سوريون ينتصرون على الأزمة بموارد رزق حلال..”بزنس” تحت الطلب والحاجة أم الاختراع

الخبير السوري:

عندما ننظر إلى ما جرى في ظل الأزمة الاقتصادية المتردّية التي أنتجتها الحرب على سورية، والتي انعكست على الأسر بضيق كبير جعلَهم يفكّرون في اجتراح موارد جديدة للقمة عيشهم…تتدافع نصب أعيننا الكثير من المشاريع و المهن التي عبَرَت إلى ضفّة النجاح .

مهارات ناعمة

ويبدو العنصر النسائي الطاغي عددا في المجتمع السوري هو صاحب النصيب الأكبر من التجارب الجديدة في رحلة البحث عن موارد معززة للدخل.

إذ لم يكن تقليديا وعاديا أن تعمل سيّدة في جلي البلاط مثلا.. أو سائقة شاحنة أو في مجال الميكانيك، ولم يعد الموضوع غريباً أن تطلب تكسي عبر تطبيق معين ويأتيك كابتن “فتاة” بكل أناقة ورشاقة، فالأزمة على الرغم من أنها أزمة لكن عمل المرأة ازدهر فيها ولم يتأزم….

خلال توالي يوميات الأزمة الصعبة..تم إعادة إحياء مهن قديمة كانت على وشك النسيان، فحينما أحجم الناس عن شراء السّجاد الجديد والأواني المنزلية بسبب أن هذا وذاك أصبح مكلفاً عاد الناس لإصلاح السّجاد أو “رتيّ السجاد” وأيضاً لتبييض وإصلاح الأواني النحاسية التي باتت تُستخدم من قبلهم لعدم قدرتهم أيضاً على شراء أواني منزلية، شراء أي شيء أصبح مكلفاً لذلك من الطبيعي أنّ هذه المهن “الترميمية” وغيرها تعاود الظهور يا خلال الأزمة أكثر من غيرها من المهن.

الفشل لا يُولَد ناجحاً

عندما يتمعن كل منّا بظروفه الخاصة سيبتكر بالتأكيد فكرة رائدة تناسب عوامله الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأن أي فكرة صغيرة قد تتحول إلى مشروع كبير، ولو جذبْتُ انتباهكم إلى المشاريع التي بدأت صغيرة ثم كبرت خلال الأزمة سأتوجّه بكل تأكيد نحو نموذج سوري متميّز شهدناه في جبال طرطوس .

حيث بدأ من مقهى صغير متواضع وآلَ إلى غابة استوائية تعتبر من أنجح وأشهر المشاريع التجارية والسياحية التي أصبح يقصدها الكثيرون للتعرّف على عملية الإنتاج المتكاملة المذهلة التي حققها بنجاح وإبداع صاحب هذا المشروع، على الرغم من أن محاولاته الأولى باءت بالفشل إلا أنه في كل مرة كان يقف مجدّداً ولم يتخلّ عن فكرته أبداً.

وهناك نموذج آخر لسيّدة سوريّة كانت تصنع الكبّة المشوية في أحد أسواق دمشق القديمة… فرائحة الكبّة المشوية ودخانها كانت تنادي الجميع واعتادوها وجعلت الناس يقصدونها من كل الأماكن…

يوجد الكثير من هذه المشاريع التي يطول الحديث عنها لذلك أَختَصِر و أقول أن إضاءتي عليها تنبع من الملاحظة أن السوريون يمتلكون فكر تنموي وكفاءة مشاريع صغيرة قد تحقق توازن كبير، وإنّ دعم المشاريع الصغيرة شيء مهم لمجتمعنا السوري ويبدو من الحلول المقبولة في عجلة النمو الاقتصادي لما بعد الأزمة.

الازدهار في عنق العقوبات

خلال العامين الأخيرين ازدادت أهمية شركات الصرافة والحوالات المُرخّصة في ميزان حسابات المركزي السوري.

كونه بحسب الباحث الاقتصادي عمار يوسف «نسبة السوريين الذين يعتاشون من الحوالات الخارجية وصلت إلى 70%»، وشهدنا أيضاً ازدياد في عدد مراكز التجميل وشركات الدعاية والإعلان والإنتاج الفني وبالتأكيد ازداد عمل شركات الطيران وظهور لشركات الطاقة البديلة، هذه أبرز أنواع الشركات التي جالت نتيجة الحاجة لها في عنق الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،.

ويمكننا ربط “العمل عن بعد” في ظل الأزمة تحت نطاق الشركات كون أغلب الشركات العامة والخاصة لديها منصات ومواقع إلكترونية وتشير العديد من البحوث حسب منظمة التنمية المحلية إلى أن مستقبل العمل عن بعد سيتساوى إن لم يكن سيتجاوز مواقع العمل والمكاتب الثابتة بحلول عام 2025 بسبب أن الواقع الحالي حسب الدراسة التي أجريت مؤخراً على فئة من الشباب السوري يوضّح أنهم يمتلكون تماماً مقومات العمل عبر الإنترنت من دون معرفتهم ذلك، ويحتاجون إلى دعم فني واستشاري فقط.

