هكذا اختزلنا إصلاح القطاع العام..!

 

علي عبود

 

لم نعد نعرف إن كانت النوايا جادة بإصلاح القطاع العام أم لا، فكل حكومة تقوم بترحيل عملية الإصلاح إلى الحكومة القادمة، هذا هو حالنا على مدى ثلاثة عقود على الأقل!.

 

وإذا أردنا وصف ما جرى وما يجري حتى الآن استناداً إلى تصريحات أصحاب القرار، لاستنتجنا أن الحكومات المتعاقبة اختزلت إصلاح القطاع العام بتسليم شركاته للقطاع الخاص، سواء الأجنبي أم المحلي. ولو تمّ تنفيذ تدريجي لتوصيات ومقترحات لجان الإصلاح التي بدأ تشكيلها مع بدايات تسعينات القرن الماضي، لكان القطاع العام اليوم قوياً ورابحاً وقادراً على تأمين السلع والخدمات المنافسة، ولكانت القدرة الشرائية لليرة السورية أكبر بكثير مما هي عليه خلال السنوات القليلة الماضية. ولا نبالغ إذا ما قلنا إننا بحاجة إلى قانون جديد لاستثمار شركات القطاع العام أكثر من الحاجة إلى قانون لاستقطاب أموال المستثمرين السوريين والأجانب لتمويل مشاريع جديدة.

 

وإذا كانت عملية إصلاح القطاع العام قابلة للتأجيل عقداً بعد عقد من الزمن فيما مضى، فإن التأجيل لم يعد متاحاً، بل تزداد تكلفته أكثر فأكثر، إلا إذا كان الهدف الفعلي اختزال الإصلاح بتسليم الشركات العامة لاستثمارها من قبل القطاع الخاص لآجال طويلة لا يقلّ كل واحد منها عن نصف قرن!.

 

وبحسب إحصاء لوزارة الصناعة، فإن 31 شركة متوقفة و18 مدمرة، في حين تعمل 34 شركة بشكل جزئي من إجمالي عدد الشركات العامة البالغة 103 شركات، والسؤال: هل من خطط واعتمادات مالية لإحياء القطاع العام الصناعي ليعود أفضل مما كان عليه حتى عام 2011؟.

 

المؤشرات تؤكد أن الخيار الوحيد المعتمد حتى الآن هو الإصلاح بالتشاركية مع القطاع الخاص، لكن المشكلة أن المستثمرين غير متحمسين، بل غير راغبين بتشارك الاستثمار مع الحكومة..، فما العمل؟!.

 

لا تزال الجهات الحكومية تراهن على القطاع الخاص بدلاً من الرهان على خيارات أخرى، كالسماح للمؤسسات العامة بإصلاح الشركات المتوقفة والمدمّرة والمتعثرة من أرصدة الشركات الرابحة بدلاً من إرغامها على تحويلها لوزارة المالية. وبما أن إصلاح القطاع العام يتوقف على اعتمادات رأت الحكومات المتعاقبة أنها غير متوفرة، فلماذا لم تلجأ أي حكومة حتى الآن إلى منح صلاحيات لإدارات المؤسّسات لتمويل مشاريع إعادة بناء الشركات المدمرة، وتجديد خطوط الإنتاج القديمة والمهترئة من القروض المصرفية، أم أن التشجيع على تمويل المشاريع الصناعية بالقروض حكر على القطاع الخاص فقط؟

 

سبق وأن اقترحنا توفير التمويل للقطاع العام من خلال تنفيذ مقترح لمعظم لجان الإصلاح، وهو تحويل بعض شركاته إلى شركات مساهمة يكتتب على 49% من أسهمها المواطنون، وهو مقترح يمتصّ السيولة ويحقق دخلاً لمكتنزي الليرة، ويوفر الرأسمال الكافي لنفض الشركات المدمرة والمتعثرة، فلماذا لم تنفذ أية حكومة هكذا مقترح حتى الآن؟!

 

بالمختصر المفيد: لم يعد القطاع العام قاصراً يحتاج إلى وصاية عشرات الجهات الحكومية، وتكفي وصاية وزارة الصناعة فقط، فقد بلغ سن الرشد منذ عقود، وآن الأوان لمنح إداراته الاستقلال المالي والإداري ليتمكّن من تنفيذ عملية إصلاح مستمرة، سواء بالتشاركية مع الخاص، أو من خلال شركات مساهمة، أو بالاعتماد على الموارد الذاتية والقروض المصرفية، ولتحاسب هذه الإدارات استناداً إلى النتائج الفعلية..، فهل هذا الأمر مستحيل أم هناك من لا يزال يصرّ على اختزال الإصلاح بتسليم الشركات العامة للقطاع الخاص؟!

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]