مسؤوليات تنموية غير تقليدية بعد الأولويات الجديدة لمسارات إنفاق الموازنة العامة للدولة.

الخبير السوري :

خرج الجدل بشأن الاستحقاقات التنموية و إشكاليّة التمويل اللازم للنهوض بالمكونات الاقتصادية بشكل متكامل، من أروقة القرار التنفيذي إلى الأوساط الأكاديمية، لا سيما بعد إقرار الحكومة مؤخراً عبر المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، حزمة أولويات وخارطة طريق جديدة للإنفاق وفق الاحتياجات التنموية الأساسية.
و يؤكد خبراء أكاديميون أن العلاقة بين السياسة المالية والبيئة الاستثمارية الملائمة لتحقيق التنمية الوطنية في جوهرها علاقة تبادلية فعلية وليست مجرد تلاقح أفكار بلا تطبيق، فكل منهما يؤثر في الآخر، وإن كان تأثير البيئة الاستثمارية أكبر وأكثر فاعلية نظراً لاحتوائها على عناصر غير اقتصادية فضلاً عن الاقتصادية.

و يلفت هؤلاء إلى أنه وفي الوقت الذي قد يفشل فيه تدخل الدولة الاقتصادي أحياناً، فإن قطاع الأعمال ورواد الأسواق والفاعلين قد يفشل أيضاً، لكن فشل الأسواق قد تصححه الدولة بينما فشل الدولة لن يصححه أحد، وبالتالي فإن البيئة الاقتصادية للاستثمار هي في العمق سياسية بامتياز.
ويشترط محللون ضرورة تحليل البيئة الاستثمارية الملائمة لجذب الاستثمارات الأجنبية بشكل خاص والمحلية بشكل عام، خاصة فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي الراهن لتظهر القدرات والطاقات الاقتصادية، فضلاً عن الاحتياجات والمشكلات، أي التكلفة الحقيقية للاستثمار التي تعد جوهر البيئة الاستثمارية، وكذلك فإن تحليل الوضع الاقتصادي الراهن يبرز وبشكل موضوعي نوعان من البيئة الاستثمارية، بيئة طاردة للاستثمارات وبيئة جاذبة لها، ولعلّ المؤشرات الاقتصادية للاقتصاد السوري تميل بشكل واضح إلى البيئة الثانية، وخير مثال على ذلك: معدّل النمو والإنتاجية والتضخم وتقييد الأسواق وترحيل الأرباح للخارج ومعدلات الفقر.. وغيرها من المؤشرات الاقتصادية السلبية التي توضح مدى الصعوبة الفائقة في إيجاد بيئة استثمارية جاذبة على الأقل في المدى المنظور.
وتعكس السياسة المالية ممثلة بالموازنة العامة للدولة وبشكل موضوعي التوجهات الاقتصادية الحقيقية والمذهب الاقتصادي- السياسي للدولة، فالنفقات العامة والإيرادات العامة كمتغيرات مالية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الكميات والمتغيرات الاقتصادية الكلية، وبالتالي فإن الموازنة العامة للدولة هي جوهرياً وعملياً التعبير الحقيقي عن الاستراتيجيات والسياسات والأهداف الاقتصادية للدولة، وإن محتوى السياسة المالية للدولة يحدّد بشكل مباشر وغير مباشر كل ما يتعلق بطبيعة الاقتصاد الوطني وتوجهاته المستقبلية، فمن الصحيح أن البيئة الاستثمارية الجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية لا تقتصر على السياسة المالية ولا تختزل بها، لكنها تعبّر أحسن تعبير عن الميول الاقتصادية للدولة فيما إذا كانت دولة منتجة أم مستهلكة، تعتمد على الاقتصاد المادي أم على الاقتصاد الخدمي، إضافة إلى أن عجز الموازنة أو فائضها يوضحان جوهر السياسات الاقتصادية الكلية للدولة، فالعجز يعني في العمق الاعتماد على الإصدار النقدي غير المدروس، بينما الفائض يعني زيادة للإنتاج.
وينفي أساتذة في الاقتصاد من جامعة دمشق أن تكون السياسات الاقتصادية الكلية وحدها هي ما يحدد طبيعة البيئة الاستثمارية كجاذبة أو طاردة للاستثمارات الداخلية والخارجية، فعناصر البيئة الاستثمارية تتضمّن العنصر الاقتصادي لكنها تتجاوزه لتستقر في حقول غير اقتصادية، وإن العوامل غير الاقتصادية هي بالضبط ما تشغل اهتمامات المستثمر، ولا سيّما الأجنبي.
ويرى بعضهم أن العناصر الاقتصادية بالنسبة للبيئة الاستثمارية الملائمة تعتبر شروطاً لازمة لكنها غير كافية ويجب تعزيزها بالعناصر التشريعية والقانونية، متسائلاً عن ضرورة تحديد من المسؤول عن عملية التنمية وإيجاد البيئة الاستثمارية الملائمة “الدولة أم الأسواق”، فهيمنة الدولة على الأسواق لم تفض وعلى مدى العقود الزمنية الطويلة إلى تحقيق تنمية حقيقية ولا إلى جذب الاستثمارات الأجنبية في أكثرية الدول، وبالتالي فإن الأسواق هي التي تحقق التنمية الوطنية وكل ما عدا ذلك هو تفاصيل، في المقابل يجب أن ننظر إلى البيئة الاستثمارية الحقيقية من منظور الأفراد ورأس المال الخاص، ومن منظور حكومي أيضاً، فالبيئة الاستثمارية الحقيقية والملائمة هي التي تجمع في آن واحد بين مصالح الطرفين وتطلق قدراتهم كي يسهموا في تحقيق التقدم الاقتصادي الحقيقي الذي يجب أن يتجسد في تحسين المستوى المعيشي لكل المواطنين.
على العموم يظهر هنا مفهوم المسؤولية التنموية بأبعاده المتكاملة التي يجب ألا تكون أحاديّة ولا مجتزأة أبداً، وربما يكون الدور الرسمي متركزاً في مثل هذه الظروف على التحفيز الاستثماري و توطئة البنى التي تتيح ما يلزم من توظيفات رأسمالية بعيداً عن عائدية هذه الرساميل.

نهى علي – الثورة أون لاين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]