الموازنة السورية و الرؤى المستقبلية

الدكتور سنان علي ديب /رئيس فرع اللاذقية لجمعية العلوم الاقتصادية/.

إن القراءة العقلانية لأي موازنة تنطلق من معايير تتعلق بآلية توزيع المبالغ بين الجاري و الإستثماري ومقارنتها بموازنة العام السابق و كيفية توزيع المبالغ الموضوعة في إطار الجاري و الاستثماري و كذلك حجم الموازنة من الناتج المحلي الإجمالي و بالمحصلة فالموازنة العامة للدولة هي مخالفة للميزانية التي تعني أعمال نفذت وطبقت و جدولتها رقمياً. فالموازنة هي رؤية الحكومة للسنة القادمة و بالتالي هي عبارة عن توقع لما يمكن تحصيله من رسوم و ضرائب و فوائض مضافاً له الإيرادات الحكومية المختلفة و كيفية توزيع هذه الايرادات بما يتناسب مع ما تسعى الحكومة له سواءاً من حيث زيادة الاستثمارات أو تحسين المستوى المعاشي و الخدمي و بالتالي هناك شقين للموازنة جاري و استثماري و يجب ملاحظة أن الموازنة تتعلق فقط بالجانب الحكومي و يبقى الجانب الآخر للاستثمار الخاص بمختلف أشكاله و بالتالي القراءة الحقيقية الواقعية هي قراءة رقمية مقارنة وفق زيادة الأرقام مقارنة بسعر الصرف اتجاه عملة وعندنا سعر صرف الدولار و كذلك وفق القوة الشرائية وسط المستوى العام للأسعار و هنا يتدخل الموضوع النفسي لتقييم الأسعار في السنة التالية من مجهر التفاؤل أو التشاؤم وفق سيرورة تاريخية للسنوات السابقة وسط ظروفها و للسنة القادمة , وقد قدرت الموازنة الحالية  بحوالي 3 آلاف مليار ليرة سورية أي حوالي 6 مليار دولار بسعر صرف حوالي 500 ليرة سورية و التالي هي تزيد عن الموازنة السابقة التي قدر بها سعر الدولار بـ515 ليرة بحوالي 15 % والتي كانت تقدر بحوالي 5.6 مليار دولار  و قابلة للزيادة أكثر في ظل أفق مرئية لتحسن سعر الصرف و بالتالي الموازنة ليست إنكماشية علماً أن الاقتصاد يسمى منكمش بعد ستة أشهر من النمو السلبي و الموازنة تعد في حال تخفيض حجمها سواءاً بالمبلغ العام وإن أردنا المقارنة بمستوى سعر الصرف .

