في زمن الحديث عن (المؤسساتية)… أهلاً بالفردية!

زياد غصن

ما سأقوله قد يخالف كثيراً من قناعاتنا، أو ما اعتدنا على المناداة به كأفراد ومؤسسات من ضرورة تغليب العمل المؤسساتي، ونشره كثقافة مجتمعية..

ليس في ذلك أي عيب، سوى أننا حولنا الجهد الفردي، قصداً أو عن غير قصد، إلى فعل محرم علينا اجتنابه.

وهذا “مطب” وقعنا فيه جميعا جراء انحيازنا وتأييدنا المطلق للعمل المؤسساتي.

في حين أن التحولات الكبرى في حياة الشعوب والأمم صنعها أفراد وصفوا بالعظماء، تماماً كما فعل أخرون وتسببوا لشعوبهم بالنكبات والكوارث والبؤس.. والتاريخ خير شاهد على ذلك.

وذاكرة كل منا مليئة بأسماء العظماء و”البؤساء”.. في جميع المراحل التاريخية، وفي جميع المجالات الحياتية.. في بلدنا وفي البلدان الأخرى.

وما ينطبق على المجتمعات الإنسانية ينطبق على المكونات المؤسساتية لكل مجتمع وحركته وتطوره.

 

في سورية هناك كلام كثير يمكن أن يقال..

فإلى جانب المؤهلات والإمكانيات المختلفة التي تقود إلى طغيان الفردية هنا وهناك، فإن بيئة العمل السائدة في القطاعين العام والخاص لدينا مشجعة على العمل الفردي، بحيث بات نجاح أي مؤسسة مرهوناً بالشخص الذي يقودها.. والأمثلة كثيرة.

وإذا كان هذا الأمر مبرراً في العمل الخاص لاعتبارات متعلقة بالصبغة العائلية لمعظم منشآت القطاع الخاص، فإنه في القطاع العام ومؤسسات الدولة يضع عشرات إشارات الاستفهام، لاسيما في ظل الحديث الرسمي الدائم عن نشر الثقافة المؤسساتية، والسعي لمأسسة العمل.. وغيرها من الشعارات وخطط العمل، التي بقي كثير منها “حبراً على ورق”.

في مؤسسات الدولة هناك نوعان من الفردية، الأولى سلبية بنتائجها وعملها وغاياتها، والثانية إيجابية بفكرها وقيمها وإنجازاتها.

تطغى الفردية “السلبية” لثلاثة أسباب جوهرية، أولها غياب العمل المؤسساتي المستند إلى تكاملية جهود جميع العاملين بعيداً عن سياسة الإلغاء والتفرد بالقرار، وثانيها حالة الترهل والبيروقراطية القاتلة التي تجعل من تدخل الفرد عملاً ضرورياً ومبرراً.. و”المصيبة” عندما يكون هذا الفرد فاقداً للإمكانيات والخبرة أو له أجندة مصالح خاصة، وثالثها معايير وأسس اختيار شاغلي المهام والمناصب الإدارية القائمة على العلاقات الشخصية والمحسوبيات والاستسهال…!!.

أما الفردية الإيجابية فهي للأسف ذات حضور محدود في مؤسسات الدولة، وينطلق عملها من محددات واضحة تبدأ بهاجس تحقيق إنجازات هامة على مستوى المؤسسة، فالحرص على تنظيم آليات العمل ومأسستها وقوننتها، ثم توسيع دائرة المشاركة في صنع القرار على مستوى المؤسسة..

وتحفل ذاكرة العديد من مؤسسات الدولة بأسماء أشخاص، بعضهم كان في موقع المسؤولية وبعضهم الأخر كان ينتمي لطبقة الإدارة الوسطى، تركوا بصمات مؤثرة وفاعلة في مسيرة عمل مؤسساتهم.. وبعكس ما فعل آخرون.

ولهذا يمكن القول إن ما يفصل بين الفردية “الإيجابية” وبين المؤسساتية ليس سوى خيط رفيع، وتالياً فهما يكملان بعضهما البعض في أي مؤسسة ناجحة.

بينما هناك فجوة كبيرة تفصل بين الفردية “السلبية” وبين المؤسساتية، وهي تتسع باتساع المصالح والمنافع والأجندة الخاصة..

فأهلاً وسهلاً بالفردية.. وكل بما يتمنى منها.

الخبير السوري – سيرياستيبس

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]