“زواج مسيار” بين جهاتنا العامة ومكاتب الدراسات الهندسية.. “حكِّلي لحكّلك” وكل شيء بثمن

 

 

 

 

خاص – الخبير السوري:

 

تفننت وزارات وحكومات سابقة تعاقبت على السلطة التنفيذية لدينا في إجراء دراسات هندسية لمناطق عدة من سورية وتكررت تلك الدراسات والمخططات مرات عدة لنفس المناطق دون أن توضع موضع التنفيذ، وفي ظل التغير الديموغرافي الذي تشهده سورية واختلافه من عام لآخر تصبح هذه الدراسات عديمة الجدوى وبعيدة عن الواقع الراهن لأي منطقة درست مسبقاً، مما يضطر الجهات التي تنفذ المشروعات بموجب تلك الدراسات أن تطلب إعادة النظر فيها مجدداً ورصد ميزانية جديدة للقيام بها، ومع دخول القطاع الاستشاري “الخاص” الذي تعاظم دوره مؤخراً كشريك مساهم ومستفيد أساسي في هذا المجال صار لزاماً علينا أن نطرح العديد من التساؤلات التي نعتقدها عن مصير هذه الدراسات؟ وما هي المعايير التي تؤهل أي مكتب هندسي “استشاري” للتقدم للقيام بتلك الدراسات؟ والأهم من ذلك كله ما هي الأطر القانونية والمؤسساتية الحقيقية التي تمكن من تفعيل عمل القطاع الاستشاري الخاص وتجنيبه دخول معترك المضاربات والصفقات المشبوهة المتأتية من الفساد الإداري للجهات العامة “الشريك المفترض”، وبالتالي إفساده وتحويله من شريك في التنمية المنشودة إلى عالة تقتات على الأموال العامة وتتقاسم الغنائم مع أدوات الفساد التي ابتلي بها قطاعنا العام؟.

 

تحت الطاولة

خلال رحلة بحثنا في مسألة الشراكة بين القطاع الاستشاري الهندسي الخاص وبعض الجهات العامة اكتشفنا العديد من الإشكاليات التي تشوب هذه العلاقة، ابتداءً من ضبابية العقود المبرمة بين الشريكين المبينة في دفتر الشروط، وصولاً إلى استلام الدراسة من الجهة الحكومية المعنية، ومع أنه لم يتسنَّ لنا الوصول إلى تفاصيل دقيقة حول تلك الإشكاليات إلا أن الواقع الملموس لطبيعة مكاتب الدراسات والاستشارات الخاصة وإمكانياتها إن كان من حيث الفريق الهندسي الذي تعتمد عليه للقيام بالدراسة أو من حيث المعدات والأدوات اللازمة لإعدادها، يدل على خلل واضح للعيان لا يمكن لأي عاقل تجاهله فكيف إذا كان هذا العاقل هو جهة إدارية حكومية متخمة بالكفاءات من مختلف الاختصاصات الهندسية والتي من المفروض أن تكون هي الجهة المسؤولة عن استلام الدراسة وتدقيقها وتقييمها، إذاً فالهفوة في هذه الحالة تكون غير بريئة أو مبررة بل مقصودة ما يجعلنا نضع حيالها علامات استفهام كبيرة.

والأغرب من كل ذلك هو عدم ربط الدراسة بالتنفيذ فالدارس مستبعد عن الرؤية التنفيذية للمشروع، والجهة المنفذة تصبح مع الزمن غير قادرة على التنفيذ وفق الدراسة، أما الجهة الإدارية الناظمة لدفتر الشروط المتغيرة فغالباً ما نراها تتخبط بين هذا وذاك.

 

الفساد يمنع

إحدى الاستشاريات في شركة هندسية حكومية بينت أن حالة الفساد التي يعيشها القطاع العام لا تساعد على قيام علاقة صحيحة مع القطاع الهندسي الاستشاري الخاص ورأت أنه يجب أن تكون هناك جهة ناظمة للأمور العقدية بحيث تضمن نوعية المشروع للجهة الإدارية، كما أنه يجب على نقابة المهندسين أن يكون لديها جهة رقابية على المكاتب الاستشارية لضمان نزاهة العمل فلا يكون هناك غبن لا للقطاع الاستشاري الدارس ولا للقطاع العام مقدم الدراسة.

