يشبه طموح إبليس بالجنة…اقتصاد المعرفة يدغدغ أحلام السوريين على إيقاع ضجيج الفقر والعوز؟!!

الخبير السوري:

أثارت ورشة العمل التي أقيمت مؤخراً حول خارطة الطريق المقترحة للاقتصاد المبني على المعرفة في سورية جملة من التساؤلات حول مدى قدرتنا كمؤسسات وجهات عامة وخاصة على النجاح والتقدم بهذا الجانب، ليكون اقتصادنا أقوى وأقدر على المنافسة عالمياً، في وقت تتحول فيه معظم البلدان إلى الاقتصاد المبني على المعرفة وبشكل يعزز سيطرتها ونفوذها على حساب دول أخرى، خاصة النامية، بل ستكون بحسب مؤشرات الأمم المتحدة ذات اقتصادات أقوى بعشر مرات خلال مدة لا تتجاوز سبع سنوات.

مكتب نقل التقانة

رئيس الهيئة العليا للبحث العلمي الدكتور مجدي الجمالي يعوّل على المنتج الجديد للهيئة المتمثّل بمكتب نقل التقانة، والمكاتب المرتبطة به التي تم إحداثها في جامعات القطر، مشيراً إلى عقد اجتماع تحضيري بين رؤساء تلك المكاتب وممثّلين عن بعض الوزارات، وعن غرف الصناعة والتجارة والزراعة، مع العمل على إضافة جهات أخرى تعمل بالبحث العلمي، لافتاً إلى أن الهيئة تعمل عبر لجانها على تحديد الأبحاث القابلة للتطبيق، وتحديد توجّه الأبحاث وفق الأولويات كأبحاث الطاقة البديلة في الوقت الراهن، ولإيجاد براءات اختراع كثيرة في هذا الصدد.

بانتظار المستثمر!

برأي الدكتور سعود كدة، مدير مشروع “قادرون” العلمي التنموي، أن الهيئة العليا أضافت ميزة إلى جميع أبحاث الجامعات لجهة أنها تتعامل بحرفية، وبلجان مختصة، واستفادت من تجارب العديد من الهيئات الأخرى، وتختار البحوث الأفضل لتنفيذها، كما يقوم مكتب نقل التقانة بتسجيل براءة الاختراع، ويعرض المنتج البحثي للمستثمرين، ولكن للأسف تصطدم جميع الأبحاث كغيرها من أبحاث الجامعة بمشكلة انتظار المستثمر، الأمر الذي يجعل الأبحاث حبراً على ورق، أو مجرد أوراق تكدّس في الأدراج، مضيفاً: نحن لسنا بحاجة لمشاريع لا تنفّذ، وحتى التعاون مع الجهات العامة كوزارة الصناعة لن يخرجنا من هذه المشكلة، حسب كدة، لأن تنفيذ البحث يرتب مثلاً إنشاء مصنع، وتعيين عمال وموظفين، وهذه المسألة ستكلّف مبالغ طائلة، أما إذا استثمر المنتج البحثي في القطاع الخاص فسيحدث تحكم بالمنتج، وخروج عن سيطرة الجودة، وعند بيع حقوق الاستثمار نخسره!.

ويرى كدة أن الحل يكمن في استثمار الأبحاث من قبل الجامعات، وإنتاج المنتج النهائي من قبلهم دون تدخل مستثمر، وهذا سيعود بالنفع على الباحثين، والجامعات، إضافة لتدريب الطلاب، وتتم تنمية هذا الإنتاج عبر ورشات ومختبرات متعددة يمكنها العمل في كافة الظروف، ويمكن أن تكون في أكثر من جامعة أو مركز، وحتى لو تضررت في أية حروب أو اعتداءات فإن إعادة إقلاعها ستكون سهلة، ولا تتأثر بالعقوبات الاقتصادية كونه يمكن تغيير الموقع والتسمية بسهولة.

ليس حلماً!

إن التحول للاقتصاد المبني على معرفة ليس حلماً صعب المنال، ويجب بذل أقصى الجهود للتحول له في جميع مؤسساتنا وجهاتنا، وتطوير عملها عبر الأبحاث، لأن ذلك سيعزز أرباحها عدة مرات دون أي ضرر في المنشآت، وبقاء الشركات تسير ضمن الاقتصاد التقليدي سيقودها نحو الخسارة ويخرجها من الأسواق، هنا يرى رئيس الجامعة الافتراضية السورية الدكتور خليل العجمي أن علينا دراسة جميع المؤشرات العلمية، والمعرفية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والابتكارية، وغيرها، وتحليلها لمعرفة احتياجاتنا للتحول إلى هذا الاقتصاد، ولكن للأسف لا تمتلك معظم مؤسساتنا بيانات تحليلية لدراسة واقعنا وتقييمه، وفي الوقت ذاته هناك منظمات تتعاون مع مؤسساتنا، ولديها تلك البيانات بالتفصيل، صحيح أن هناك مؤشرات مسيّسة تجعل سورية متذيّلة أو في مراتب أخيرة في معظم المؤشرات والتصنيفات، ولكن في الوقت ذاته فإن مؤشرات سورية قبل الحرب لم تكن جيدة، وبالمقابل هناك بلدان مثل إيران والإمارات تصنف هي وسويسرا والسويد بالمرتبة ذاتها في البحث العلمي.

