انتشروا

معد عيسى

يتقدم موضوع إعادة الإعمار على غيره من المواضيع عند الدولة السورية وهو ما تتطلع إليه كذلك كل الدول المشاركة في الحرب على سورية،

وإن المتتبع لموضوع إعادة الاعمار يلاحظ التركيز على المدن الرئيسية دمشق وحلب وحمص متجاهلاً الجغرافيا التي صنعت التاريخ للشعوب والدول، ففي جنوب الولايات المتحدة الحّار أتاح اختراع المكيف إمكانية الحياة والازدهار والتحول نحو الصناعة وإنشاء مدن جديدة في تلك المنطقة التي كان يغلب عليها الطابع الزراعي، والأمر يتشابه كثيراً لدينا فيما يخص منطقة حوض الفرات والساحل السوري، فمدن دير الزور والرقة والميادين والبوكمال وجرابلس لا تحظى بالتنمية العمرانية التي تشهدها المدن الرئيسية في سورية خلافاً لكل ما نشهده في العالم الذي ارتبطت مدنه وحواضره بالأنهار، فسحر نهر الفرات الذي يخترق البادية يكاد لا يكون معروفاً للكثير من السوريين أنفسهم، وعليه يمكن أن نسأل ما الخطط المعدة لتنمية وإعادة إعمار حوض الفرات؟.‏

منطقة الفرات تحتوي على كل شيء، مياه، ثروات معدنية ونفطية، سهول زراعية ومجال حيوي واسع، يتيح إقامة أكبر المنشآت الصناعية والزراعية والسياحية، وهو ما نفتقده في أي منطقة أخرى في سورية، فدمشق التي بُنيت على نهر بردى وحمص التي بُنيت على نهر العاصي، وحلب على نهر قويق، تعاني من أزمة توفير مياه الشرب فكيف نوفرها لمشاريع كبيرة؟.‏

ساحل الصين يشهد أكبر نهضة في التاريخ في حين تغيب عن ساحلنا النهضة الملائمة لطبيعته، وعلى العكس من ذلك تم تخريبه باستثمارات ساهمت في القضاء على مزاياه كمعمل الإسمنت ومصفاة بانياس والمحطة الحرارية، في حين تضيق مرافئه أمام السفن الكبيرة وتضيق شواطئه أمام مرتاديها وقاصديها.‏

إعادة الإعمار اليوم فرصة لإعادة تصحيح التشوهات التي أحدثتها الخطط الحكومية المتراكمة لسنوات طويلة، كما هي فرصة لفك الاختناق الذي تعيشه المدن الرئيسية نتيجة تخصيص حصة كبيرة من خطط تنميتها لتجمعات عشوائية أفقدتها هويتها البصرية والعمرانية وطابعها الحضاري.‏

حقائق التاريخ تقول إن هذه المناطق الجغرافية شهدت نشوء الحضارات ولا تزال حقائق الجغرافيا القائمة تقول نفس الشيء رغم الإهمال والتخريب، فالأنهار أوجدت مدناً وأحدثت تنمية كبيرة، وكذلك الجبال والسواحل والمناطق الخضراء، فيما لا يزال النهر الوحيد في سورية مهجوراً رغم غزارته وسحر المناطق التي يخترقها ولا تزال سواحلنا وجبالنا متروكةً للعبث ولأفكار ارتجالية.‏

وزارة النقل خطت الخطوة الأولى بإعلانها عن إنشاء طريق سريع وسكة حديد لربط الساحل بالعراق، وهو ما يمكن أن نعتبره البداية لإعمار وتنمية تلك المنطقة وربط الحاضر بالتاريخ عبر طريق الحرير.‏

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]