ومن الأعمال الجديدة الانتشار وليست جديدة الوجود “التسويق الإلكتروني” حيث إن أهميتها برزت خلال الأزمة وذلك حسب ما أكد لنا الخبير في إدارة الأعمال والتسويق الإلكتروني محمد شرقطلي وأكمل: نستطيع القول بأن خلق الفرص بطريقة إبداعية تحتاج إلى مهارة وفن كما أنه يؤدي دوراً تعليمياً وخدمياً وحكومياً، كونها تقوم بجرّ حتى الأجهزة الحكومية والخاصة والمشتركة لمواكبة الحركة العالمية في التحول الرقمي لتصبح مكتوبة ومرئية ومسموعة في نفس الوقت مما يسوّق لها أكثر فبالتالي يكون تأثيرها ونجاحها أكبر.

وأضاف شرقطلي: إذن التسويق الإلكتروني ليس محصوراً بالأزمة بل هو نتيجة تحول عالمي يحصل وبذات الوقت بدواعي من الأزمة كالبنزين وكورونا وغير ذلك…. وأَنا مستغرب كثيراً من طلاب الآداب في الجامعات الذين يشتكون عدم وجود فرص عمل وتابع: أؤكد لهم أن التسويق الإلكتروني حاجة ملحة في هذا العصر لكل متخصص مهما كان اختصاصه لتقديم ما يملكه للآخرين بالشكل الصحيح.

المهن الفكرية تتنافس بشراسة

أما بالنسبة للمهن الفكرية فلم تنشط مهنة كمهنة الصحافة والإعلام كونها تزدهر في ظل الأزمات والحروب والكوارث، وفي سورية لبست رداء جديد وهو “صحافة الموبايل” التي ذكرها لنا الدكتور في الإعلام عمار أبو لبادة، ووضّح في حديث خاص لتشرين أنها الآن مسيطرة ومختلفة في تحريرها وصياغتها وهذا ما يتطلب من الزملاء الصحفيين تطوير مهاراتهم في الصحافة الرقمية بشكل مستمر.

كما تطرّق لأهم العوامل التي شجعت ظهور وسيطرة هذا النوع من الصحافة على وسائل التواصل الاجتماعي وكان أولها كورونا التي حدّت من إمكانية التنقل بين مختلف المواقع وتوقّف الإصدار الورقي لجميع الصحف والمجلات وشح المواد النفطية وارتفاع أسعار المواصلات وصعوبة الحصول على وسيلة نقل عامة كل هذا كرّس لهذا النوع الجديد قيامه وهيمنته.

وأكمل أبو لبادة عن شبح الحرب الأسود ومعاناة مهنتنا معه: كان للصحفي معاناة كبيرة جداً خلالها في سبيل الحصول على المعلومات نتيجة الأوضاع الأمنية السائدة خلال السنين الفائتة وسقط الكثير من الشهداء الإعلاميين من مختلف الوسائل الإعلامية، كما تم استهداف العديد من المواقع الإعلامية وتخريبها، كل هذا عزز النشوء والانتشار الواسع للصحافة على السوشال ميديا.

وعن مهنة المحاماة التي تتحمل عدد كبير ومتزايد من القضايا الناجمة عن ظروف الحرب العصيبة فبالتأكيد عمل المحاكم في ازدياد حيث كثرت السرقات والجرائم بشكل طبيعي نتيجة الأزمة ويكمن عمل المحاكم أيضاً في سنوات الأزمة عند إصدارات العفو المتكررة التي تزيد من انشغالها وظهور قانون الجرائم الإلكترونية سبب وجيه آخر….

عكس الاتجاه

لن نبتعد عن سياق المهن المزدهرة خلال الأزمة وهذه تحديداً تثير الاستغراب في ازديادها كونها جمالية أو تجميلية بتعبير أدق حيث أشار نائب نقيب الأطباء في سورية غسان الفندي إلى أن “سوريا في السنوات العديدة الأخيرة خرّجت أطباء مختصين في التجميل أضعاف عدد الأطباء المختصين بالاختصاصات النادرة” متوقعاً أن عدد الأطباء في سورية ما بين 25 إلى 27 ألف طبيب.

وأخيراً وبعد تقديم أبرز المهن والمشاريع والشركات التي ظهرت أو ازدهرت خلال الأزمة السورية نلاحظ أن كل المحاولات الخارجية لشلّ اقتصادنا وحركة مجتمعنا باءت بالفشل، وأننا شعب من عقيق وأرجوان لديه صلابة الفكر المقاوم تجاه صعوبة المعيشة التي أنتجتها الحرب والعقوبات الشديدة، وبكل تأكيد هذا لا ينبع من إرادتنا بحياة معيشية سيئة بل ينبع من قوة تحمل وتقدير للظروف الاستثنائية التي يمر بها وطننا الحبيب من قبل أغلب الفئات والشرائح المتنوعة في المجتمع.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]