أهمّ ميزة نسبية سورية تحترق على طاولات تخطيطنا المرتبك.. والتخبط سدَّ الطريق المؤدية إلى فرص “الذهب الأبيض”

 

خاص – الخبير السوري:

بينما تتنافس وكالات الألبسة ودور الأزياء العالمية على تقديم الموديلات الجديدة في عالم الأزياء والموضة مع قدوم كل فصل أو عام جديد، لتفتقد موديلاتها وتصاميمها للعام الفائت قيمتها وجدواها مع قدوم أزياء العام الجديد، نجد أن صناعة الألبسة لدينا لا تتعدى كونها حرفة حافظت الأجيال المتعاقبة على امتهانها، دون أن تدخل عليها تعديلات عميقة وجدية في مجال التصميم، إلا الشيء اليسير، ما جعلها تقليدية الصبغة غير قادرة على مجاراة الموديلات الجديدة في هذا المجال…

إشكالية مزمنة

هذه التصاميم الراقية جعلت من بعض العواصم العالمية رمزاً للأناقة والجمال رغم عدم امتلاكها المدخلات الأساسية لهذه الصناعة، بينما نحن الذين نمتلك من الأخيرة الشيء الكثير فشلنا في تطوير صناعة الألبسة وموديلاتها في بلادنا، والكثيرون يرجعون المشكلة إلى غياب العقل المؤسساتي الناظم لورشنا ومعاملنا العاملة في مجال صناعة الألبسة، التي تفتقد في أغلبها قسماً خاصاً بالتصميم وتطوير نوعية الألبسة، وباتت إشكالاً مزمناً وعقبة في وجه التطور في مستوى ألبستنا الوطنية، كافتقاد مؤسساتنا العامة قسم التسويق مثلاً، وبقاء هذا القسم في إطار الصيغة الشكلية غير الفاعلة حتى إن وجد أساساً، فلماذا تبقى صناعة الألبسة لدينا ضمن حدود التقليد فقط لتغزوها المنتجات القادمة من وراء الحدود، وهذا ما حدا بالدكتور غسان طيارة وزير الصناعة الأسبق لتعداد المعيقات التي تقف في وجه تطوير صناعة الألبسة الجاهزة، حيث اعتبر أن «المشكلة تبدأ بالآلات وصولاً لضرورة استقدام مصممين جيدين، فالآلات التي نملكها قديمة جداً غير قادرة على تصنيع الأقمشة الجيدة، وما يترتب على ذلك من ضرورة تعديل بعض خطوط الإنتاج، فمن من غير المقبول أن تصنع شركة ضخمة ألبسة غير جيدة، وصناعة الصوف تحتاج إلى تطوير، وهذا سيساعد على تحسين جودة الألبسة الجاهزة، والتدريب غير منظم، وعدم استقدام المصممين الجيدين أيضاً»..

مشروع لم يرَ النور

مشروع طرحته وزارة الصناعة في عام 2005 لاستقدام مجموعة من المصممين من الدول الأوروبية، ولكنه لم يرَ النور، لرفض الشركات والمصممين الأجانب تقديم أية عروض، وهذه إحدى الخطوات في طريق تطوير صناعة الألبسة الوطنية، ويتم -حسب د. طيارة – من خلال «استقدام المصممين والمدربين من دول شرق آسيا، وماليزيا، والصين، أو اليابان، أو الاعتماد على مصممين محليين لتأهيل الكوادر، وعلى تصنيع الأقمشة الجيدة، فنحن نملك أفضل الغزول، ولكن لا ننتج ألبسة جيدة بالضرورة، لأن الموديل غير مريح، لذلك لا بد من المساعدة في التصميم، والصباغة والطباعة المتميزة، وللحكومة دور من خلال تشكيل صندوق لدعم تأهيل العمالة في مجال تصنيع الألبسة الجاهزة، فالاستثمار في البشر يعطي أفضل القيم، وتشجيع الدولة هو الأساس، فورشات الألبسة الجاهزة الخاصة ليس لديها التدريب والتأهيل الكافيان، ولذلك يجب تأسيس مركز للتدريب على تصنيع الألبسة الجاهزة، عبر تدريب جميع هذه الورشات»..

للعامل المادي دور في الاستقطاب

الحديث عن استقدام المصممين تختلط فيه الآمال المعقودة عليهم بحجم الإغراءات المادية التي لم يقتنع البعض بضرورة إعطائهم إياها، فالعامل المادي يلعب دوراً في جذب المصممين العالميين والمحليين، ولهذا العامل أيضاً دور سلبي اليوم، حيث أشار د. طيارة إلى أنه «يجب اعتماد الحوافز مع هؤلاء المصممين، فالمبدع ينتج 4 موديلات في العام الواحد، بينما رفع في المقابل من قيمة النماذج المصنعة، أفلا يستحق هذا جزءاً من المبالغ والأرباح الطائلة التي ستحققها تصاميمه»..

