ما بين الفقر و قهر الدولار .. بدأ الإعصار

 

إن ما أثارته الليرة و إرتفاع قيمتها من عواصف مختلفة ذات هبات ساخنة يستحق التوقف بتأنٍ ، و التعمق جذرياً لما سبق هذه التحولات كضرورة لمعرفة بوصلة ما يجب أن يكون ، من سياسات لتحقيق أكثر الفوائد لسورية كاقتصاد و كمواطنين عجز الصبر عما صبروه ، وفق انتظار سابق لما مر بالأيام الماضية ، بأمل تحسن مستوى معيشتهم بتوقع انخفاض موازي للأسعار مسايرة لما حصل للدولار كشبيه أو تماهٍ مع ما حصل سابقاً ، عندما كان كل ارتفاع بقيمة الدولار يصاحب برفع تلقائي للأسعار دون رحمة ولا احترام لوضع البلد وأزمته العميقة  ، و وضع أغلب المواطنين من فقر وعوز نتيجة انعكاسات الحرب على الاقتصاد و على مدخرات المواطنين و على الحجر و الشجر و البشر.

فأكثر من ستة ملايين نازح تركوا بيوتهم و ممتلكاتهم ليسعوا لتأمين مسكن ملائم و قوت يقيهم الجوع ولكنهم صدموا بأسعار نيرانية لم تراع أي اعتبار و كانت المؤسسات مشتتة الجهود ما بين مواجهة الإرهاب و تحرير الأراضي وما نهب من قدرات وبين تحصين الداخل عبر فرض القانون لدواعش تريد الفوضى و التأزيم بغية الاغتناء أو تقويض البلد اقتصادياً وكانت المضاربات و قصور السياسات النقدية طريق لإضعاف الليرة و تزويد التضخم ليصبح من رفض الدولرة و الاحتفاظ بنقده السوري ضحية لتضخم سرق أكثر من 90 % من قوة ماليته الشرائية و رغماً مما حققته المؤسسة العسكرية من انتصارات وما طرأ على الواقع الاقتصادي من تحسن لم يواكب بتحسن سعر الصرف وكانت القفزة القوية بطريقة الصدمة من 420 لحدود 620 ليرة لدولار محطة إنذار أضطر الميالة الحاكم السابق لاتهام البنك الدولي وأدواته ، و ليقوم بتثبيت سعر الصرف على 470 ليرة و ليستبدل الميالة بحاكم جديد وسع حدود التعامل بالدولار للمصارف الخاصة فباركنا ولكنه عاجلاً ما ثبته على 540 ليرة ، متجاوزاً سابقه بحوالي 70 ليرة .