وتساءلت الاستشارية عن جدوى معظم الدراسات الحالية في حال تم العمل ضمن المعايير والاشتراطات البيئية التي تتطلبها المدن حالياً في جميع مشاريعها العمرانية والمعمارية، وقالت: إن معظم هذه الدراسات ستكون بعيدة كل البعد عن الاستدامة التي تنادي بها جميع الاتفاقات الدولية لبلدان العالم، لذلك وبسبب انعدام الرؤية الاستراتيجية لدى بعض الجهات الإدارية الناظمة لدفاتر الشروط الدراسية سنجد أنفسنا مضطرين إما إلى عدم تطبيق وإدخال المتطلبات البيئية الضامنة لكفاءة المدن الحالية أو إلى عدم تنفيذ الدراسات وإعادة النظر بها لاحقاً بسبب انعدام قدرتها على تلبية تلك الاشتراطات وبالتالي نضطر إلى هدر أموال طائلة أخرى.

وأشارت الاستشارية وهي دكتورة متخصصة بالعمل الاستشاري الهندسي إلى أن معظم المشاريع التي تعطى للمكاتب الاستشارية لتتم دراستها لا تأخذ بعين الاعتبار كيفية التنفيذ وآلية العمل وليس لديها برامج زمنية للتنفيذ، ودائماً يكون الدارس مستبعداً عن العمل التنفيذي، ورأت أن دراسة أي مشروع تتكون من شقين الأول دراسة فنية والثاني دراسة تنفيذية وتعني وضع الآلية الصحيحة لتطبيق المشروع، وعدم ربط الدراسة بالتنفيذ يعد خللاً يبدأ من دفتر الشروط الذي تصدره الجهة الإدارية ويدل على عدم وضوح الرؤية التنفيذية لديها.

 

التعدي على العام

في الوقت الذي لا يمكن فيه تجاهل عمل القطاع الاستشاري الهندسي الخاص ودوره في التنمية وتوفير فرص عمل لآلاف المهندسين، لا يمكن تجاهل الخروقات التي تجتاح هذا القطاع فالعديد من المكاتب الاستشارية الهندسية تعتمد في عملها على بعض مهندسي القطاع العام وهذه المسألة تعد سقطة أولى لها لأنها لم تقم بتوفير عمل لمن ليس له عمل، والأنكى من ذلك أنها تعتمد في بعض الحالات على مهندسي الجهة الإدارية الطالبة للدراسة وربما نفس المهندسين الذين سيتسلمون المشروع بعد نهاية الدراسة فتضيع بذلك نزاهة العمل، وبسبب عدم قدرة معظم المكاتب الاستشارية الهندسية على شراء معدات العمل، حيث إن بعض الدراسات تحتاج إلى معدات مسح طبوغرافي وآلات حفر وتجهيزات وغير ذلك، فإنها تقوم في هذه الحالة باستئجارها من القطاع العام وربما أيضاً من الجهة الإدارية نفسها التي تعد لها الدراسة وهذه سقطة أخرى لها “نضع تحفظات كبيرة حولها”.

 

 

تحديات

المهندس سعد أحمد أمين سر نقابة المهندسين السوريين بيّن أهمية وجود قطاع استشاري هندسي خاص تابع لنقابة المهندسين يعمل بالتوازي ورديفاً للشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية المملوكة للدولة، وقال: إن التحدي الأكبر الذي واجهناه كنقابة مهندسين هو قدوم مكاتب هندسية استشارية عربية وأجنبية للعمل وإعداد دراسات لمشروعاتنا الاقتصادية في سورية في الوقت الذي نمتلك فيه خبرات هندسية عالية.

وعرف م. أحمد المهندس الاستشاري بأنه الذي أمضى 3 سنوات فترة تدريب ثم 5سنوات أصيلاً مشاركاً ثم 10 سنوات أصيلاً ممارساً ثم يخضع لفحوص ومقابلات تحريرية ومقابلات وتقييم دراسات كان قد أعدها خلال السنوات الـ 18 وبهذا يصبح مهندساً استشارياً يحق له العمل باختصاص إنشائي.

