الفوضى وحكاية “دود الخلّ” السوري…؟!!

 

ناظم عيد

لم نطلع على بحث أو دراسة تحسم الجدل بشأن ظاهرتي الفوضى والالتزام في فطرتنا نحن البشر، كحالتين فرديّتين ومجتمعيّتين، إلّا أن الفرضيّة الموضوعيّة التي لا بد من قبولها ترجّح كفّة النزوع العفوي نحو العشوائيّة والانعتاق، وما يبدو خلافاً لذلك هو عبارة عن أدبيّات وضوابط وقوانين وضعيّة، أملت حالة الالتزام والتنظيم، غير الطوعية، بوقائع نراها متفاوتة في هذا العالم وفق هويّات الشعوب والدول، وثمة أمثلة حاسمة في دول صارمة بتقاليدها الرسمية والشعبية، تؤكد أن التنظيم ليس حالة جينيّة بل اكتساب وتعلّم وتلقين مع شدّة في التطبيق.

لذا علينا ألّا نخطئ الظن ونتوهّم أن الدول التي قضت على ظاهرة التهرب الضريبي مثلاً، فعلت ذلك من خلال استنهاض القيم الوطنية لدى شعوبها، أو استرضاء المتمولين الكبار في اقتصاداتها، بل وصلت إلى ما وصلت إليه بقوانين حادّة قاسية لا تعرف الاستثناء، ومنها السجن للمتهرّب من دفع الضرائب، وهي عقوبة تخلو منها تشريعاتنا تماماً.

والأخرى التي احتفلت بإزالة آخر إشارة مرور من شوارع مدنها، لم تعوّل على ضمائر و”كرامات”مواطنيها، و إنما على ثقافة التزام استغرقت عقوداً لإرسائها.

من هنا بات علينا الاقتناع بأنه لم يعد من الحكمة التعويل على الوجدانيات والعواطف ولا حتى الضمائر في إدارة المؤسسات بمفهومها الواسع والشامل، بل ثمة معايير على الأغلب هي نظم وتشريعات، لا بد من توخّي إرسائها وتطبيقها بحزم، وهذه ليست خياراً ترفيهياً، بل لزام لا يقبل الاختراق لأنه يتصل مباشرة بمفهوم “هيبة الدولة” وهذه الأخيرة هي كلمة السر المفتاحية إلى مضمار القوة والاستمرار.

وكم نبدو اليوم بحاجة إلى إعادة ترتيب مفردات هذا الدور و”الخاصيّة” الاستراتيجية للدولة، بعد المحنة التي وضعتنا فيها الحرب الإرهابية القذرة على بلدنا، وامتدادات “الفوضى الأميركية الخلّاقة” التي أملت على عصابات، بعضها من هويات وطنية، التطاول على ملكيات الدولة ومقدراتها و قوانينها، أي هيبتها و سيادتها “المقدّسة ” في المحصلة.

فالحرب بالعموم تنتج حالة فوضى، لكن كيف إذا كانت الحالة هي الجزء الأهم في قوام بنك الأهداف ومساعي غرف العمليات الموجهة ضد سوريّة، على مر سبع سنوات من محاولات الاستهداف القذر الذي بررت غاياته وسائل بلغت حدّاً غير مسبوق من الفظاعة والشناعة ؟؟

ولا نظن مثلاً أن مشهد رجل المرور فاقد الصلاحية والحضور في الشارع، يرسي أي نوع من الطمأنينة والارتياح في داخل أي عاقل، دون الدخول في اعتبارات الوطنيّة و الانتماء والحرص.

والمثال ينسحب تماماً على قطاعات كثيرة في مؤسسات الدولة، التي تصطدم في يومياتها الصعبة بنتاج حالة الفوضى الكامنة أساساً في دواخل الكثيرين، فأخرجتها مجمل الظروف التي نختصرها حالياً بمصطلح “الأزمة”، لذا نعتقد أنه آن الأوان معها لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، في الشارع وفي الأحياء والمؤسسات وحتى في الأرياف البعيدة، لأن انتصارات جيشنا الباسل وتطهير الأرض من الإرهاب، لا تكتمل إلّا بالانتصار على نزعة التمرد على الذات أولاً ثم القوانين ثانياً، فإن كانت الضرورات قد أباحت المحظورات أحياناً في ظروف استثنائية كان علينا أن نتفهّمها، لا يجوز أن تبقى مثل هذه المحظورات، وهي كثيرة حالياً، منتعشة في ظروف الاستقرار التي عدنا لننعم بها في معظم مدننا وأريافنا.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]