بعد غلاء الأسمدة..”سماد الدود” هل يكون الحل الأمثل.. أم سيضاف لأحلام الرز الهوائي والمتة؟

الخبير السوري:

بعد مضي أكثر من عام على تزايد الحديث عن سماد الدود “فيرمي كمبوست” في الأوساط غير الرسمية، وتبنيه من بعض الجهات، تقرّر مؤخراً اعتماده من قبل وزارة الزراعة بعد أن وصل سعر السماد إلى مستوى كارثي يجعل من شرائه أمراً صعباً في ظل الارتفاع المتزايد لبقية الكلف لتجهيز الأرض والري والنقل، حيث سبق وأن بدأ الترويج له من قبل عدد من منتجي هذا السماد على أنه مشروع صغير ممكن لأي شخص العمل به، بدءاً من مطبخ منزله وصولاً إلى إنتاجه ضمن مزارع ضخمة، والسؤال هنا: ما مدى صحة هذه المعلومات، وهل حقاً سينجح هذا المشروع في ظل غياب واضح للآراء الأكاديمية في وقت ظهرت فيه آراء من فلاحين وأصحاب مشاريع يدّعون فيها أنه مشروع مستدام ومربح؟!.

نأمل الدعم والتوجيه

يقول المزارع خليل محمد السليمان الذي افتتح مشروعاً صغيراً لتربية الديدان وإنتاج سماد الدود في قريته “تل الورد” في ريف حمص الشرقي، مستفيداً من معلومات وسائل التواصل الاجتماعي، وتواصله مع صاحب مزرعة لإنتاج سماد الدود بريف دمشق: إن المشروع لا يحتاج لإمكانيات مادية كبيرة، فقط يحتاج لشراء عدد قليل من الدود ومن ثم تتمّ مكاثرته دون عقبات، مشيراً إلى أنه أنشأ مؤخراً 3 أحواض بطول 8 أمتار وعرض متر لتربية الديدان مراعياً بعض الشروط الخاصة والبسيطة. وذكر أن التجربة تزداد توسعاً في منطقته، فبعض أصدقائه جربوا السماد على القمح والشعير وحتى على النباتات الطبية، وكان الفرق واضحاً بين الأرض المسمّدة كيميائياً وبين المسمّدة “بالدود”. وبيّن السليمان أنه حتى الآن بقي مشروعه ضمن خانة التأسيس ولا يمتلك التمويل الكافي لتوسيعه، وكل ما جناه خارج تسميد مزروعات أرضه هو بيع كميات من الديدان فقط، مؤكداً أن غايته الأساسية ليست المتاجرة بل تأمين غذاء صحي، وفي الوقت نفسه تخليص البيئة من الفضلات والمخلفات، وهو مع جميع الفلاحين بحاجة لدعم تجربتهم من قبل وزارة الزراعة والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية السورية لجهة تجهيزات المشروعات وتحويلها إلى مشروعات إستراتيجية واعدة.

النظر للربح سيفشله

الدكتور المهندس بسام إبراهيم السيد اعتبر أن المشروع بصيغته الحالية قد لا ينجح كغيره من المشاريع التي سبقته كالفطر المحاري وغيرها من المشاريع الصغيرة التي راجت مؤخراً، فهدف الفلاح ومنذ القدم هو تأمين حاجته من الطعام ومن ثم إطعام جيرانه، وبعد ذلك بالتأكيد سيوسّع أعماله مستفيداً من خبرته الزراعية التي قد تتعرّض للمدّ والجزر، ربحاً وخسارةً، ليصل لمرحلة تحقيق فائض يمكنه من بيع المحصول، أما أن يأتي شخص عادي لا علاقة له بالزراعة للمتاجرة بهذا السماد الذي هو بالأساس تجربة جديدة فبالتأكيد لن ينجح وسيفشل، بل وسيترك الأثر السلبي المنفر في هذا القطاع برمته، وبالتالي فالموضوع بحاجة لتوعية عميقة للفلاح قبل الترويج للموضوع على أنه مشروع ربحي، مشيراً إلى أن الدورة التي أقيمت في منطقة الغاب والدورات التي ستتبعها للتدريب على إنتاج الكمبوست والفيرمي كومبوست لن تحقق النجاح قبل التوعية لهذا الموضوع كموضوع زراعي قبل أن يكون ربحياً، عدا عن ذهاب عدد من الأهالي نحو دورة هنا أو هناك ظناً منهم أن هذه الدورة قد تفيدهم في التسجيل على رؤوس أغنام أو أبقار أو قروض.

