بعد التطبيل والتذمير..!!!

 

بقراءة متأنية لواقع الممارسات الإدارية في جهاتنا العامة، يتضح لنا أن الكثير منها يعمل بفكر إداري تقليدي، ولعل من أبرز ملامحه إهمال التنمية الحقيقية للموارد البشرية، رغم “التطبيل والتزمير” لهذا الشعار، وعدم وجود نظام للحوافز، وتحاشي محاسبة القيادات، وهذا الوضع المختل يجعل الكثير من المؤسسات، لا تعلم ما يدور بداخلها، وليس لديها معيار لقياس درجة رضا موظفيها، بل إن رضا الموظف من آخر اهتماماتها.

ملامح هذا مثل هذا الفكر تعود إلى قاعدة نشأة مؤسساتنا وتقوم على فكرة الرجل العظيم وهذه إحدى الأفكار القيادية التقليدية التي انتشرت في بداية القرن الثامن عشر، وما زالت تمارس حتى الآن في عدد من المؤسسات.

كما وتقوم هذه الفكرة على بناء المدير لشخصيته وإهمال شخصية المؤسسة، وربط هذا بفكرة مفادها أن المؤسسة أو الشركة أو المنشأة ستظل قائمة ولديها القوة على التغيير والنمو طالما بقي هذا المدير، لكنها ستتوقف عن النمو عندما يرحل عنها بنقل أو ترقية أو وفاة.

مثل هكذا منظومة إدارية تبني استراتيجياتها على أساس وجود القائد الإداري مدى الحياة، وهذا منافٍ لطبيعة الحياة نفسها، فهذا الإداري معرض لظروف وتغيرات طبيعية وبيئية وإدارية وتنظيمية، كالنقل مثلاً، فإذا رحل عنها بقيت في مكانها لأنها نشأت على عقليته المتفردة، وعند تعيين بديل عنه فسيوجهها وجهة أخرى، وقد يعود بها إلى نقطة الصفر في كثير من أنشطتها، بل قد يغير نهجها ويبدل رؤيتها ويتوقف عن إنجاز أهدافها.

وبإسقاط مباشر لهذا الموضوع على منظومتنا الإدارية، وجب علينا أن ننبه إلى أنها لا تزال تفتقر إلى القيادات الإدارية المؤهلة، لأن ليس لديها برامج لإعداد القادة، فطريقة المحاولة والخطأ التي تتبناها الجهات على اختلاف أعمالها ومهامها، عند تدريب الموظفين هي نفسها التي تستخدمها عند إعداد القادة، عن طريق استقطاب غير المؤهلين، أو ضيقي الأفق الذين يمكن السيطرة عليهم.

والأنكى من ذلك يتم “تدويرهم” على عدد من المراكز القيادية لعدة سنوات، من منطلق رؤيتها (أي المنظومة) ليس فقط بأن ذلك أمر كاف لإعداد القادة، بل وأيضاً للحصول على مخزون من القيادات المؤهلة وفقاً لمفاهيمها، وهذا التدوير أو التمرير على المواقع القيادية أو المناصب، الذي يحدث في المؤسسات والشركات والهيئات، هدفه المبطن كسب الولاء، وليس إعداداً للمدراء الأكفياء..!.

بطبيعة الحال، لا يختلف اثنان على أن الإداري المؤهل يعد سمة من سمات المؤسسات الرائدة، لكن ليس لتلك الدرجة التي ترى أن غيابه يفقدها صوابها فتتوقف في مكانها أو تنحرف عن وجهتها، في الوقت نفسه الذي نجزم أن موضوع تعيين القيادات لا يؤرق سوى المدراء الأفذاذ.

وإليكم وبدون”طيلة سيرة” نموذجاً لمثل تلك القيادات الفذة التي تؤمن بأن العمل استدامة واستمرار ولا يتوقف عند أحد..، فعلى سبيل المثال ها هو “جاك ولش” المدير التنفيذي في “جنرال إليكتريك” الذي بقي ما يقارب عقداً من الزمن يبحث عمن سيكون خليفته، يقول وقبل موعد تقاعده بتسع سنوات: “من الآن فصاعدا، صار اختيار خليفتي أهم قرار سأتخذه، وهذا يشغل جانباً كبيراً من تفكيري ولا يكاد يمر يوم دون أن أفكر في هذا الأمر”.

فهل لدينا مثل تلك القيادات الإدارية والمؤسساتية، أو على الأقل هذا الفكر الإداري..، نسأل في ضوء تضخم “الأنا ” الإدارية والقيادية..!.؟

قسيم دحدل – البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]