهو كأي تكنولوجيا سيف ذو حدين؟ وكيف يمكننا أن نحمي أنفسنا من هذا الشر إن كان لابد منه..نتساءل بإلحاح لمعرفتنا بحجم الفجوة التكنولوجية التي تعترينا نحن السوريين، بعد سنوات قاسية من الحرب الضروس على بلدنا.

إيجابيات وسلبيات

يشير الدكتور عمار جوخدار الأستاذ في كلية الهندسة المعلوماتية بجامعة دمشق  إلى أن الذكاء الصنعي  من حيث التعريف  هو بناء أنظمة تتصرف كالإنسان أو تفكر كالإنسان،  ومجالات الذكاء الصنعي هي الأعمال المختلفة التي يقوم بها الإنسان مثل النظر والتعرف على الصور التي يراها وتركيب الكلام وفهم الكلام والترجمة الآلية والسير والتفكير المنطقي والتجميع وهي من أهم العمليات التي يقوم بها الإنسان والتي هي أساس صناعة الأدوات من السكين إلى السيارة والطائرة وغيرها .

ولفت جوخدار إلى ميزات الذكاء الصنعي المتمثلة بقدرته على تقديم العون للإنسان وخاصة المعوقين وتحسين قدرتهم بالتفاعل مع البيئة مثل التفاعل الصوتي مع الحاسوب بدلاً من التفاعل البصري للأشخاص المكفوفين أو التفاعل البصري بدلاً من الصوتي للصم والأطراف الاصطناعية لضحايا الحروب والكثير جداً من التطبيقات المفيدة.

أما فيما يخص سلبيات الذكاء الصنعي فأوضح  جوخدار أنه بما أن هدف الذكاء الصنعي هو بناء أنظمة تتصرف كالإنسان فإن  من سلبياته هو تطبيق التقنيات نفسها التي تساعد أصحاب الاحتياجات الخاصة في  التخلص من الأيدي العاملة البشرية واستبدالها بآلات، فالروبوتات تعمل من دون كلل ولا ملل ومحركات البحث تحلل أعداداً كبيرة جداً من المعلومات في اليوم الواحد لا يستطيع الإنسان معالجتها بالسرعة نفسها وبالطبع بكلف أقل ما يجعل البطالة من النتائج الممكنة للذكاء الصنعي وتركيز الأموال بأيدي قلة.

لم يصل إلى كفاءة الإنسان

وأوضح أنه من  أهم المخاطر التي يتخوف منها الناس هو تسبب الذكاء الصنعي في رفع نسب البطالة لكونه يستهدف تقليد الإنسان في أعماله، مطمئناً بأن ذلك لن يكون في القريب العاجل، فالعديد من الأعمال لم يصل الذكاء الصنعي لتحقيقها بكفاءة الإنسان ولا حتى للقريب منها، ومنها الترجمة وتحليل الكلام وتركيب الكلام، وحتى في الصناعة فالعديد من الأعمال الدقيقة مثل تركيب القطع داخل السيارات أثناء تصنيعها ونقل الأغراض من مكان إلى آخر، فعلى الرغم من قدرة الآلات على نقل الأغراض الثقيلة إلا أنها لا تمتلك القدرة على انتزاعها من مصادر تخزينها وتوضيبها في أماكن وصولها، والواقع يثبت أن استبدال الإنسان مازال جزئياً ولا خوف على المدى القريب.

سيف ذو حدين

وأشار جوخدار إلى  أن الذكاء الصنعي مثل المشرط يمكن استعماله في عملية جراحية لإنقاذ مريض كما يمكن استعماله في قتل بريء ولا بأس بانتشاره بل من المفيد انتشاره مادمنا لم نتوقف عن نشر الأخلاق العليا والقيم النبيلة بين أبنائنا، أما إذا توقفنا عن بذل الجهد في تربية الأبناء وتركناهم لمواقع التواصل الاجتماعي تحدد توجهاتهم وقيمهم العليا فعندها يجب أن نتوقف ليس فقط عن تطوير الذكاء الصنعي بل الأفضل إيقاف الموبايلات والحواسيب والتلفزيون والإنترنت لأن هذه التكنولوجيا المفيدة تصبح فعلاً ضارة وقاتلة بأيدي أشخاص بلا أخلاق نبيلة.