وأمل السيد بأن يزداد التعاون مع وزارة الزراعة لتمكين المزارعين من إنتاج “الكمبوست والفيرمي كومبوست” بهدف رفع الكفاءة المعرفية لديهم، والعمل من أجل المحافظة على البيئة ونشر ثقافة استثمار الموارد المتاحة، والعمل ضمن برنامج وزارة الزراعة، التنمية المستدامة باستخدام الموارد المتاحة.

عتب؟

وسجل عدد من الخبراء عتبهم على من يعملون بهذا المشروع لأنهم لم يطلبوا استشارتهم، رغم أهميتها في تقديم النصح لضمان النجاح، مشيرين إلى أن معظم من يعمل بمشروع “السماد الدودي” همّهم الأول أن يقولوا عنهم نحن أول من أدخل الكمبوست إلى القطر، وهمّهم الثاني تحقيق الربح السريع بغضّ النظر عن إمكانية تحقق الغايات الإستراتيجية الأساسية في دعم الإنتاج الزراعي.

يقول أحد الخبراء: “معظم ربح المربين العاملين في هذا المشروع حالياً يأتي من عملية بيع الدود لبعضهم لا التنافس على إنتاج كميات السماد، حيث وصل سعر كيلو الدود إلى 300 ألف ليرة، في حين أننا لم نسمع أن أية مزرعة قد أنتجت الكمبوست بالأطنان لرفد المشروع الزراعي الفلاني بالسماد، عدا عن المعلومات الكارثية الخاطئة التي تمّ الترويج لها مثل أن استخدام هذا السماد لأربع سنوات كفيل بسد احتياج الأرض من كافة أنواع السماد نهائياً”.

وتابع الخبير: “أما الموضوع الأخطر فهو أن هذا السماد ليس سماداً بديلاً بصيغته الحالية البسيطة، إذ لاستخدامه لابد من معرفة نوع الأرض وتحليل مكونات تربتها “وهذا لم يفعله أي فلاح سابقاً”، ومن ثم معرفة ما ينقصها من عناصر كون هذا السماد يفتقر للكثير من العناصر والمعادن المهمة، وبرأيه وحتى نجعل من هذا المشروع ناجحاً لابد من تجميع المربين في مشاريع كبرى أولاً، مع تعميق الإشراف والأبحاث إضافة لإنشاء معامل تقنية متخصّصة تفرز وتحلّل وتمزج وتصنف وتبيع وفق معطيات نوع التربة المراد تسميدها، مع اعتماد أغذية معينة للديدان، وللأسف مزارعو الدود لدينا يقومون بإطعامه فضلات الفواكه والخضار من أسواق الهال”.

ليس للمحاصيل الإستراتيجية

فيما رأى خبير آخر أن مشروع “الفيرمي كمبوست” كان موجوداً في أوروبا منذ حوالي مئة عام، وكان يستخدم لديهم لتسميد حدائق المنازل وإنتاج بعض الخضار، وليس للمحاصيل الإستراتيجية أو على نطاقات واسعة، كما يروّج البعض، كونها تحتاج كميات كبيرة من الأسمدة تصل إلى مئات الآلاف من الأطنان لا توجد لدينا الإمكانية لإنتاجها.

وأبدى أسفه لوجود قدرة على إنتاج كميات من الديدان وغياب هذا الحماس فيما يخصّ إنتاج كميات من سماد الكمبوست التي تفي بالغرض، موضحاً أن هذا السماد وإن تمّ إنتاجه بشكل كافٍ لن يشكل بديلاً عن بقية الأسمدة وخاصة للمحاصيل الإستراتيجية، وبرأيه أن الحل الأمثل يكون باستخدام الزراعة الذكية وتقنيات سماد النانو رغم ارتفاع سعره، لكن كمية قليلة منه ستفيد الأرض وتوفر من كميات السماد والري وتعطي إنتاجية أكبر للأراضي الزراعية.

أخيراً.. نأمل أن يحسّن منتجو هذا النوع من السماد آليات استخدامه وإنتاجه واستثمار الوقت قبل فواته لتوطين المشروع وتوسيعه، كما نأمل أن يتمّ توجيه المشروع من قبل وزارة الزراعة والجهات البحثية لتحويله إلى مورد حقيقي للقيمة المضافة وداعم للإنتاج الزراعي، رغم الصورة القاتمة لما ذكرناه آنفاً للواقع الحالي، والوعود عن إمكانية زراعة الرز الهوائي والمتة!!..البعث

بشار محي الدين المحمد

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]