فشل إداري في مؤسساتنا عن سابق إصرار وغياب المعايير غيّب فرص النجاح… تخبط حتى التنازع في المفاضلة بين مدير “ابن المؤسسة” وآخر من خارجها وكفة “التزكية” راجحة .. راجحة

 

 

 

خاص – الخبير السوري:

على الرغم من كثرة الأحاديث عن الإصلاح الإداري بقيت الذهنيات الإدارية على حالها ولم تتفاعل وربما لا يمكن لها أن تتفاعل مع أي تطور قد يطرأ على العمل الإداري في مؤسساتنا الحكومية التي رزحت لسنين طوال تحت وطأة الروتين والبيروقراطية، ناهيك عن منظومة الفساد التي استحكمت بالفكر الإداري، وغياب الروح الجماعية وسيطرة الذهنية الزعامية والمتفردة في اتخاذ القرارات على المستوى التنفيذي خلال تلك المراحل.

 

جدلية الاختيار

لكن السؤال الأكثر جدلاً في ظل تلك الظروف يتعلق بمسألة اختيار “الرؤساء الإداريين”، فهناك من يرى أن تتم الاستعانة بالكفاءات العلمية من خارج ملا ك المؤسسة، وهنا قد تحدث مشكلة وخاصة إذا كان المدير المستقدم من خارج القطاع غير فني وهذا يعني فشل العمل برمته، والرأي الآخر يقول إنه من الأسلم أن يتم اختيار شخص لمنصب المدير من داخل المؤسسة نفسها، وفي هذا أيضاً خطورة فربما يكون هذا الشخص جزءاً من منظومة الفساد أو التعطيل التي سادت هذه المؤسسة أو تلك وبالتالي لن يكون هناك أي تغيير في الذهنية مع أنه تم تغيير الأشخاص.

في حديث سابق مع الدكتور محمد يوسف الحسين أستاذ القانون الإداري في جامعة دمشق رأى أن مسألة تفضيل شخص من أصحاب الكفاءات العلمية والأساتذة الجامعيين لشغل منصب إداري مهم وبيّن أن تفضيل شخص من الملاك ذاته هو مسألة معقدة جداً لا يمكن إطلاقها والبت فيها دون حدود ودون ضوابط.

وبين د. الحسين أنه في بعض المؤسسات يوجد أشخاص نوعيون ويمتلكون تراكماً معرفياً بتفاصيل وجزئيات المؤسسة التي يعملون بها، وتساءل: لو كان بإمكان هذا الشخص أو كانت تتوفر لديه إرادة تطوير المؤسسة التي يعمل بها فما الذي منعه من ذلك؟، ولماذا ارتضى لنفسه أن يخضع لقرارات فاشلة؟، ثم استدرك وقال: ربما يقول قائل إن العقلية الزعامية للمدير التي تسيطر على الواقع الإداري لدينا، قد تمنع أي موظف لديه من إبداء رأيه حيال قضية ما تخص المؤسسة وتساعد على تطويرها، وهذا ممكن ولكن لا بد أن يكون هناك نسيج قانوني وتنظيمي يحكم العلاقة بين الموظف ومديره، فمن غير المنطقي أن يكون ولاء الموظف لمديره أكثر من ولائه للمؤسسة التي يعمل بها.

 

تغيير الوجوه

لا شك أن الفساد الذي تُعانيه بعض مؤسساتنا الحكومية قد خلق واقعاً من تشابك المصالح والعلاقات بين الموظفين داخل المؤسسة وبينهم وبين مديريهم، ومن هنا تأتي خطورة تغيير مدير بآخر من داخل المؤسسة، وفي هذا الصدد رأى د.الحسين أنه حتى يتم تفكيك شبكة العلاقات وخاصة في ظل جو فاسد تعيشه بعض المؤسسات الحكومية، يجب أن يتم تطعيم هذه المؤسسات بأشخاص لديهم ملكات قيادية للنهوض بها نحو الأفضل، وقال: لا أقصد أن يتم الاعتماد على أساتذة الجامعات أو أناس من خارج الملاك وإنما أقصد تغيير الوجوه من خلال إدخال أشخاص يكون لديهم عمق في التجربة والخبرة الإدارية ومشهود لهم بالأمانة والكفاءة ويكونون نوعيين أي أن يتواءم فيهم الاختصاص النوعي مع الحلقة الوظيفية التي سيشغلونها، بمعنى ألا يتم الإتيان بأستاذ قانون دولي خاص ويتم وضعه مدير حلقة إدارية تحتاج إلى أستاذ في القانون الإداري، ولا بد عند اختيار القائد الإداري من أن يتم اللعب على مسألتي المعايير والمقاييس معاً بمعنى أنه من الجيد أن يتمتع المدير بالأخلاق الحميدة والمعرفة لكن أيضاً يجب أن تتوفر لديه مقاييس تتناسب مع المنصب الذي سيشغله.