ويتفق محمد حبش خبير المنصات الإلكترونية  بالرأي مع الدكتور جوخدار، فمن وجهة نظره الذكاء الصنعي مثل أي تقنية أو أداة أخرى لها إيجابياتها في حال الاستخدام الصحيح ولها سلبياتها في حال إساءة استخدامها.

وأضاف: منذ سنوات ظهرت تقنيات التزييف العميق (deep fake)  التي  تمكننا من تركيب صورة أي شخص على مقطع فيديو ليبدو كأنه ظاهر فعلاً فيه، وكذلك الأمر بالنسبة  لتقنيات تزييف الصوت بحيث نستطيع تسجيل مقطع قصير من صوت شخص ليتدرب عليه الذكاء الاصطناعي وبعدها يمكننا  كتابة  أي نص  يقوله النظام بالصوت نفسه تماماً.

وأشار إلى أن من أبرز  مخاطر  تكنولوجيا الذكاء الصنعي هو  فقدان التواصل البشري وانتشار المحتوى المضلل والمزيف وانعدام المساواة وغياب التعاطف والأخلاق، لافتاً إلى الجدل الكبير  بخصوص أخلاقيات الذكاء الاصطناعي خاصة عندما يتم الاعتماد الكامل عليه من دون التدخل البشري التصحيحي ببعض التطبيقات مثل اتخاذ القرارات والخصوصية والتمييز وحتى إلغاء فرص العمل وتسببه بالبطالة.

مواجهة المخاطر

المشكلة الأكبر، برأي جوخدار، تكمن بالنواحي الأخلاقية  التي تكمن  بقدرة البرمجيات وخاصة الموبايلات على جمع عدد كبير من المعلومات وتحليلها للوصول لفهم العلاقات بين الأشخاص واهتماماتهم وخصوصياتهم وابتزازهم ومن ثم تأتي قدرة الذكاء الصنعي على توليد الصور والأصوات والفيديوهات الزائفة لأشخاص حقيقيين وبالتالي التحكم بالرأي العام تجاه شخص معين .

ولتفادي هذه النتائج السلبية الاجتماعية والأخلاقية يؤكد أنه لا بد من عدم تقديم معلوماتنا بسهولة لأي تطبيق يطلبها، واستصدار قوانين عالمية لمنع تطبيقات الموبايلات من جمع المعلومات، واستصدار قوانين صارمة جداً وعقوبات شديدة بحق من يستعمل تقنيات الذكاء الصنعي لتوليد صور أو فيديوهات مزيفة لأشخاص حقيقيين من دون موافقة منهم، إضافة لتوعية الأفراد والمهندسين بكيفية تمييز الفيديوهات السليمة من المزيفة ليس من الناحية الفنية فقط، بل من الناحية المنطقية وآلية التحقق من المعلومات، حيث اعتاد الناس على تصديق كل ما يرونه على مواقع التواصل .

وفيما يتعلق بتحديد المسؤولية القانونية والمحاسبة في حال وقوع خطأ أو جرم من الذكاء الصنعي لفت إلى أن الذكاء الصنعي لا إرادة له ومن يرتكب الجرائم هو الإنسان ولا يوجد  أخطر من الإنسان على الإنسان.

وفيما يتعلق بالعمليات الجراحية الذكية فعادة ما يجري بناء روبوتات خاصة بكل نوع من العمليات لا تسمح للروبوت بالتحرك خارج مجال محدد هو مجال العملية الآمن، كما لا تسمح للروبوت بالحركة الآلية وإنما فقط بتوجيه من يد الطبيب بحيث تدمج ذكاء وحكمة الطبيب مع قوة الروبوت.

أما البرامج التي تعبث بأدمغة الأشخاص فلا توجد حلول إلا بالقوانين بل القوانين العالمية التي تتجاوز حدود البلد الواحد بما يسمح بملاحقة المجرمين مهما كان موقعهم.

التحصين بالتوعية

يبدو أن  وتيرة انتشار هذه التكنولوجيا سريعة، وهي ليست بعيدة عن أسوارنا، لذلك يبدو أن التحصين بالتوعية وأسلوب الاستخدام الصحيح لتطبيقات الذكاء الصنعي وتهيئة الأفراد  من كل الأعمار وخاصة الفئات المراهقة، والتنبه من مخاطرها أفضل أسلوب لاستقبالها، حتى لا نقع في مصيدتها، فيكفي  ما حصدته  مواقع التواصل الاجتماعي من ضحايا الاحتيال والتشهير .

منال صافي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]