فجوة الأجور والأسعار وتحديات من كعب الدست أمام الحكومة

الخبير السوري:

أسئلة كثيرة تراود المواطن السوري الصابر المقهور المعتر هذه الأيام أهمها ماذا بعد ماذا سنأكل غدا ..انا كل يوم تسألني زوجتي شو بدنا نعمل غدا اليوم وكم التكلفة وخلص الراتب من 6 الشهر؟

انتهت أعوام الخطة جاء الخريف / بعد أسبوعين في أيلول / العيد والمدارس والمونة والجامعات على الأبواب كل ذلك يحتاج إلى زيادة الرواتب نرجو ذلك قريبا جداً جدا

أسعار جديدة للمازوت والبنزين والخبز والمنظفات انعكست على تكلفة النقل والمواد الغذائية والاستهلاكية وغيرها في الأسواق, ترافقت مع زيادة الرواتب والأجور بنسبة 25%.

هذه الزيادة كانت ضرورة وحاجة ملحة لتغطية ارتفاع الأسعار وإذا بها تمتص وتكاد لا تكفي لتعويض الارتفاع بأجور النقل.

هناك أزمة ثقة بين المواطن والحكومة الحالية.

ولعله الحظ العاثر الذي رافق عملية التحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي الذي ترافق مع أزمات عالمية للأسعار وحرب على السوريين وتضخم كبير صاروخي وانهيار القوة الشرائية للنقد الوطني السوري / فزاد من بعد المسافة بين الحكومة والشعب, أو لعله قرار صحيح ومحتم صدر بتوقيت غير مناسب..

  • لحظة الحقيقة:

إن دعم المشتقات النفطية استنزف مئات المليارات من الخزينة الحكومية سنوياُ (ومعظمها بالعملة الصعبة) وانعكس بشكل أو بآخر على حياة الشريحة الأقل دخلاُ من المواطنين فلم يعد من الممكن القبول باستمرار الوضع القائم.

إن زيادة الاستهلاك من قبل المواطنين بسبب زيادة عدد السكان المواطنين والمقيمين إضافة إلى وجود نسبة كبيرة من غير السوريين المستفيدين من الدعم عن طريق التهريب… ذلك أدى إلى تضخم في استهلاك المواد المدعومة حكومياُ والمواطن السوري محدود الدخل هو الأقل استفادة من نظام الدعم الحالي.

وبهذا أصبحت فكرة الدعم غير واقعية وغير قابلة للاستمرار…

والسؤال هنا هل لدى الحكومة دراسة متكاملة للانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية لقرارها؟

  • حكومة الأرقام:

تختص الحكومة الحالية بطرحها العديد من الأرقام والمؤشرات والتصريحات الكاذبة بشكل شبه يومي وأعتقد أن الحكومة قد لعبت دوراُ ليس لها حينما ركزت على تحسين آليات احتساب الأرقام بدلاُ من وضع آليات تطوير الأداء وتحسين الوضع المعيشي.

صحيح أن المنظمات الدولية تهتم بإصدار مؤشرات عن كل بلد وذلك لتوضيح مكامن القوة ونقاط الضعف وتكون تقاريرها حافزاُ للحكومات لتطوير الأداء استناداُ للأدوات التي تمتلكها الحكومة والتي يمكنها إحداث التغيير المطلوب, أما في حالتنا فيبدو أن الحكومة قد وضعت نفسها مكان هذه المنظمات وأصبحت تركز على إصدار الأرقام بأفضل شكل ممكن وتركت إدارة التغيير والاصلاح لجهات أخرى ربما القدر!

  • إدارة أزمة…أو أزمة إدارة؟

أعلنت الحكومة منذ أشهر عن عزمها تخفيض الاسعار وانجاز اصلاحات و لإعادة توزيع الدعم من خلال تحريك أسعار المشتقات النفطية ومنذ ذلك الحين وأسعار السلع والمنتجات أخذت بالارتفاع الجنوني وبدأت تحلق منذ أكثر من عام والحكومة لم تصدق بشيء.