و ظلت تصريحاته تفتخر بهكذا تثبيت على الرغم مما حصل من إنجازات عسكرية و سياسية لم يأخذها الحاكم بحسبانه مثبتاً بذلك أن سعر الدولار لا يتعلق لا بالظروف و لا بزيادة العرض عبر التحويلات التي وصلت لحدود 1.2 مليار دولار وحوالي 300مليون خلال العيد , و بذلك لم يكن واضحاً من سياسته النقدية إلا تثبيته بمعزل عن الظروف , وفي تلك الفترات من حوالي السنة كان رهاننا على تحسن سعر الصرف مترافقاً مع تحسن الأسعار وخاصة حوامل الطاقة كحل لمشكلة أغلب السوريين في ظل سوء الوضع المعاشي عبر التضخم الذي وصل لحدود 1200 % مما وضع أغلب السكان في دائرة الفقر هؤلاء السكان الذين هم من أعمدة صمود البلد والحاضن للمؤسسة العسكرية الحامية للبلد , و في الأيام القليلة الماضية حصل جزء مما طمحنا إليه و بأسلوب شبيه لما حصل سابقاً ولكن بشكل معكوس هبوط متسارع مفاجىء لقيمة الدولار و اضطرار حاكم مصرف سورية و نقيب الصاغة و غيرهم لتصاريح مبهمة هادفة لطمأنة الناس و منعهم من بيع مدخراتهم الدولارية لمنع هبوطه في ظل حزن على عواطف من جمعوه وترافق ذلك مع اجتماع وزاري لكل النقابات و غرف التجارة و غيرها لسماع معاناتهم ومن هذا الهبوط الفجائي و انعكاسه على الإنتاج وهو لم نجده عندما حصل العكس و رفعت الأسعار من التجار و احتكرت المواد كما هذه المرة و كذلك تصريحات وزارة حماية المستهلك و التي ثبت ما كنا نقوله عنها أن المواطن بحاجة لمن يحميهم منها لأنها ظاهرة ديكورية فقط و تغاضيها عن الأسعار وعن تخفيضها مثلما حصل سابقاً في تقصير عن مراقبتها عندما ضوعفت عشرات المرات , المهم أن هذا القطع لما يحصل للدولار ومحاولة تثبيته عند حدود 450 ليرة عبارة عن مآساة مستقبلية وتعيدنا للمربع الأول لأننا كنا سابقاً ضد زيادة الرواتب و الأجور لعدم القدرة على السيطرة على الأسعار و بالتالي التضخم   المتواتر ليعود مجلس الشعب في تصرف كذلك مفاجىء ليطالب بزيادة الأجور في وقت كان يجب توجيه أسهمه باتجاه الدولار و الضغط على المصرف المركزي ووزارة حماية المستهلك و الاقتصاد لعمل تكاملي يؤدي لتحسن تلقائي مفروض للأسعار وهو ما كان الطموح و اليوم تفاجئنا بأحد أهم تجار سورية يبارك وصول الدولار لحدود300 ليرة مع إعادة النظر بأسعار الوقود وهو ما يتقاطع مع رؤيتنا و يجعل السوق و الجهود الحكومية تسيطر على كافة التغيرات وخاصة المصرف المركزي يملك كل أدوات السيطرة و فرض أي سعر صرف وما يتحجج به من نوايا مضاربات فاشلة أمام أدواته ,إن هذه الهبات قد جعلت هناك فريقين فريق قلة ممن جمعوا الدولار على حساب الليرة وبعض أتباعه ومعلميهم الإقليمين يقاتلوا من أجل السيطرة على السوق و تثبيته على سعر حوالي 450 ليرة للحفاظ على ما أحتفظوا به و التحكم بأغلب الموارد الاقتصادية و تركيزها بأيديهم ووضعوا بالوجه بعض المحللين و المراكز الدراسية التابعة لتضليل المواطنين و من يحمون الوطن والمواطن وقد تماهت تصريحات الحاكم و المراكز الاقتصادية والمؤسسات ذات الصلة معهم ولكن لم يستطيعوا فرض رؤيتهم و السيطرة حتى الآن و فريق آخر همه تحصين الداخل و تحسين معيشة المواطنين و إعادة إطلاق الحياة الاقتصادية بشكل يعيد الألق للإقتصاد و للمواطنين السوريين الحاضن الأساسي للوطن و للمؤسسة العسكرية حامية العرض و الشرف  وخاصة إن انتصار الفريق الأول سيدخل البلد اقتصادياً في نفق مجهول و يزيد قطار الجوع و الفقر و يقطع الطريق على الآمال المعقودة والتي جاءت الصدمة لتمهد لنجاحها, إن لقرار المركزي في التعامل مع التحويلات دور بارز في تحويلها للسوق الموازية  فيما حصل سواءاً بقصد أو من دون قصد مع تلازمها مع زيادة الطلب على الليرة كأكثر أمانناً و تلبية للاحتياجات الداخلية للمصاريف الجارية مع قلة الطلب على الدولار بسبب سياسات الاستيراد وكذلك الأوضاع الإقليمية و الظروف الأمنية التي شجعت على الاستثمار و على زيادة التحويلات و كذلك بعض المناطق والتي كانت تتعاطى بعملات غير سورية و الاضطرار لبيعها وسوررتها   مع وجود تحسن حقيقي وملحوظ بالانتاج المحلي كما يضاف إلى ذلك الدعم الذي تلقته الليرة السورية من تحسن المناخ السياسي، هذا إلى جانب استمرار تسجيل الدولار الأمريكي مستويات منخفضة جديدة مقابل العملات العالمية الرئيسية , المهم إن المعركة النقدية و الاقتصادية لا تقل شراسة عن المعارك العسكرية و خصوصاً محاولات سابقة لتقويض الاقتصاد و خلق الظروف لجعل سورية دولة فاشلة وإن ما حصل للدولار كان نتيجة طبيعة لتعافي الاقتصاد وزيادة العرض منه و قلة الطلب عليه و زيادة الطلب على الليرة , وهنا نذكر ما زلنا بظروف استثنائية بحاجة لمعالجات معينة وقد يكون أسلوب الصدمة ضروري للوصول لوضع معين يبنى عليه وهو ما نحن عليه وهنا نبوح لنكون ضد بعض المحللين الذين جعلوا الموضوع مضاربات الابتزاز المواطنين متناسين أن أغلب المواطنين لا يملكوا سوري حتى يجمعوا دولار وهذا محاولة مبطنة للدفاع عن مستأجريهم أو موظفيهم القلة مقابل أغلب الشعب والمؤسسات التي يجب أن تكافىء عما قدمته وضحت به , وقد يكون هناك بعض الانعكاسات و لكنها قابلة للسيطرة و الإصلاح في ظل توفر الاحتياطي وتعافي الدورة الاقتصادية  عكس ما حصل سابقاً وأفقر المواطنين إن الموضوع لا يقتصر على المصرف المركزي وإنما تعاون جماعي لفرض قطار هبوط الأسعار و ترميم المعروض من السلع وعن طريق التعددية و التدخل الحكومي لفرض الأسعار الجديدة و كذلك أسعار الطاقة المنعكسة على تكلفة الإنتاج و النقل بانتظار القرار الحسم الذي يجب أن يكون للأغلبية التي حمت الليرة على أقلية ضاربت و جمعت ولم يهمها سوى مصالحها ولو ذهب الوطن , ومع يقيني أن الليرة ستنتصر و ينتصر معها الوضع المعاشي للأغلبية ولن ينجح معاكسي تيار الوطن من فرض رؤيتهم في ظل تعافي المؤسسات كثرة العقلاء الوطنيين, وإن هذا الموضوع أكبر من مسؤولية حاكم مصرف سورية المركزي لأن ما سنجم عنه ركيزة للمستقبل السوري.

الدكتور سنان علي ديب / جمعية العلوم الاقتصادية /

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]