وأشار العجمي إلى بعض نقاط القوة في العديد من القطاعات، أبرزها الاهتمام الجيد بالتعليم، خاصة ما قبل مرحلة التعليم الجامعي، وارتفاع عدد خريجي الدكتوراه، والبنية التشريعية شبه المتكاملة، وإحداث منظومة الدفع الالكتروني، وغيرها من النقاط الأخرى الهامة بهذا الخصوص، أما بالنسبة لنقاط الضعف فتتمثّل، برأي العجمي، باستمرار نزيف الكوادر الشابة والخبيرة من الأساتذة والخريجين الجدد، وضعف الإقبال على التعليم المهني ضمن ثقافتنا الاجتماعية، وعدم التعريف الواضح لمهن المعلوماتية والاتصالات، أو وجود تنظيم واضح لهذه المهن يحدد شروط العمل بها، حيث تدخل بها محلات سوق البحصة الالكتروني وكأنها شركات، ما يضعف الثقة بهذا القطاع ومنتجاته، عدا عن عدم توافر نظم معلوماتية لمؤسسات الدولة توفر الخدمات، وتقدم الشفافية، كما أن قانون حق الوصول إلى المعلومة لم يتم إصداره حتى تاريخه، بالإضافة إلى أن دور الجامعات مفصول عن حماية الملكية الفكرية، رغم أن معظم المحتويات من إنتاجها، مع تعذر تسويق الإنتاج الإبداعي بسبب صدور لائحة تنفيذية معقدة لقانون التشاركية، وغير ذلك من العقبات التي تحتاج لحلول.

هيئات بلا عمل!

واعتبر مدير مديرية الاقتصاد الكلي في هيئة التخطيط والتعاون الدولي الدكتور إياد علي وجود هيئات بحثية، وهيئات للتخطيط غير فاعلة أو بلا عمل، من الأمور أو المشكلات التي تعقّد التحول إلى الاقتصاد المعرفي، مطالباً بضرورة التنسيق بين كافة الجهات لتقييم وتدارك مواطن الخلل، وعدم اعتماد التقارير والمؤشرات العالمية كونها مسيّسة بالكامل، وغير دقيقة، وتعطي دائماً الترتيب الخاطئ لسورية في جميع المجالات والقطاعات.

وبيّن علي أن محاولة التنسيق مع الهيئة العليا للبحث العلمي لتحديد وتلافي نقاط الضعف مازالت دون جدوى، مشيراً إلى وجود برنامج عمل متكامل لسورية ما بعد الحرب، لافتاً إلى أن الإنفاق الحكومي على التعليم بمختلف مراحله كبير، وهو مؤشر جيد، ولكن يجب معرفة مدى جودة التعليم وقدرته على تلبية احتياجات سوق العمل، ومعرفة مستوى أجور الخريجين لجهة إن كانت مجزية أو غير مجزية للوقوف على جدوى الإنفاق عليه!.

ثقافة حقوق النشر

وبحسب مديرة حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة في وزارة الثقافة باسمة النبكي، أن هناك صعوبات عديدة تواجه عملهم في حماية الملكية الفكرية، خاصة لجهة صعوبة التعاون، والمشاركة مع الجهات المعنية الأخرى، وعدم تجاوبها للتواجد في الكثير من الفعاليات والقطاعات رغم الدعوات المتكررة، عدا عن ضعف ثقافة الحفاظ على حقوق الملكية والنشر، وعجز الوزارة لوحدها عن القيام بهذا العمل الذي يحتاج لجهد كبير، وطرحت النبكي حلاً جوهرياً لتعزيز ثقافة حماية الملكية الفكرية في المجتمع من خلال إدخالها إلى المناهج التعليمية في المدارس والجامعات.

 تحرير قطاع الاتصالات

الدكتور إباء عويشق، مستشار وزير الاتصالات والتقانة، أشار إلى أن وزارة الاتصالات رسمت تصوراً لدورها المستقبلي، وستعمل على صياغة قانون جديد يحكم عملها في ضوء المتغيرات العصرية، ومساهمتها في تعزيز الاقتصاد المبني على المعرفة، وتوسيع مجال مستودعات البيانات، والعمل على إنجاز مشروع لحماية البيانات الشخصية.

أما بالنسبة للفجوة الرقمية فبيّن عويشق أن الوزارة تعمل على إلغائها من خلال مجموعة من الإجراءات كتحرير قطاع الاتصالات، وإنشاء صندوق الخدمة الشاملة، والتوسع في البنى التحتية، والتعاون مع عدد من الوزارات بهدف تحقيق الربط الشبكي بين مركزها ومفاصلها، مثل التعاون مع وزارة التربية لربط المدارس بالوزارة، والتعاون مع وزارة الصحة لربط المشافي مع الوزارة.

ويرى المستشار أنه سينتج عن إطلاق استراتيجية التحول إلى الاقتصاد المعرفي سوق تقاني يحتوي على العديد من المشاريع التي ستحتاج بدورها لتأسيس شركات، واعتمادية، وأنه رغم عدم امتلاكنا للإمكانات المثلى في هذا المجال، إلا أنه يمكننا في الوقت ذاته تدوير العجلة وتحسين واقعنا.

وفي لفتة غريبة من نوعها، اعتبر عويشق أن ضخامة عدد خريجي الدكتوراه في سورية نقطة ضعف في الوقت الحالي، وليست من نقاط القوة، كوننا نشجع على إيجاد فرص عمل جيدة، وتحريك عجلة الاستثمار.

يبقى السؤال: إلى أي حد نحن قادرون على الدخول في بوابة الاقتصاد الرقمي، وتحقيق حضور جيد يساهم في تطوير اقتصادنا ومسيرتنا التنموية بشكل عملي بعيداً عن الخطط الورقية، والتصريحات الحماسية؟!..البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]