مدينة سورية للأزياء

تشجيع الاستثمار في مجال تصميم الأزياء يتم بالسعي لبناء مدينة سورية للأزياء، ويمكن الاستفادة منها في مجال الأزياء والموضة، بدلاً من استقطاب مصممين مميزين يعملون في أهم الماركات العالمية بدلاً من شراء تصاميمهم في أحسن الأحوال من بعض فروع الماركات لدينا، ما يجعلنا في حالة تبعية دائمة لمصممي هذه الماركات، فما الذي يمنع من تأسيس مدينة للأزياء في سورية مصغرة عن المدن العالمية المشابهة؟! وهذا ليس بدافع التقليد، وإنما لضرورة الاستفادة القصوى من القطن السوري الذي يستنزف مواردنا المائية، ولتحسين جزء من صناعتنا، وهو صناعة الألبسة التي لنا في مجالها باع تاريخي طويل، وعند هذه النقطة أشار د. طيارة إلى أن «اليابان هي وحدها التي تملك مدينة خاصة بالألبسة الجاهزة، ولكن لا احد لدينا يفكر في هذه الأثناء بتأسيس دور للأزياء، ولكن مركز بحوث الصناعات النسيجية أعد مشروعاً لتجهيز دورات تدريبية في التصميم والتأهيل، ونحن نحتاج لمدارس تدريب على التصميم، ويوجد في سورية مصممون جيدون من المفترض دعمهم، ليقوموا بتدريب عمالتنا على جودة الإنتاج، وتنفيذ تصاميم جديدة، فمعرض الألبسة ليس الأفضل، وإنما معارض الأزياء، وضرورة الضرورات تقتضي الموازاة بين التصميم والتجميع»..

ضعف التصميم

ضعف التصميم إحدى الصعوبات التي تواجه عملية صناعة الألبسة وتطويرها لدينا، حيث أظهرت ورشة العمل التي أقامها برنامج التحديث الصناعي أن 10 بالمائة فقط من الشركات تمتلك قسماً متخصصاً في التصميم، كما أن صاحب الشركة أو أحد أفراد العائلة هو في الغالب من يقوم بمهمة التصميم من خلال تقليد الآخرين ومحاكاتهم، أو بالاعتماد على نماذج معدة من المستورد الخارجي، والتي تضاف إلى ضعف المعرفة لدى مصممي الأزياء بالأقمشة والإكسسوار باتجاهات الموضة وتطورها، فنتائج هذه الورشة تؤكد دون شك أن تصميم الملابس يتم بشكل أقرب إلى العشوائية والتقليد، بينما هو في المقابل صناعة عالمية تتفنن في تقديم الجديد والمتميز ما جعلنا في آخر القائمة العالمية بمجال الإضافات المعرفية والفنية الحقيقية على ملبوساتنا المصنعة، وتساءل د. غسان طيارة خلال حديثه عن أهمية التصميم ودوره في تحسين جودة الملابس الوطنية، وجعلها أكثر تنافسية في سوقها الداخلية والخارجية قائلاً: «ألا نستطيع استقدام مصممين من الدول العربية أو تدريب مصممين في سورية؟!»..

وتطرق د. طيارة في حديثه إلى العديد من التجارب العربية الرائدة في مجال الأزياء، والتي اعتمدت في بداية نشأتها على استقدام خبرات الدول الأوروبية والاستفادة منها، «من مصلحة الدول الكبرى المتقدمة أن يُصنَّع باسمها في الدول الأخرى، فتجارب رومانيا وبلغاريا في السبعينيات والثمانينيات تبيّن اعتماد أحسن دور الأزياء في فرنسا على التصنيع في تلك الدول، وفي تونس مصنع للألبسة الجاهزة الرجالية بطلبات خاصة لايطاليا وفرنسا»..

القيمة المضافة الأكبر غائبة

صناعة الملابس قيمة مضافة بحد ذاتها، إلا أننا لم نحسن الاستفادة منها، أي أن هناك أرباحاً مضاعفة يفتقدها اقتصادنا لعدم رغبة البعض أو سعيهم للاستفادة من ميزاتنا النسبية بشكلها المطلق، فالأرباح المقابلة لتحويل أقطاننا إلى ألبسة جاهزة لا تقدر بثمن، حيث اعتبر د. طيارة أن «تحويل الأقمشة إلى ألبسة جاهزة يزيد قيمتها بمقدار ستة أضعاف، وتحويل الأقطان إلى أقمشة يزيدها ستة أضعاف أخرى، وبالتالي، فإن تحويل أقطاننا إلى ألبسة جاهزة سيعظم الفائدة الحالية لهذا القطاع بمقدار 12 ضعفاً… وهذا لا يكفي لكنه يجب أن يترافق مع تعقيد إجراءات استيراد الألبسة الجاهزة من خارج سورية، فتصدير منتجاتنا النسيجية إلى مصر فيه الكثير من الصعوبة، بينما تأتينا الألبسة الجاهزة من تركيا دون معيقات»..

معيقات ليست بالقليلة لا تزال تقف بوجه تطوير صناعة الألبسة لدينا، ولكن اختراقها ليس بالأمر المستحيل، وتكلفتها ليست بالكبيرة، والمطلوب قرار وخطط لتطوير هذه الصناعة، والبدء مما أسس عليه السابقون في وزارة الصناعة، بدلاً من تجاهل مقترحاتهم في أحسن الأحوال، فالكرة في ملعب وزارة الصناعة المعنية الأولى والأخيرة في تطوير صناعة نمتلك من مقوماتها الكثير، فالـ«ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع»، ولكن إلى متى سيستمر اعتماد السوريين على الألبسة المستوردة؟!..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]