“صار وقتها”.. لمواجهة الكذبة الكبرى التي كذبها التاجر وصدقها بعضهم..

ناظم عيد – خاصّ – الخبير السوري:
لم يعد من الممكن التنبؤ باتجاهات سعر صرف الدولار في أسواقنا..وربما ليست مهمة هذه النبوءة، بقدر ما هو مهمّ تلمّس تداعياتها، بعد أن ارتقى الحديث عن السوق والأسعار إلى مستوى حساسية من شأنها أن تتيح تصنيفه في القائمة المخصصة لإدراج الأولويات ذات البعد الوطني، ولم يعد من ترفٍ مفتعل في تناول يوميات السوق والأسعار، مع التسليم بالقدر العالي من الخصوصية التي فرضتها ظروف حرب قاسية، خلطت الأوراق وبعثرت تقاليد كانت رصينة يوماً، و قذفت بجحافل الارتزاق والتخريب من أربع جهات الدنيا، على بلد صامد في زمنٍ قضت الأعراف المنحرفة فيه بأن يكون الدفاع عن السيادة الوطنية ارتكاباً !.

إلّا أن مواجهة العابثين بالسوق و”حيتان” ابتلاع مستلزمات البقاء، لا تقل حتميةً وإلحاحاً عن مواجهة العابثين بأمن الوطن ومستهدفي سيادته ووحدة أراضيه، لذا دعونا نضع النقاط على الحروف، لأن المرحلة وما آلت إليها الحال لم تعد تحتمل المجاملات بتاتاً.

وفي رحلة وضع النقاط على الحروف لا بد من اعترافات، قد يكون محورها أن الدولار بات شماعة وذريعة لـ “إشعال” أسواق مستهلك باحث عن مقوّمات الصمود و”وقود المواجهة” فجاءته الصفعات القاسية من أكفٍّ سوداء اتخذت من “العملة الخضراء” غطاءً يستر أقذر أنواع وأشكال الممارسات التي يتخفى لاعبوها بهيئة تجار ادعوا التضحية وكسر جدران الحصار، فكانت تضحياتهم استحكاماً، وانفراجاتهم أزمة..

ورغم قناعتنا بأنه لا يوجد شيء أمريكي في هذا الكون مظلوم، بل ظالم، وبالأدلة والبراهين، إلّا أن ذلك الشيء الذي اسمه “دولار” يبدو مظلوماً في أسواقنا اليوم، ومتهماً بريئاً- نسبياً- مما نُسب إليه من ارتكابات لفحت يوميات كل مواطن، وربما تكون “جذوة الانفعال” قد أخذتنا جميعاً إلى ما يشبه حالة الهيجان في وجه “الدولار اللعين” لنكون قد حوّلنا الانتباه غافلين غير قاصدين عمّن استمرؤوا عائدات التجارة بالأوجاع والجياع، وعن مكنة الرقابة – التي تنتظر الإنعاش – بعد أن ملأت آفاقنا ضجيجاً و”استحلت” إيماءات الاستعراض الأجوف بسيوفٍ من خشب!.

أي دولارٍ ساحرٍ هذا الذي يرتفع عشر ليرات سورية فترتفع أسعار السلع 50 ليرة ؟، وأي دولار أسطوري قادر على اقتحام منظومتنا الإنتاجية الذاتية الخالصة، ويقذف بأسعارها عشرة أمثال نحو الأعلى، ليكسر يقيناً طالما تغنينا به معلنين أننا عصيون على التجويع لأننا نأكل مما نزرع، فجوّعَنا تجارنا بالنيابة عمّن حاولوا وعجزوا عن ذلك لعقود وعقود.. وأوصياء الرقابة يبحثون عن مفردات لمواساة المواطن وربما سيوزعون المناديل لكفكفة دموعه؟!.
لن نستحضر الأمثلة ونسرد المفارقات الصاعقة التي أحدثها ارتفاع الدولار في الأيام الأخيرة أمام الليرة السورية.

ولأننا لسنا في وارد إخبار من لديه خبر، مواطناً كان أو معنياً يتجاهل الوقائع، سنقترح ما يمكن قوله بما “قلّ ودلّ”: من الملحّ وبدون تلكّؤ إجراء تعديل سريع على قانون حماية المستهلك، وإعادة الصلاحيات لوزارة التجارة الداخلية “مقلّمة الأظافر”، والعودة إلى نظام التسعير المركزي اليومي وفقاً لتحركات سعر الصرف ارتفاعاً وانخفاضاً أيضاً.

وبما أن الأزمة تستوجب إجراءات أزمة، من المهم إحالة القضايا التموينية إلى القضاء العسكري، والعودة إلى توقيف المرتكبين بحاشية “حتى إشعار آخر”، كما كانت تُدار السوق في ثمانينيات الحصار الاقتصادي، التي لم ننسَ مرارتها رغم مرارة الحرب الراهنة.

وكي لا نُتهم بأننا نحابي الدولار واللاعبين في مضماره، نعتقد أن تعليق عمل شركات ومكاتب الصرافة بات خياراً لازماً، ليتولى مصرف سورية المركزي والمصارف الحكومية صاحبة الاختصاص إدارة موجودات البلاد من العملات الصعبة.
وليعذرنا كل من جافينا مصالحه في طرحنا، لأننا في أزمة لم ترحمنا وعلينا ألّا ندّخر حلولاً جراحية في مطارح لم يعد ينفع معها التداوي بالمسكنات.

هوامش:
– من الطبيعي أن ترتفع السلع المستوردة أو الأخرى ذات المدخلات الدولارية..لكن ماذا عن السلع المنتجة محلياً وخصوصاً الزراعية والتي لا تحتاج إلى ري ولا إلى سماد ؟؟؟
– ما علاقة الدولار بأن يقبض الفلاح ثمن كيلو العدس 100 ليرة ويشتريه المستهلك بـ750 ليرة ؟؟!!
– أي دولار يرفع سعر كيلو الحمص المنتج محلياً إلى 800 ليرة..في وقت باعه الفلاح في موسمه بـ 150 ليرة؟؟!!
– تسعير المنتج المحلّي بات ضرورة ملحّة..أحد مصنّعي الألبسة جزم بأن تكلفة بنطال الجينز أقل من 2000 ليرة ويشتريه المستهلك بـ 10 – 15 ألف ليرة سورية..
– قائمة السلع التي من الممكن ضبطها مع الحفاظ على ربح معقول للتاجر، تبدو طويلة..المهم أن نبدأ بالتسعير المركزي للسلع الأساسية.
– التسعير وضبط الأسعار بأرباح معقولة تغني عن زيادة الرواتب..فراتب الموظف يتآكل سريعاً لأنه قليل أولاً ثم لأن جشع التاجر يتكفل بالباقي.

تعليق 1
  1. ريعان الفاعوري يقول

    نعم.أسئلة في محلها ولايسع المواطن إلا أن “يحسس”على رأسه خوفا من اقتلاع عقله المرتاب في العلاقة الملتبسة في عجز الدولة عن اندفاعة التجار المنفلتة من أي كابح! من هذا العاجز؟ ومن هؤلاء التجار؟ ومن يستبيحنا وماقدرته على ذلك بالضبط؟ولماذا؟

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]