الحصاد بقرن العنزة

معد عيسى
تعطلت الكثير من القضايا بفعل التباين بين الواقع من جهة والخطط والنوايا من جهة أخرى، فمن يُحصي عدد المناقصات التي أعلن عنها عدة مرات ولم يتقدم لها أحد، أو عدد العقود التي تم إبرامها بالتراضي وأُلغيت بسبب التشكيك بها، ويقارن بين تكلفة تنفيذها اليوم وما كانت عليه حين إعلانها أو توقيعها بالتراضي، سيكتشف أننا سندفع ضعف الأسعار، وسيكتشف أن كل من فاخر بإلغاء عقد من باب التشكيك بالفساد أنه سيكلف الدولة ضعف ما تغنّى بأنه وفره مزهواً بالنزاهة.
المشكلة أننا في زمن ليس فيه شيء طبيعي وكل ما نمر به هو استثناء، وعليه يجب أن تكون معالجاتنا استثنائية وفقاً لمتطلبات الظرف والمرحلة، أما المشكلة الأكبر فهي في الجهات الرقابية التي تستحضر تعاميم وتعليمات مضى عليها عشرات السنين ولا تعترف بكل ما حدث في البلد من ظروف، وتعتمد دقة الخطوات وتسلسلها دون أن تنظر للنتائج، ولو أن جهة ما ربحت أو وفرت المليارات ولكنها خالفت في تراتبية الخطوات فإن القائمين عليها سيعاقبون ويصنفون في عداد الفاسدين، ولو أن جهة أخرى التزمت بدقة بالخطوات ولكنها خسرت المليارات فإنها تبقى وتلازمها صفة النزاهة.
وإذا استمرت الرقابة بهذا المنطق، وإذا لم تتغير إدارتها النمطية، وإذا لم تعتمد النتائج معياراً للتقييم فإن إعادة الإعمار والإنتاج سيبقى من الأحلام.
نحن نحاصر أنفسنا ونضاعف تكاليف حياتنا ونشتت اعتماداتنا بمشاريع ننفذها على مراحل، فنصل لوقت عندما نبدأ بتنفيذ المرحلة الثانية تكون هناك لجان تدرس ترميم ما أنجز في المرحلة الأولى وأخرى تعمل على تحديث الدراسة لتلبية المتطلبات والاحتياجات المُستجدة.
وضعنا أشبه بمن يخطط لفتح طرقات وتأمين وقود للحصادات لتصل إلى الحقول ونحن لا نملك حصادات بالأساس، علينا أن نضع الخطط المناسبة لظروفنا وإمكاناتنا ومواردنا، فإذا لم نكن نملك حصادات فعلينا أن نضع خطة الحصاد بما نملك ولو كان “قرن عنزة”، الواقع يرسم الخطط، والاحتياجات تحدد التنفيذ، والقانون نضعه ليخدمنا لا ليقيدنا، لا ليحرمنا من تأمين متطلباتنا، والتشكيك بالفساد تفضحة النتائج التي نحصدها، وغياب الثقة سيجعل إداراتنا تعمل للحفاظ على الواقع والتحضير لتبرير الفشل الذي سيحصده البلد مراوحة في المكان، وتحصده الإدارات نزاهة في العمل.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]