وأضاف د. الحسين: لا يجب أن ننكر إنكاراً مطلقاً ضرورة انتقاء بعض المديرين من داخل مؤسساتهم وهذا يجب أن يخضع لمعايير شديدة، وفي الوقت نفسه لا يمكن استبعاد أساتذة الجامعات وأصحاب الكفاءات العلمية من تقلَُّد المناصب الإدارية وخاصة في الاختصاصات النوعية التي يحملونها وضمن معايير أيضاً يجب أن تكون شديدة، وذلك على الرغم من المقولة التي كانت تتردد على لسان الحكومة السابقة من أن الأستاذ الجامعي رجل نظري وبعيد عن الواقع العملي ولا ينجح في العمل الإداري وهو ينظِّر وحسب، ورداً على هذا الكلام قال د. الحسين: صحيح أن الأستاذ الجامعي ينظِّر لكن على الأقل لديه ما ينظِّر فيه ولديه رؤى واستشراف للمستقبل وقاعدة معرفية يمكنه أن ينطلق منها.

وذكر د. الحسين أنه لا بد من مراقبة حركة هؤلاء المدراء سواء أجاؤوا من داخل المؤسسة أم من خارجها من خلال تقييمهم الدائم والدوري وبشكل فاعل حتى لا يستفحل الفشل إلى أن يدمر المؤسسة وبعدها تتم إقالته كما هي العادة.

 

ثقافة سائدة

اعتدنا في أغلبية قطاعاتنا ومؤسساتنا الحكومية على رؤية المهندسين في القيادة الإدارية ولا ندري سر هذا التعميم، علاوة على ذلك فإن التعيين لا يكون مرده اختصاصياً أو فنياً فمعظم من هم في مناصب إدارية حساسة من مهندسين لا تتواءم اختصاصاتهم مع المنصب الذي يشغلونه، وفي هذا السياق حذر عميد كلية الحقوق من المغالاة في تنصيب المهندسين مدراء إداريين واعتبر ذلك السبب الرئيسي لفشل العديد من المؤسسات، وقال: المهندس هو فنان ومبدع، فما معنى أن يتم زجه في إشكالية قانونية وإدارية لا يفهمها وبالتالي يُساء إلى ذهنيته الفنية من جهة وإلى المنصب الإداري من جهة أخرى، ورأى أنه من باب أولى أن يصار إلى وضع مدراء يتمتعون بمعرفة إدارية وقانونية ويقدرون على تهيئة المناخ المناسب لهذا المهندس ليستمر في إبداعه الفني، وذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية احتفلت في عام 1920 بإقصاء آخر مهندس عن الإدارة، وأضاف: لا بد من توسيع الدائرة لاستلام المفاصل الإدارية من أشخاص نوعيين وقانونيين وإداريين في المستوى الأول، ويجب تدعيم كل مؤسسات الدولة بمديريات قانونية تمتلك أشخاصاً نوعيين قادرين على تعديل نقاط الضعف التي يكون مردها قانونياً أو إدارياً.

 

موهبة القيادة

الإدارة – حسب الدكتور الحسين – فيها نوع من التشابك والتشارك بين قواعد تتجسد بقوانين وأنظمة وبين أشخاص يحاولون تسييد هذه القوانين والأنظمة على أرض الواقع إضافة إلى مجموعة مستلزمات ضامنة لنجاح هذا النسيج في العملية الإدارية، والقائد الإداري هو المحرك لمعطيات جامدة لا يمكن ترجمتها إلا من خلال العناصر المكونة للإدارة، والقيادة هي موهبة فهناك أشخاص يتمتعون بفكر علمي جيد لكنهم غير قادرين على قيادة مؤسسة، وهناك أشخاص يمتلكون مفاتيح بسيطة من المعرفة الإدارية إلا أنهم يمتلكون كاريزما تمكنهم من القيادة، فالحالة لا تكمن بالشخص وحده أو بالمعرفة وحدها، بل يجب أن نزاوج بين الشخصية والمعرفة، وفي الوقت نفسه هناك أشخاص جيدون نقوم باختيارهم ووضعهم بأماكن لا تتلاءم مع إمكاناتهم النوعية والمعرفية، وهنا نكون كما لو أننا أسأنا للشهادة العلمية وللشخص الذي يحملها وأيضاً أسأنا للمنصب الوظيفي ما يؤدي إلى الفشل الأكيد، ولا بد من إدخال شيء مهم هو التوصيف الوظيفي من خلال المواءمة بين الاحتياج الوظيفي وإمكانيات الفرد على تحقيق هذه الاحتياجات وذلك من خلال ما لديه من تراكم معرفي وأخلاقيات مهنية مناسبة.

ختاماً: لا يبدو أن التغييرات في هرم مؤسساتنا الحكومية قد آتت أكلها في ظل بقاء الهيكليات الإدارية ممثلةً بمدراء تشبعوا بعقليات بائدة أفشلت كل محاولات التقدم والإنجاح، ولا يخفى على أحد أن من تربى في حضن الفساد لا يمكن له أن يصلح، ولاسيما مع غياب القدرة الرقابية القادرة على التقييم الفعلي لمجمل الأداء الإداري لهؤلاء المديرين، وبالتالي وجدوا أنفسهم غير معنيين بالفشل الذي لحق بمؤسساتهم، وبقاؤهم في أماكنهم يعني أننا سنحصد النتائج ذاتها مع تبدل النكهة ليس إلا.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]