إن الموازنة الحالية جاءت في وقت الإحاطة بجزء من مفاعيل الأزمة الاقتصادية و زيادة الطاقات الإنتاجية بتحرير مدن وأراضي ستضاعف للطاقات الإنتاجية , وقد لوحظ تخصيص أموال كبيرة لإعادة الانطلاقة الإنتاجية سواء من حيث ترميم ما سبق أو إضافة طاقات جديدة سواء في الزراعة أو الصناعة أو الخدمات  السياحية , فقد استحوذت وزارة الصناعة على القسم الأكبر من الموازنة بحيث ألمح رئيس الوزراء على أن موازنة الصناعة مفتوحة لتمويل معامل أو ترميم أو استكمال أخرى ولو وصل لمبلغ 300 مليار ليرة سورية وهي بالمحصلة يمكن عدها في حال الالتزام بها و تنفيذها مبالغ استثمارية لمشاريع واقفة عن الإنتاج و بالتالي سينجم عنها موارد إضافية وسلع تخفف من الحاجة للاستيراد و تخفف من البطالة المقنعة للقطاع العام , بينما بلغت الاعتمادات لوزارة الزراعة 17.8 مليار ليرة لدعم مؤسسات المباقر و الدواجن و البحث العلمي و إكثار البذار وما ستوفر بمليارات على الحكومة مع ملاحظة أن قطاع الزراعة بدعم و تدخل حكومي إضافي لتوفير مستلزمات الإنتاج من أسمدة و بذار وأدوية بالتوقيت و الأسعار المناسبة و كذلك كانت حصة قطاع الكهرباء 45 مليار لتأمين الطاقة اللازمة للمشاريع الإنتاجية و توفير الكهرباء بشكل أكبر وما ينجم عنه من زيادة ساعات الإنتاج بمختلف أنواعه و بالتالي يزيد الطاقات الإنتاجية وكذلك قطاع النقل و التموين خصصت الاعتمادات  للاستثمار الأكبر و الأكثر فاعلية لأسطول النقل البري و البحري و للصوامع   وقد  زادت المبالغ المخصصة للدعم  الاجتماعي  بحوالي 400 مليار ليرة لتصبح 750 مليار و هو زيادة جيدة مع ضرورة العلم بالحاجة الكبيرة لهكذا دعم لأغلب الشعب السوري  سواء للنازحين أو للفقراء أو لمخرجات الأزمة المعقدة  في ظل الانعكاسات الاجتماعية للأزمة في ظل  تجهز الحكومة لعودة جزء كبير منهم  و كذلك الشهداء و ذويهم و الخدمات الصحية المتزايدة نتيجة الإعاقات المختلفة و الأمراض الناجمة عن الأزمة المعقدة  وكذلك ما تتكلم الحكومة عن دعم الخبز وما تتناقله عن دعم المحروقات و غيرها من الإعانات الاجتماعية وكان حجم الاعتمادات الاستثمارية حوالي 825 مليار ليرة سورية و هي أخذت بعين الاعتبار دور القطاع الخاص بإعادة الإعمار و الشركات الأخرى مع مخصصات وزارة الصناعة لإصلاح ما تأثر بالحرب ,و قد خصص حوالي 4.5 مليار لذوي الشهداء , مع ملاحظة قلة المخصصات للتعليم و الصحة وما يدل على استمرارية سحب الحكومة يدها من الكثير من القطاعات و الاعتماد على القطاع الخاص و الذي لم يصل لعقلية المنتج و الخدمة الجيدة و السعر المناسب أو المنافسة الحقيقية بالمنتج وما زال الكثير منه يعتمد على تقديم الخدمة له بتقليم أظافر القطاع العام أو الخدمة العامة  و قد كان لكبر حجم الاعتمادات الجارية ضرورة في ظل مفاعيل وتأثيرات الأزمة و تبقى هذه خطط يلزمها الكثير من العمل لجعلها أمر واقع يحقق ما وضع له وتبقى هذه الأعمال التي تعلن الدولة عن القيام بها و يبقى ما ينفذ من قبل القطاع الخاص و الذي يتوقع حسب الحالة الأمنية و ما نراه لنهايات الأزمة المعقدة أنه في تزايد لأخذ الدور المناط به في مختلف القطاعات ومنها ما يتعلق بإعادة الإعمار و بالتالي النظرة التفاؤلية لم تنطلق من خيال وإنما من وقائع و وصف الموازنة بأنها ليست انكماشية كان نتيجة دراسة الواقع المعاش و مؤشراته خلال الشهرين السابقين و بالتالي للانطلاقة الصحيحة بعد الاحتواء يجب توسيع مشاركة القطاع الخاص وفق معايير وطنية لذا يجب أن تترافق الموازنة ببرنامج حكومي تنموي مدعم بقرارات تحرض الرساميل الخاصة المكتنزة و الأموال التي هاجرت و التي من دونها ستكون الانطلاقة الاقتصادية بطيئة و كذلك التركيز على الإدارة النقدية لسعر الصرف بشكل ينعكس على مستوى المعاشي للمواطنين مع زيادة مخصصات وزارة التموين وحماية المستهلك للتدخل الايجابي وخاصة لم تلحظ الموازنة رصد كاف لزيادة الرواتب باستثناء الترفيعة الدورية للعاملين المقدرة بـ9 % , بشكل عام الموازنة تساير حالة الأمان التي سادت و تطلق بواعث للانطلاقة الاقتصادية بأذرع ونوايا الحكومة وفق رؤية وبرنامج تنموي داعية للتفاؤل و نبقى بانتظار التطبيق الواقعي لما خطط له لأن التطبيق هو الأساس لمخططات ورؤى مستقبلية , وإن عدم رصد الأموال لأي زيادة يضع الحكومة أمام خيار تحسين معيشة المواطن عبر ضبط الأسعار و إعادتها لما يحسن معيشة المواطنيين وسط متابعة سعر الصرف الذي عقد متابعي سياسات المركزي اتجاهه و التي تتمثل بتثبيته أعلى من سعر السوق البديل أو السوق السوداء وسط تعجب الأغلبية عن هكذا سلوك يحابي القلة على حساب اغلب الشعب ,إن تحسين معيشة المواطنين ضرورة حتمية مكافأة للدماء و لسد الفجوة الكبيرة بين مستلزمات المعيشة ومتوسط الأجور و التي بلغت حوالي 250 ألأف ليرة سورية بين وسطي أجور 26 ألف ليرة سورية ومتوسط مصروف شهري لأسرة من 5  أشخاص حوالي 275ألف ليرة سورية   و تفعيل كل الطاقات الإنتاجية سيكون نتيجته الوصول لهكذا مسار وسط استمرارية التحكم بما يلزم و ضرورة من الاستيراد ووسط تشجيع المشاريع الصغيرة و المتوسطة , والنظرة التفاؤلية ستتحقق في ظل وجود النية و الارادة و المتابعة و المحاسبة .

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]