الثروة الحيوانية بين التنمية المنشودة والجهود الموءودة

الخبير – السوري

لقرون مضت كانت الزراعة والثروة الحيوانية مصدر عيش نسبة كبيرة من سكان قطرنا، ورديف عيش لشريحة كبرى، ولكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً في العمل الزراعي وفي تربية الثروة الحيوانية في كثير من القرى لأسباب عدة، وفي طليعتها انصراف الكثيرين للعمل الوظيفي والتجاري والمهني، وتحسّن الوضع السكني والمعاشي للكثير من الذين أصبحوا لا يجدون من اللائق أن تكون البقرة وباقي الحيوانات الأليفة المنتجة تشغل حيزاً من المنزل أو مجاورة له، لتكون رديفاً لدخلهم كما كانت الحال من قبل، عدا عن أن بعض التعليمات الناظمة التي بين يدي المعنيين في البلديات والمراكز الصحية، واعتراضات السكان المجاورين التي تضع الكثير من القيود على التربية المنزلية للأبقار والمواشي، ولكن -البعض من الذين يعيشون في المدينة وأصبحت تمتد هذه الحال إلى الريف- يجد راحة ومتعة السكن والتقارب مع الكلاب والقطط، ويتأفّف من القرب من الحيوانات الزراعية المنتجة، ويشكو من البطالة ويحمِّل السلطات الرسمية ذلك، والملفت للانتباه أن الكثير من مقتني الكلاب والقطط لا يجدون أية ممانعة من البلدية ولا من الصحة ولا اعتراضات من الجوار!.

من المفترض أن تساعد التربية الحيوانية في الريف على حلّ مشكلة البطالة لعدد كبير من سكانه، والمشروع الذي أراه قادراً على مكافحة نسبة كبيرة من البطالة في الريف السوري هو مشروع تنمية الثروة الحيوانية، فالمصلحة الوطنية الاقتصادية تقتضي تنامي إنتاج الثروة الحيوانية بما يتواكب مع الزيادة السكانية وحاجاتها، والنشاط السكاني وطاقاته، وليس الثبات أو التراجع، أليس من الغريب أن تتواجد في سوقنا الاستهلاكية العديد من المنتجات الحيوانية القادمة من خارج الحدود، وأن يعمل التّجار وأصحاب رؤوس الأموال وبكامل استعدادهم لاستيراد هذه المنتجات من الخارج، ويروّجون لتسويقها، ويبدون ضعف الهمّة والرغبة والاستعداد لتنمية الإنتاج المحلي زراعةً وتصنيعاً، ونحن البلد المتعارف عليه تاريخياً وعالمياً أنه بلد زراعي، أليس من الغريب أن يشكو مواطنونا من البطالة ولدينا مقومات تشغيل العاطلين عن العمل، ويحاول بعضهم أن يحصر تأمين العمل الذي يطلبه في حقل الوظيفة العامة في الدولة فقط؟؟!.

فليكن في منظور كل مسؤول ومواطن أن تنمية الثروة الحيوانية تشكل مصدراً أساسياً لغذاء الإنسان، ومدخلاً لتنمية الثروة الزراعية، وتحديداً الزراعة العضوية المعمول للتوجه لها والتي بدورها تشكّل المدخل الأساسي لحل مشكلة البطالة، وتحقيق تنمية الاقتصاد الوطني، ويمكن تحقيق ذلك بكل سهولة، عبر قيام السلطات المعنية بطرح مشروع تشجيع إقامة عدة مزارع أبقار أو أغنام (ضمن حظائر) تعود للدولة أو للقطاع التعاوني أو الخاص ضمن قطاع كل بلدية بأحجام متعددة، في ضوء ما تسمح به مساحتها ووضعها الجغرافي والبيئي، بحيث يتمّ من خلالها تأمين عمل لكل طالب عمل في كل قرية لا تسمح له ظروفه بالتربية المنزلية. وأرى من المناسب أن تتولّى وزارة الزراعة والاتحاد العام للفلاحين وغرف الزراعة التنسيق مع رجال الأعمال السوريين والمستثمرين العرب والأجانب والمصارف العامة والخاصة، للمسارعة في تنفيذ هذا المشروع، ومن المؤكد أنه سيتحقّق من خلال هذا المشروع تشغيل عشرات آلاف الأيدي العاطلة عن العمل، التي تفضّل العمل في مقر إقامتها المعتاد، ومن مختلف السويات التعليمية، وسيضمن ذلك تأمين حاجة ومتطلبات القطر من المنتج الحيواني الطري والمصنّع، وسيساعد في التمكين من تشغيل أيدي عاملة جديدة في المنشآت الصناعية المتوجب أن ينشط الرأسمال المحلي والقادم لإقامتها فوراً تحت عنوان تشجيع الاستثمار، بغية تشجيع إنتاج وتصنيع المنتج الحيواني الفائض عن الاستهلاك اليومي، وأيضاً سيساعد ذلك في التمكين من تشغيل أيدي عاملة جديدة في المنشآت التجارية والخدمية الجديدة التي ستتولد لها الحاجة جراء ذلك، وستنتج كل بقرة سماداً عضوياً سنوياً يسمِّد قرابة ثلاثة دونمات زراعية، وهذا سيساعد في توفير قيمة السماد الكيماوي المطلوب تخفيف استخدامه علمياً وصحياً ودولياً، وسيؤدي لزيادة إنتاج زراعي أكثر تنوعاً، ما كان منه متعلقاً بما يعود منه غذاءً للإنسان أو علفاً للحيوان، وسيترتب على ذلك تمكين المواطن الريفي من الإصرار على استمرارية السكن في قريته ويحافظ على أرضه، ما سيخفّف من الهجرة باتجاه المدن ومن تضخيم أزمة السكن فيها، وأؤكد ضرورة التربية في حظائر كبيرة، فقد لا يكون بمقدور الكثيرين تنفيذ التربية المنزلية لأسباب عدة، أهمها غلاء الأبقار وغلاء العلف وخلل تسويق المستلزمات والمنتجات.

البعث – عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]