دفاتر للبيع

معد عيسى

تبدو الآلية التنفيذية المتبعة في إنجاز المشاريع العامة والإعلان عنها أهم حالات الفساد المنظم، وبات الأمر بحاجة إلى وضع حد،

فما إن تقرر جهة معينة الإعلان عن تنفيذ مشروع معين حتى يبدأ نشاط الفنيين في هذه الجهة مع المقاولين المنفذين لمثل هذا المشروع للتشاور معهم في إعداد دفاتر شروط مناسبة للجميع، بحيث يكون في الشروط بنود مناسبة لكل مقاول بمفرده، وباتت الخبرة لهؤلاء الفنيين تمكنهم من كسب جميع المقاولين وجعل كل واحد منهم يعتقد بأنه الوحيد المُطلع على هذه الشروط قبل الإعلان عنها، ويجد في دفتر الشروط وتحديداً في العرض الفني بنداً كما يقال في اللهجة العامية (لابسه لبس).‏

في أحد إعلانات الجهات العامة كان هناك بند خاص بزمن التوريدات، وكان هناك علامة كبيرة لهذا البند بحيث يُرجح العرض، وكانت المدة الزمنية محددة بعدة أشهر، ولكن أحد العارضين قدَّم في عرضه استعداده لتقديم التوريدات خلال أيام، مع العلم أن التوريدات هي آليات يحتاج توريدها إلى أشهر، وهذا يعني أن العارض كان يعلم بكل التفاصيل، وقام بإنجاز كل شيء قبل الإعلان عن المناقصة، وهناك حالات مشابهة لبنود أخرى.‏

أيضاً هناك بند في كل مناقصة يتعلق بالقطع التبديلية، ولكم أن تتخيلوا ما يتم في هذا البند إذا علمتم أن الفرق بين القُطع المُنتجة في الشركة المُصنعة للتجهيزات المطلوبة والقطع التجارية من شركة أخرى يصل إلى 80 % وأكثر، وهنا يُمكن أن نسأل لماذا تكون التوريدات من شركة ودولة معينة والقطع التبديلية من شركة أخرى أو دولة أخرى؟‏

الكارثة الأخرى تتجسد في التعاقد بالتراضي مع بعض الشركات التي باتت تسيطر على قطاعات بعينها تحت بند مبررات الحاجة والعقوبات والمصلحة العامة ووجود الجهة في موقع العمل، وهذا يتم بشكل كبير مع الجهات التي كان يسمح لها القانون قبل الأزمة بالعمل خارج نطاق القانون /51/، ولكم هنا أن تتخيلوا حجم المبالغ التي تتكبدها الدولة، وتذهب لأشخاص وشركات باعت كل شي وتدعي الوطنية.‏

إن مسألة إعداد العروض من الناحية الفنية والمالية وتأمين التمويل اللازم للمناقصات وطلبات العروض يحتاج إلى مدد زمنية تتناسب وحجم المشروع، ولذلك نجد أن المُشرع لقانون العقود حدد حداً أدنى لمدة الإعلان، ولكن لم يحدد حداً أعلى، تاركاً للإدارات تحديدها، حسب حجم وأهمية الموضوع.‏

إن الكثير من دول العالم تُلزم بقوانينها الإدارات أن تُعلن في بداية كل عام خطتها والمشروعات التي ستنفذها خلال العام، كي يتسنى لكل راغب بالتنفيذ أن يُعد عدته للاشتراك بالمناقصات عند الإعلان عنها، إن التلاعب بعامل الزمن من أهم أساليب الفساد ولا سيما مع استدراج العروض، وكثيراً ما نشاهد بعض الجهات تُعلن عن استدراج عروض يوم الخميس، وآخر موعد للقبول يوم الأحد، وهذا كافٍ للإدانة ويفسر ما تم الاتفاق عليه قبل ذلك.‏

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]