باحث اقتصادي يطلب من الحكومة التوقف عن رفع الدعم …وعلى المواطن  تفضيل المنتج المحلي وترشيد النفط والكهرباء

الدكتور نبيل سكر

يتابع الدكتور نبيل سكر في الجزء الثاني من إستراتيجيته المقترحة الحديث عن بقية مرتكزاتها الأربعة، التي تحدث في جزئها الأول عن زيادة الإنتاج بتفاصيلها.

ويفرد الحديث اليوم لزيادة الأجور واحتواء التضخم وتخفيف المعاناة عن المواطنين، وعن الحاجة الملحة لتطبيق باقي البنود، طارحاً توقعاته لنتائجها على المدى القصير التي ستؤدي برأيه إلى تحريك الاقتصاد وزيادة العمالة وموارد الدولة وتقليص الاستيراد وزيادة القطع الأجنبي في السوق.

ويركز الخبير سكر في نهاية الإستراتيجية على أنها عناوين مكثفة لإستراتيجية ومقترحات كل منها يحتاج لحديث مفصّل ونقاش عميق.

زيادة الدخول والأجور

تشكل زيادة الدخول والأجور المرتكز الثاني للإستراتيجية المقترحة، وتعتبر هذه الزيادة حاجة ملحة لسببين، أولاً بسبب تدني معدلاتها الحالية التي لم تعد تكفي لتسديد عشر حاجات الأسر المتوسطة والفقيرة، وثانياً لزيادة القدرة الشرائية في السوق التي تعزز الطلب على المعروض الذي سينتج عن زيادة الإنتاج.

ولا شك أن زيادة الإنتاج ستؤدي إلى ارتفاع دخول المنشآت الإنتاجية الخاصة وبالتالي تعزيز قدرتها على زيادة أجور موظفيها، ولكن على الدولة من جهتها رفع أجور موظفيها إلى حد يتيح لهم العيش الكريم ويحميهم من إغراءات الدخل غير الشرعي، على أن تعوض الدولة عن هذه الزيادة من خلال مكافحتها للهدر والفساد في إنفاقها الجاري والاستثماري، وزيادة إيراداتها من ممتلكاتها العقارية، وتقليص التهرب الضريبي.

احتواء التضخم

سيكون لزيادة الإنتاج وتسهيل إجراءات الاستيراد وزيادة العرض في السوق أثر إيجابي على الأسعار، ولكن يجب أن تترافق هذه الإيجابيات مع سياسات حكومية مباشرة لمواجهة التضخم، بهدف تقليص الكلفة من جهة العرض وكبح الطلب من الجهة الأخرى.

وبالنسبة لتقليص الكلفة يجب تخفيف الأعباء على المنتجين والمستثمرين، وتعزيز التنافسية ولجم الاحتكار في السوق، مفعّلين قانون المنافسة ومنع الاحتكار (القانون رقم 7 لعام 2008)، وتعزيز سلسلة الإمدادات داخل القطاع الواحد وما بين القطاعات، وتصحيح أسلوب الرقابة على الأسعار، والتوقف عن رفع الدعم الاستهلاكي في الوقت الحاضر، وتحسين الأداء التدخلي للشركة السورية للتجارة العائدة للقطاع العام، وضبط حدود البلاد الشرعية وغير الشرعية لمنع التهريب بالاتجاهين.

ومن جهة احتواء الطلب، هناك دور للسياستين النقدية والمالية، فعلى الأولى اعتماد سياسة تهدف إلى تثبيت الأسعار كأولوية تسبق أولوية تثبيت سعر الصرف التي كلفتنا كثيراً، وعلى الثانية تقليص عجز الموازنة ما أمكن، من خلال الإجراءات المذكورة أعلاه، والاعتماد الأكبر على سندات الخزينة في تمويل عجز الموازنة، علماً أن سياسات لجم التضخم الداخلي ستصطدم مع أثر التضخم العالمي الخارجي الناتج عن ندرة السلع العالمية وارتفاع كلفة الشحن البحري نتيجة جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية.

تخفيف المعاناة

يتطلب هدف تخفيف المعاناة مواجهة تزايد الفقر في الريف والحضر، ومواجهة ندرة السلع وحوامل الطاقة في السوق وارتفاع أسعارها، كما يتطلب منع زيادة الإنتاج من أن يتحول إلى زيادة الاحتكارات وبالتالي إلى تعميق ندرة السلع في السوق وزيادة أسعارها.

المطلوب من المواطن والمجتمع المدني

للمواطن دور في الإستراتيجية المقترحة. فالمطلوب منه تفضيل المنتج المحلي على المنتج المستورد، وتقليص الإنفاق التفاخري، وترشيد استخدام النفط والكهرباء في سبل الحياة اليومية وفي العمل التجاري والإنتاجي. كما عليه احترام سلطة القانون والمطالبة بحقوقه والالتزام بواجباته.

كما على المجتمع المدني، ضمن حدود وجوده، دور بالمشاركة في اقتراح السياسات التفصيلية التي تتطلبها الإستراتيجية المقترحة، ودور في تعزيز التماسك الاجتماعي، ودور في مراقبة حسن التنفيذ من قبل الحكومة والقطاع الخاص، والسعي لتقليص الفساد في التنفيذ.

