فقر حال وحيلة…؟؟!!

ناظم عيد – الخبير السوري:

لا يغير شغف الفقراء بالتقاط صور توثيق زياراتهم إلى مولات الإنفاق الترفي، في حقيقة أنهم فقراء ومقحمون ونافرون أو غائرون في مثل هذه الأماكن، حتى وإن بدت أسنان ضحكاتهم المتكلّفة ناصعة البياض، فقد يكون بياضاً متأتيا من كثرة قلّة الاستعمال، وليس من جودة الفرشاة والمعاجين الفعالة..
كما لن يغير الوعيد الحكومي والتلويح بالضرب على أيدي المخالفين والمحتكرين” بيد من حديد”، من حقيقة الارتباك أمام إدارة المأزق الراهن المعقّد..وهي المهمة الصعبة في زمن التأرجح القسري بين متغيرات لا ترحم..ليغدو الوعيد مجرد واجب يقدره من لم يجدوا مناصاً من المخالفة ولا يؤاخذون أحدا عليه، كما الابتسامة المتكلفة إياها عندما تكون من مقتضيات الصورة الجاذبة وحسب..
بالفعل بتنا اليوم أمام مفارقة بأبعاد إستراتيجية حقيقية تتعلق بهيبة المؤسسة التنفيذية وسطوتها المطلوبة، الهيبة التي لا تعترف بتاتاً باستعراضات رفع العتب على طريقة ” فليغيره بلسانه وإن لم يستطع فبقلبه”..والهيبة في أن نقول ونفعل..والأفضل أن نفعل دون أن نقول..وفي أحلك الظروف أن نصمت ..أي أن نتماهى مع الواقع ونعترف دون استلال سيوف من خشب لمقارعة من صنع منهم الترهّل طواحين هواء..
يحكى أن شخصاً راجع طبيباً ليجد علاجاً لأسنانه الصفراء، فكانت الوصفة العجيبة بأن نصحه الطبيب بارتداء ربطة عنق بنية ليبدو المظهر متناسقاً..الفكرة هنا في التماهي مع الوقائع..ففي التماهي تصالح وفي التصالح جرأة وفي الجرأة هيبة..
الواقع صعب..بالفعل صعب.. فلتعترف ولنكف عن المكابرة وإيهام المواطن بحصون الحماية ومظلات الوقاية..ولنقلع عن الإصرار على تكرار العبارات ذاتها التي كانت تخاطب بها حكوماتنا “شارعنا” منذ عقود، منذ زمن التحويل الاشتراكي والاقتصاد الموجه و سياسات التسعير المركزي.. “تشديد الرقابة..ضبط الأسعار…التعاطي بحزم”….
هل فعلاً لم نوفق، أم لا نريد، ابتكار خطاب جديد صريح ومباشر، ينقل المواطن من الانفعال إلى الفعالية..إلى المشاركة والتفكير في خيارات أمامه تتعلق بشؤون يومياته على ضيق مساحتها – لكنها خيارات- في المحصلة؟؟
بدلاً من إيهامه باستبقاء العصا الغليظة بأيدينا ” نهشّ” بها على المتلاعبين، ودعوته غير المباشرة للاسترخاء على أمل ويقين من أن ثمة من ينافح عنه، بما أنّ البيانات الهجوميّة تتوالى وخطابات الشدّ المعنوي لا تنقطع.
لماذا لا نصارح المستهلك بحقيقة موقفنا الضعيف في السوق بسبب الظرف الدولي الراهن، فلعلّه سيكون أكثر حذاقة من الحكومة في تدبير أموره، قد يصل إلى توافقات عفوية على مستوى حيّ أو مدينة لمقاطعة سلعة محتكرة أو تاجر متلاعب، وهي عقوبة قاسية قاصمة، لا تملك الحكومة – أي حكومة – مها توعدت أن تفرضها، عقوبة من شأنها أن تؤدب أعتى المحتكرين وتُرغمه على أن يكون ” حارس المعبد وليس سارقه” كي لا تسوء سمعته ولا تتأذّى مصالحه.. لكن المستهلك – المواطن لن يفعلها وهو مطمئن لـ” وكيل عملاق” يزعم الدفاع عنه.
لو أخبرنا الفلاح منذ سنوات بأن لا أعلاف لماشيته في المستودعات، وأنه قد يتعذّر علينا الاستيراد أو تأمين القطع الأجنبي، و لم نضلله بالحديث عن ” الدورات العلفية”، لتدبّر أمره وعاد إلى أدواته القديمة، وتربية سلالات محلية من الماشية قليلة الأمراض قليلة الاستهلاك، وإلى زراعات علفية كانت رائجة في زمن ما قبل البحبوحة..لكننا أوهمناه بأن مستودعاتنا عامرة فاسترخى ليُمني بخسائر كارثيّة لاحقا.
لو لم يكثر وزير الكهرباء السابق من تطميناته بشتاءات دافئة وصيف لطيف، لاحتاط المواطن بمعدات رخيصة وتجهيزات طاقة بديلة ومدخرات لم تكن أسعارها تساوي ١٠% من أسعارها اليوم..
لو ولو ولو…في كل قطاع حكاية وقصّة تبدأ وتنهي بـ ” لو”…باختصار ..أعيدوا النظر بخطابكم.. الذي حوّل الزيت النباتي – مثلاً – إلى ترياق، وصنع منه قضيّة رأي عام..فلنراجع ما فعلناه وسيكون المثال كافٍ للعبرة.

***ملاحظة بالمناسبة: أنا مواطن أسقط الزيت النباتي من قائمة استهلاكه منذ 15 عاماً بعد أن أخبرتني الأبحاث الطبيّة بأن الزيوت والسمون النباتية ليست غذاء بل سمّ زعاف.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]