فساد من دون “شوشرة “

معد عيسى

 

أقر المشرّع المناقصة قاعدة عامة لإبرام الصفقة العمومية ونظمها بجملة من القواعد الوقائية لحماية المال العام، وأتاح للجهة المتعاقدة اللجوء استثناء لإبرام صفقة عمومية وفق أسلوب التراضي، ولكن هذا الأسلوب الاستثنائي أصبح القاعدة الأساس لكثير من الجهات تحت مبررات غير مقنعة لأحد، وتم التحضير لها قبل التعاقد.‏

ما يثير الشك في موضوع التعاقد بالتراضي أن بعض المقاولين أصبح المُنفّذ الحصري لمشاريع معينة، ويمكن للجهات الرقابية إن أرادت أن تعمل متابعة لعقود التراضي وفق خطة على شكل حملة عنوانها التعاقد بالتراضي، وتكون قادرة على هذا العمل بتحديد سقف مالي للعقود، مثلاً أن تحدد خطتها بالعقود التي تتجاوز مبالغها 500 مليون ليرة سورية، وستكتشف الفساد المقونن الذي تحصده شبكات داخل هذه الجهات مع الجهات المنفذة وتدفع ثمنه الجهات العامة وبالتالي خزينة الدولة.‏

التراضي في الأزمات يمكن أن يكون خياراً لاسترداد هذه الأموال المسروقة، وتم اتباعه مع بعض الشخصيات التي خرجت في بداية الأزمة من البلد وأخرجت أموالها، وعندما طلبت العودة دفعت مبالغ كبيرة لمصلحة صناديق معينة وفي تجهيز بعض المنشآت، هذا الأسلوب يمكن اتباعه اليوم مع إدارات أخذت الكثير من المال العام ويمكن مطالبتها بإعادة هذه الأموال بالتراضي من دون إدخالها في متاهات التحقيق والتوقيف وبشكل غير معلن، وفي ملف القروض المتعثرة نموذج واضح لذلك، وهذا الأسلوب قد يكون ناجعاً ويرفد خزينة الدولة بمبالغ كبيرة هي بحاجة ماسة لها، ويمكن أن يكون أيضاً رادعاً وعبرة للإدارات القائمة والشبكات المنظمة داخل هذه الجهات.‏

هناك أشخاص كانوا في إدارات وكونوا ثروات كبيرة من الجهات التي أداروها معروفين لجهات معنية وفي المجتمع وكل ما جمعوه من خيرات هذا البلد بشكل غير مشروع، فما الذي يمنع أن يدفعوا للخزينة جزءاً من هذه الثروة وبطريقة التراضي بعيداً عن الشوشرة و« مس الكرامات»؟‏

التعاقد بالتراضي لعبة تمارسها بعض الجهات العامة رغم وجود عدد كبير من العارضين، وباتت العملية مفضوحة والتبريرات غير مقنعة وخزينة الدولة تُستنزف بهذا النمط من التعاقد والحجج التي تساق غير مقبولة، فأي عارض يمكن أن يكون في الموقع المطلوب تنفيذ المشروع فيه بوقت قصير، وأي عارض يمكن تأهيله، وهنا تمارس عملية تلاعب كبيرة بأن فلاناً مؤهل وآخر غير مؤهل، والسؤال لماذا لا يتم التأهيل لمن يريد وفق شروط عامة وليس شروطاً مفصلة على مقاس جهات محددة بعينها؟‏

التراضي استثناء لتحقيق المصلحة العامة وليس استثناء لتحقيق مصالح أشخاص أجادوا استحضار المبررات واستثمروا بالأزمة وشكلوا ضغطاً على الجهات العامة لا يقل عن ممارسات الإرهابيين.‏

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]