وأشار إلى أن النقابة تشترط على من يرغب بإنشاء مكتب هندسي استشاري متخصص أو متكامل الالتزام بالشروط الضامنة لقدرته على تقديم الدراسات المتكاملة التي تصلح للتنفيذ وتقدم ديمومة واقتصادية كاملة للمشروع.

وعن المضاربات التي تحدث في أوساط المشتغلين في القطاع الاستشاري أوضح م. أحمد أن النقابة وضعت حداً أدنى للأجور التي يتقاضاها المكتب الاستشاري وهو 2% من التكلفة الإجمالية للمشروع مشيراً إلى عدم التزام بعض المكاتب بهذا الأمر ما أدى إلى مضاربات وبالتالي النزول بنوعية الدراسة المقدمة ما ينعكس سلباً على المشروع عند تنفيذه لاحقاً، مؤكداً على أهمية تدقيق الدراسات الهندسية من الجهة صاحبة المشروع وأهمية التعاقد مع مكاتب متخصصة للقيام بعملية التدقيق فلا يجوز بأي حال من الأحول أن تكون الجهة دارسة ومدققة في آن واحد.

وحول مسألة استخدام بعض المكاتب الاستشارية لمهندسي القطاع العام في إعداد الدراسة أكد أمين سر النقابة أن عمل المهندسين العاملين في الدولة لدى المكاتب الخاصة ممنوع تماماً ومخالف للقانون وأن النقابة عندما تصلها أي شكوى بهذا الخصوص يتم تدقيقها واتخاذ الإجراء المناسب بحق المخالفين، محملاً بعض الجهات العامة مسؤولية سوء اختيارها للمكتب المناسب لنوعية الدراسة المراد استخدامها، مشيراً إلى أهمية النظر إلى خبرة الدارس وما قدمه من دراسات لمشاريع سابقة مشابهة قبل النظر إلى عرضه المالي.

 

الخارجي أكثر خطورة

واعترض م. أحمد على بعض الجهات الإدارية في سورية التي قامت وتقوم بالاعتماد على مكاتب وشركات استشارية خارجية في إعداد مشروعاتنا الوطنية ورأى أن هذا يشكل خطورة على المشروع الاقتصادي الوطني، فالدارس الخارجي حسب رأيه لا يأخذ في الاعتبار السلامة الإنشائية والحالة الديموغرافية لأنه لا ينتمي إلى الوطن، وقال: لا يوجد بلد في العالم يسمح أن تتم دراسة مشاريعه الهندسية في الخارج، كما أن المهندس السوري مسؤول من حيث السلامة الإنشائية طالما بقي على قيد الحياة أما الدارس الخارجي فلا يجد نفسه معنياً بهذا الخصوص.

 

مفارقات

مادامت وزارتنا تمتلك “جيوشاً” من المهندسين –كما أسلفنا سابقاً فلماذا لا يتم كما قالت د. نتالي عطفة تأهيل هذه الكوادر لتكون قادرة على القيام بهذه الدراسات؟.

ومن جهة أخرى كيف يمكن لمكتب استشاري ببضعة مهندسين ولا يمتلك معدات العمل أن يقوم بدراسات وبسعر أقل بكثير مما تقدمه الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية التي تمتلك جيشاً من المهندس ولها فروع في معظم المحافظات السورية إضافةً إلى أسطول ضخم من الآليات والمعدات والتجهيزات اللازمة لمختلف أنواع الأعمال الهندسية؟.

فعلى سبيل المثال استطاع مكتب هندسي استشاري خاص منذ سنتين القيام بدراسة لمنطقة رأس البسيط لمصلحة وزارة السياحة بعد أن قدم عرضاً مالياً بقيمة 17 مليون ليرة سورية وهذا أقل من نصف قيمة العرض الذي تقدمت به الشركة العامة آنذاك، علماً أن الشركة العامة كما علمنا تعمل بالحد الأدنى من الربحية، وغير مضطرة لاستئجار معدات ووسائل نقل فهي متوفرة لديها، ولن نضيف..!!.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]