ألم يكن بالإمكان تجنيب المواطن هذه الزيادة بالأسعار باتخاذ القرار بشكل مفاجئ ودون الاعلان عن النوايا بزيادة أسعار المشتقات النفطية والذي نتج عنه تخزين كميات كبيرة سرية من المازوت والبنزين للاستفادة من فارق السعر بعد إعلان التعرفة الجديدة؟

لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن سعر المازوت الحر بل صدر قرار عن وزير الاقتصاد إلى البائعين…

وهنا تبرز أهمية الحكمة بإدارة الأزمة

والسؤال المطروح هل نجحت الحكومة بإدارة الأزمة؟

وهل اتخذت الإجراءات الكفيلة لحماية المواطن من استغلال وجشع بعض ضعاف النفوس الذين استغلوا تأخر صدور التعرفة الجديدة للنقل… فبعض السائقين أو شركات النقل أضربت عن العمل, وبعضها تقاضى أجور مضاعفة أو عشوائية…

إضافة إلى حدوث أزمة الرغيف بكافة محافظات القطر نتيجة الخلل حول كيفية إيصال المازوت إلى الأفران.

إن زيادة الرواتب والأجور ليست كافية لمعالجة الأزمة الناجمة عن رفع الدعم عن المازوت ونتائج الحرب والتضخم المرعب لأن هذه الزيادة سوف تضاف إلى عوامل التضخم وسوف تتآكل بارتفاع الأسعار.

إن تآكل الأجور الحقيقية ولا سيما لذوي الدخل المحدود سوف يعني على مستوى الاقتصاد الكلي تقليصاُ في حجم الادخار وهو الشرط اللازم لتمويل الاستثمار كأحد عوامل النمو الاقتصادي إضافة إلى تخفيض حجم الاستهلاك الحقيقي بمعنى آخر تخفيض مستوى الرفاه الاجتماعي والاقتصادي.

وتبعاُ لذلك فإن معدل الفقر سوف يتأثر لجهة ارتفاع قيمته بانتقال العديد من الشرائح الاجتماعية التي تقع على حدود الفقر إلى خانة الفقر حيث اليوم 90% من السوريين فقراء و70% مديونين و50 % شحادين.

وبالنسبة لموضوع دعم التدفئة المنزلية بقسائم 1000 لتر مازوت لكل أسرة سورية دون التمييز بين الأسر التي تحتاج للدعم والأسر التي تبحث عن البطر والرفاهية, أيضاُ لم يتم التمييز بين المناطق وطبيعة المناخ الجوي… وباعتقادي أن المشكلة الحقيقية ليست مشكلة التدفئة فالأهم أن المازوت مكون أساسي من مكونات الإنتاج والمطلوب هو البحث عن وسيلة لتخفيض تكلفة الانتاج.

  • مصادر دخل الحكومة… وأوجه الإنفاق…

من أين تحصل الحكومة على إيراداتها؟ وكيف تنفقها؟ ومن هو المستفيد؟

اعتقد أن تفكيك خيوط هذه المشكلة كفيل بإيجاد الحلول الأنجع…

فالمشكلة الرئيسية لدى الحكومة هي انخفاض الدخل الناجم عن الضرائب إضافة إلى عدم وجود عدالة ضريبية فمعظم الضرائب التي تحصل عليها الحكومة مصدرها المواطنين محدودي الدخل, بينما يتهرب كبار رجال الأعمال من دفع الضرائب وهذا يجعل من دخل الحكومة الضريبي محدوداُ…

ولم تنجح الحكومة في إيجاد آليات للحد من التهرب الضريبي والفساد المستشري.

وبما أن من الصعب إلزام كبار رجال الأعمال بتغطية حصتهم من الضرائب فإن المنطق يقتضي أن يتم سحب الدعم منهم لأن الدعم هدفه اجتماعي حصراُ للمحتاجين والفقراء.

  • آليات تصحيح الدعم في شقه الاجتماعي:

إن التصدي لقرار بحجم وأهمية تصحيح الدعم يحتاج لاتخاذ الاستعدادات الكافية وربما تأسيس برنامج خاص يسمح بالتصدي لحزمة المشكلات المرافقة للدعم ولعملية تصحيحه…

وبالنظر إلى الشريحة الأضعف – المواطن محدود الدخل – حريُ بالحكومة اتخاذ الإجراءات الكفيلة برفع الحيف عنه… كإحداث صندوق دعم مادي للأسر محدودة الدخل, وتحديث الخدمات الصحية, وتصحيح آليات دعم التعليم ما قبل الجامعي.

إضافة إلى إعادة النظر في النظام الضريبي وتعديل شرائح الدخل المعفاة من الضرائب بما ينسجم مع معدلات إنفاق الحد الأدنى, والحد من ضرائب المبيعات لصالح الضرائب على الأرباح الفعلية.

