هل تنتصر ” البروليتاريا السورية” في الحرب الجديدة مع الفاسدين في إدارات “مصادر الرزق”؟؟

ناظم عيد – الخبير السوري:

بين الخسارة والتخسير أو الفشل والإفشال، مسافة هائلة و تباين في الدلالات يوازي تماماً الفرق بين الموت قضاءً والقتل العمد، ففي النتيجة الأولى تُطوى الملفات، أما في الثانية فنكون أمام ملفات جديدة وبداية لحكاية طويلة تعتريها تحقيقات و أحكام .

هي مقاربة وجدناها الأنسب للولوج إلى أخطر الملفات الاقتصادية المصيريّة في قوام الاقتصاد السوري عنوانها “القطاع العام” وهو العنوان الإشكالي في الواقع، الذي استغرق منّا الكثير والكثير من التفكير و “هرش الرؤوس” لإنقاذه، لكننا منينا بالفشل الذريع في محاولاتنا التي بدأت منذ تسعينيّات القرن الماضي، ودخول الاستثمار الخاص إلى مساحات كانت محظورة علية ومحصورة كملعب رحب لدحرجات شركات القطاع العام السوري،  فقانون الاستثمار رقم 10 الصادر في العام 1991 كان “الصفعة” التي أيقظتنا على حالة تشبه النحر أو الانتحار لشركات قطاع طالما كان بلا منافس ، أفرط في ترك “عوراته” بلا ولا حتى ورقة توت تسترها؟؟!!

إلّا أن المسألة بعد ذلك اتخذت بُعداً تراجيدياً مشهوداً لكل من شاء الفرجة والمتابعة في دعوة عامة غير مباشرة..فبدلاً من تشخيص الوجع والألم، ومن ثم إقرار جرعات العلاج الإسعافي أو الجراحي..ومع بداية تدفق شركات الانفتاح، على إيقاع الهرولة نحو تطبيقات اقتصاد السوق الاجتماعي، التي تمّ إقرارها في الورقة المنبثقة عن المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث، ثمة من اختار الإمعان في دسّ جرعات الوهن في أوصال هذا القطاع، بما أن وصفات إحلال البدائل كانت جاهزة وبعضها معلّب قادم من وراء الحدود، لم يحرص موردوها أبداً على إخفاء بصمات صندوق النقد والبنك الدوليين على مواراتها أبداً، وحتى لم يكترثوا للانتقادات التي كانت تستهدفهم في وسائل الإعلام الوطنيّة ودراسات خبراء رفعوا أصواتهم منذرين محذرين، لكنها ضاعت كلها في دهاليز مكاتب “الفريق الليبرالي” الضاغط حينها في رئاسة مجلس الوزراء..لندخل الحرب مع الإرهاب بقطاع عام واهن ينتظر من يطلق عليه رصاصة الرحمة، لتنتهي حقبة اكتفاء وملكيّة سخيّة المخرجات تماهت مع نفحات الإشتراكية المناهضة للرأسمالية قولاً وفعلاً أي نظريات و أفعال.

في أحلك الظروف و أخطرها كانت أجراس الإنذار كفيلة بأن توقظنا على حتميّة استدراك قطاع استحق يوماً ما ألف لقب ولقب ” قطاع الفقراء، معامل إنتاج الأمن الغذائي السوري، مظلّات الأمان الاجتماعي، ملاذ البروليتاريا السورية، مصدر أرزاق عموم السوريين، مقومات الصمود…الخ”.

وكم كانت المهمّة صعبة..لأن الغايات المبيّتة للإجهاز على القطاع، وتيار المصالح و أصحاب المنفعة، كانوا أقوى – عدّة ً على الأقل- من العديد الكبير من منتظري ومترقبي عودة انتعاشه.

في كواليس وخفايا الاقتصاد حالياً يبدو أن هناك ما أملى الحديث المباشر وبلا مقدّمات – أي بصراحة تشي بخطورة – حول حقيقة ما يجري داخل “المحركات الدافعة للقطاع العام”..أسماهم رئيس مجلس الوزراء بـ ” مقاومي التغيير” ..والعبارة أطلقها من المقصورة المركزية لوزارة الصناعة في اجتماع خاص..وكان فيها من الإشارات الكثير الذي يشي بحزمة تغييرات واسعة..وقد كان هناك إشارة مباشرة لشركة زيوت حلب التي وصفها المهندس خميس بأنها معطّلة بفعل فاعل و أن إنتاجها من الزيوت هائل يمكن أن يزيد عن احتياجات سورية كاملةً ؟؟!!

إشارة رئيس مجلس الوزراء أعقبها فوراً قرار لوزير الصناعة

يقضي بإنهاء تكليف المهندس هيثم محمد حسيب عاصي بوظيفة مدير عام الشركة الصناعية السورية للزيوت النباتية بحلب.

الحديث والإجراء يفتح الباب على احتمالات تغيير واسعة في المفاصل الإدارية المتقدمة لمؤسسات وشركات القطاع العام لا سيما الصناعي منه،  أي في موقع مدير عام ورئيس مجلس إدارة، فعند هاتين الحلقتين تقع وتتركز المسؤوليّات..وقرار السير باتجاه الموت الرحيم للقطاع.

الواقع أن المحنة والأزمة التي تسببت بها الحرب، كانت درساً بالغ التكلفة لنفهم ونتفهّم أن نسقنا الإنتاجي والذهني ما زال يتمحور حول القطاع العام، كخيار إنتاج وتشغيل و ضمانة أمن غذائي..لكن هذا لا يعفينا من مسؤوليّة تشذيب وتنقية بيئة عمل القطاع، وتنقيته وتنظيفه من الفاسدين ” وهدر دماءهم كما هدروا دمه” ..المسألة بحاجة إعادة صياغة التشريعات الناظمة لعملة، وتغيير طريقة اختيار الإدارات المسؤولة عن إعادة إحيائه، والعمل بعقليّة وذهنيّة القطاع الخاص، والتحرر من نزق الأجهزة الرقابية و لغبصات مفتشين “موظفين” متحجرين فكرياً يفضلون ألا يعمل المدير كي لا يخطئ..فمن يعمل في ظل حزمة القوانين والأنظمة التي تحكم أداء القطاع حالياً، لا بد سيكون “مرتكب” وفق الطريقة التي تعمل بموجبها الأجهزة الرقابية حالياً.

أمامنا فرصة ثمينة الآن لإعادة إحياء هذا القطاع..فهو صاحب الموجودات الثابتة العملاقة..إنه ” الرجل الثري الذي غطّ في غيبوبة بفعل فاعلين” فلنوقظه..ولنبرهن أن حقبة الليبرالية  المشوّهة” قد مضت وانقضت، و أن الحرب علمتنا ألّا نمزق المظلات الواقية لنا اجتماعياً واقتصادياً، و لنلبي رغبات مئات آلاف الفقراء المعلّقة أرواحهم بمكنات إنتاج سلع الصمود والبقاء، و إلّا فلنعلن البدائل بكل صراحة فالمواربة والمخاتلة تنفع أحياناً لكنها تكون خطيرة جداً إن كانت مع الذات.

الفاسدون كثر والمتآمرون على أكبر مقومات اقتصاد سورية أكثر..إنه استحقاق وطني لصيق بمرحلة إعادة الإعمار..وبتطبيقات مشروع سورية ما بعد الحرب..والجميع بانتظار المحاسبة وبأدوات رشيقة وجريئة لا ترتجف ولا تخاف.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]