مخرجة سورية تصدم المشاهدين وتوجعهم بكاء…

فؤاد مسعد:

عندما اسدل الستار عن الحلقة العاشرة من (#كسر_عضم) كان لايزال العديد من المشاهدين جالسين في أماكنهم أمام الشاشة وقد ارتسمت على وجوههم علامات الدهشة والصدمة معاً ، تلك الدهشة التي صنعتها المخرجة #رشا_شربتجي في عمل حرصت فيه على حياكة أدق التفاصيل بدقة عالية ، انتهت الحلقة كما ينتهي فيلم سينمائي عاش الجمهور أحداثه بشغف وترقب ضمن صالة العرض وانتهى بموت البطل ومن ثم ظهور شارة النهاية على الشاشة الكبيرة في الوقت الذي بدأت فيه الأنوار تعود للإضاءة من جديد بشكل تدريجي ولكن رغم ذلك كله بقي الجمهور جالساً في مكانه لا يدري كيف يتعامل مع دهشته والأعين مسمّرة على الشاشة ، أيصفق لمشهد حمل تأثيره العالي أم يكمل بكاءه المرير على بطل أحب نبله وشهامته ووقوفه في وجه أقرب الناس إليه ساعياً إلى إحقاق الحق .

كاتب العمل علي معن صالح وبالشراكة مع مخرجة تعرف كيف تعيد حياكة النص صورة تنبض إحساساً يلامس الوجدان وتتصيد اللحظة التي تحفر عميقاً ، استطاعا معاً إرباك المشاهد في نهاية حلقة حُبكت بعناية وجاءت مُشبعة بالفعل الدرامي المؤثر الذي شكّل في مجمله تمهيداً لحالة انتحار لم يتوقعها المشاهد رغم الإرهاصات التي سبقتها بما فيها الصراع الداخلي لدى (ريان) الذي لم يثنه عن حسم أمره لا بل كان المحرّض إضافة إلى مونولوجه الداخلي وحرصه على توديع صديقه بحميمية والدمعة في عينيه ، إنها الحلقة التي أعلن فيها انتصاره وسلاحه هذه المرة صفعة تحمل رائحة الموت وجهها لوالده المتسلّط الفاسد ، الأمر الذي عبّر عنه الأب وهو يضم ابنه المُضرّج بدماء (كسرت ضهري لآخر العمر) ، فماذا ينفع الانسان لو ربح العالم وخسر ابنه !؟..

لم ينتظر صناع العمل حتى نهاية المسلسل ليقوموا بصفع الجمهور بحدث صادم غير متوقع يرسم علائم الذهول على الأوجه ، وإنما ذهبوا إلى الخيار الأصعب والأذكى والأكثر تأثيراً بأن تكون الحلقة العاشرة فيصلاً ونقطة علّام ، الأمر الذي حمل بين طياته رسالة يمكن قراءتها على نحو أن (القادم من الأحداث أعظم) ، فأن تُنهي حضور شخصية رئيسية مع نهاية الثلث الأول من المسلسل فمن المفترض أن يشي ذلك بتصعيد وتسخين الساحة أكثر فأكثر ، خاصة أن الخطوط كلها لاتزال مفتوحة والصراعات فيها على أشدها ، فمع انتهاء أحد أدوار البطولة سيتم فتح الباب لبطولة أخرى عبر شخصية تكون محورية لحلقات قادمة .

ذلك كله بكفة والأداء الذي جسد هذه الحالة بكفة أخرى تحت إدارة مخرجة تعرف تماماً كيف تحرّض الكامن والمُخبأ لدى كل فنان يقف أمام كاميرتها وتستفز ملكاته ليكون أكثر إقناعاً ومصداقية ، فالقدير فايز قزق أظهر أنه بالفعل (فنان من الوزن الثقيل) وأسطع مثال يترجم هذا الكلام آلية أدائه حين تلقيه نبأ وفاة ابنه وانتقاله من حالة إلى أخرى في اللحظة نفسها ، إنه الانتقال الفوري من شخصية الوحش الكاسر إلى شخصية الأب الضعيف المكسور عديم الحيلة ، لقد قرأ الشخصية من منظور المبدع لتلمّس ما بين السطور وتقديمها وفق إيقاع كانت الحركة والنبضة ونظرة العين فيه محسوبة بدقة ، أما الفنانة نادين فجاءت كلماتها لحظة إلقائها نظرة الوداع على جثمان ابنها مشغولة بماء الروح وحمل صوتها جروحات العمر ، دوت صرختها عالياً فجاءت معجونة بالقهر تختزل وجع سنوات سكتت فيها عن الألم المُخبأ في قلبها ، لم تكن نجمة في الأداء ودفق الإحساس فقط وإنما في نبرة الصوت وتلونه أيضاً فجاء كأنه سكين تحز في عمق القلب تأوهاً . في حين ابدى الفنان سامر اسماعيل قدرة عالية على تجسيد دور الرجل الشهم والنبيل فجذب إليه الأعين خاصة أنه البطل الإيجابي الذي لا يرضخ للضغوط ولكن يعيش مرارة الصراع بين مبادئه والواقع الذي وضع فيه ، وقد بدا واضحاً طريقة اشتغالها على الشخصية بعمق ودراية وآلية بناء لإظهار عوالمها الداخلية وكيفية تفكيرها وبالتالي تعاطيها مع المستجدات.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]