وتفعيل منظومة النقل الجماعي بكفاءة مرتفعة.

ومن المفيد الإشارة إلى ضرورة أن ترافق سياسة رفع الدعم عن حوامل الطاقة إلى الانتقال التدريجي إلى استخدام طاقات بديلة أقل تكلفة.

  • اقتصاد السوق الاجتماعي:

ترشيد الدعم وما تلاه من أحداث يشير إلى الضجة في الشارع السوري وهي ظاهرة طبيعية نتيجة اختلاف الآراء والمصالح.

فإذا كان ما تتخذه الحكومة من إجراءات للتحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي هنا يجب البحث عن إجابة مطلوبة من الحكومة على تساؤل المواطن:

بأي معيار يمكن قياس التطورات الحاصلة حتى نتبين هل نحن نسير باتجاه جانب السوق أم الجانب الاجتماعي؟

– باستخدام معايير السوق:

تمكين القطاع الخاص في قطاعات كانت حكراً للدولة (مصارف – تأمين…), تحرير التجارة الخارجية, تحرير الأسعار, تشجيع الاستثمارات الخاصة, تخفيض العبء الضريبي…

– باستخدام معايير الجانب الاجتماعي:

هي المعايير التي تعزز دور الدولة بأدوات متنوعة مثل تعزيز الإنفاق الحكومي وضبط الأسعار وربطها بالأجور ومكافحة البطالة…

بقياس الإصلاحات التي تمت حتى اليوم وفق المعايير المذكورة نجد أن غالبيتها تمت لمصلحة السوق على حساب البعد الاجتماعي.

وهذا هو واحد من أهم مصادر الخلل الذي لا بد من إصلاحه في المستقبل القريب كي لا يتفاقم.

  • تسويق الحكومة لقرارها:

ما سبق من شرح مستفيض حول قرار رفع الدعم وأسبابه وحتميته وتوقيته والإجراءات المرافقة وتوافقه مع التحولات الاقتصادية المحلية المرتبطة بأوضاع خارجية و…. لم يتم إيصاله إلى المواطنين بشكل صحيح عن طريق قنوات الاتصال بين الحكومة والشعب.

فالإعلامي والصحفي والفنان… يشكلون حلقة الوصل بين المواطن والحكومة وهذه الحلقة يجب أن ترتبط مع الحكومة بعلاقة نظيفة وشفافة ومع المواطن بمصداقية حتى تجمع بين ثقة المواطن والحكومة.

وعادة ما تكون المقالات الاقتصادية صعبة الفهم من قبل المواطن العادي إضافة إلى صعوبة تعامله بالأرقام والمؤشرات وما ينتج عنها من مقارنات… فهذه المقالات تصل لفئة محددة من القراء.

وهنا يبرز دور الفن بتسويق قرارات الحكومة عبر برامج بسيطة وممتعة يقدمها فنانون محبوبون ويتمتعون بجماهيرية عالية لدى كافة فئات وشرائح المجتمع.

فالمواطن يحتاج لتهيئة نفسية وتهدئة حتى يتقبل قرار يبدو بالشكل الظاهري أنه قرار مجحف.

وهنا نستعرض سيناريو بديل ربما كان أفضل على مستوى تقبل المواطن لقرار الحكومة ولتخفيف آثار الصدمة في الأسواق:

تبدأ الحكومة بإحداث صناديق الدعم المختلفة وفق توجهاتها القطاعية وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية.. وتربط مصالح المواطنين بهذه الصناديق.

تأمين النقل الداخلي العام الجماعي بشكل لائق ومحترم وبنوعية جيدة وأسعار منافسة للقطاع الخاص بحيث تغطى حاجة المحافظات وتحل مشكلة الاختناقات.

وهنا يأتي دور التسويق الصحيح بالتوقيت المناسب… عندما تربط الحكومة بين الانعكاسات الإيجابية على حياة المواطن والحاجة لخفض سعر المازوت اليوم حتى يعود الدعم لمستحقيه فقط.

إن ترتيب الأحداث والإجراءات المرافقة لهذا القرار بطريقة مختلفة ربما كانت خففت عن المواطن معاناة كبيرة ومضاعفة مرة لأخطاء ارتكبت داخل الحكومة ومرة لظروف عالمية خارجة عن إرادة الحكومة.

عن سيرياستيبس-  عبد الرحمن تيشوري / خبير ادارة عامة

شهادة عليا بالادارة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]