النتائج على المدى القصير

ستؤدي الإستراتيجية المقترحة إلى تحريك الاقتصاد وزيادة العمالة كما إلى زيادة موارد الدولة من الضرائب والرسوم وتقليص الاستيراد وزيادة القطع الأجنبي في السوق، وهي إجراءات ستأخذ بعض الوقت. لكن هذه الإجراءات ستؤدي في البداية إلى زيادة العجز التجاري وعجز الموازنة وتدهور سعر الصرف والضغط على الأسعار نتيجة طبيعتها التوسعية، مما يجب على الحكومة الإعلان عن الإستراتيجية مسبقاً بكامل الشفافية وتوضيحها للإعلام بإيجابياتها وسلبياتها الأولية، كما يجب عدم التراجع عنها أو عن بعض ركائزها حين تبدأ سلبياتها الأولية بالظهور، فالإستراتيجية هذه كل متكامل لا يتجزأ، وستطغى سلبياتها على إيجابياتها إذا لم تطبق بمرتكزاتها الأربعة بالوقت نفسه وبكامل الجرأة والصراحة، وإذا لم يشارك القطاع الخاص والمجتمع المدني في تنفيذها.

المدى المتوسط والبعيد

تهدف الإستراتيجية المقترحة، كما أوضحنا أعلاه، إلى تحريك الاقتصاد وتخفيف المعاناة على المدى القصير، ولا تتضمن مقترحات لمتطلبات إعادة الإعمار المادية والبشرية المقبلة ومتطلبات التنمية المحلية والمستدامة. ولكننا نؤكد هنا الحاجة لبدء الاستعداد لمواجهة عائقين رئيسيين للإنتاج والإنتاجية في القطاعين الصناعي والزراعي على المدى المتوسط والبعيد. ويقع العائق الأول في القطاع العام الصناعي، بسبب اهترائه إدارياً وتكنولوجياً واستمرار استنزافه للمال العام، والثاني في القطاع الزراعي بسبب حيازاته الخاصة المتدنية الصغر التي أفرزتها قوانين الإصلاح الزراعي وتطبيقاتها.

وفي معالجة هذين المعوقين هناك حاجة لتغير الذهنية السائدة بحيث تعطى للإنتاجية أولوية على العقائدية التي تصبح قاتلة بعد حين، وهو ما أدركه الاتحاد السوفييتي في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وما أدركنا نحن بعضه حين اعتمدنا «اقتصاد السوق الاجتماعي» في أوائل القرن الحالي. ويجدر بنا اغتنام فرصة تداعيات الأزمة العميقة والزلزال الكبير لاتخاذ قرارات تضع المصلحة الوطنية فوق العقائدية.

خصخصة القطاع العام

ولمواجهة معوق القطاع العام الصناعي، نعتقد أنه يجب البدء بالتفكير جدياً بخصخصة هذا القطاع في المدى المتوسط لعدة أسباب، أولاً حتى نستطيع استخراج قيمة مضافة من الاستثمارات الكبيرة التي تم ضخها فيه منذ أوائل الستينيات، وثانياً، لوقف استنزافه للمال العام، وثالثاً، لأن كلفة إصلاحه من آلات ومعدات (والتعويض عما تم تدميره من آلات ومعدات خلال الحرب والزلزال)، أصبحت دون قدرات الدولة المالية، خاصة في ظل متطلباتها في عملية إعادة الإعمار المقبلة والمتعددة الأبعاد. ولكن على عملية الخصخصة أن تكون متدرجة وشفافة، محصنة من الفساد، وأن تكون عن طريق المناقصات والمزايدات وليس بالأمر المباشر والكتمان، والتأكد من أنها غير مؤدية لظهور قطاع خاص احتكاري بديل منها. وسيزيد تحريك الاقتصاد المقترح أعلاه من قدرة القطاع الخاص على امتصاص العمالة الفائضة التي ستنتج عن عملية الخصخصة، والتي قد تزداد من خلال التوظيف الاجتماعي الكبير بعد الأزمة مثلما حصل في تونس.

وبالنسبة للحيازات الصغيرة التي تهيمن على القطاع الزراعي والتي تعوق إدخال المكننة والري الحديث وتقنيات زراعة الأراضي الجافة، فتكون معالجتها برفع سقوف الملكيات الزراعية الخاصة، بعدما زال الإقطاع إلى غير رجعة، وتحميل المالك الجديد مهمة توفير مستلزمات الإنتاج والطاقة على نفقته الخاصة، والسماح له ببيع محاصيله الرئيسية للدولة ولغير الدولة، ضمن خطط الدولة التوجيهية، وكذلك السماح له بإقامة تعاونيات زراعية خاصة، خارج تعاونيات اتحاد الفلاحين، مع توفير التمويل المصرفي للمزارعين صغاراً وكباراً.

وسيكون للإجراءين الصناعي والزراعي أعلاه اللذين أصبحا حاجة وليس خياراً، أثر عميق على زيادة الإنتاج والإنتاجية خلال مرحلة إعادة الإعمار، وسيوفران للدولة المزيد من العوائد المالية لتمويل عملية إعادة الإعمار، مما سيساعدها على تقليص حاجتها للاستدانة الداخلية والخارجية التي ستتعاظم إلى حد كبير خلال هذه العملية.

وأخيراً ما جاء في المقالة أعلاه هو عناوين مكثفة لإستراتيجية ولمقترحات كل منها يحتاج لمقالة مفصّلة ونقاش عميق.

الوطن

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]