وصفة لإنعاش الليرة أمام الدولار …خبراء نقديون يدلون بدلوهم بعد طول صمت..

 

يتصدر الملف النقدي قائمة التحديات المتوجب على الحكومة التعاطي معها بمنتهى الحذر نظراً لحساسية هذا الموضوع خاصة من جهة تأثير أي إجراء يتخذ في هذا السياق على سعر الصرف، وما قد ينجم عنه من تداعيات تضخمية بالدرجة الأولى. إذاً..على الحكومة أن تحسم أمرها وتعيد النظر بسياستها النقدية والمالية الحالية، وتحديداً في مسألتي الاستدانة من المصرف المركزي والإصدار النقدي غير المغطى برصيد احتياطي أو إنتاجي، غير المكلفان عملياً، مقارنة بخيار طرح سندات الخزينة الذي ربما استبعدته لكونه مكلفاً من جهة ما يتطلبه من رفع سعر الفائدة إلى مستويات تشجيعية حتى يلقى الإقبال المطلوب.

باختصار شديد.. فالحكومة اليوم أمام خيارين إما الاستمرار بتمويل الموازنة بالعجز وبالتالي إشكالية تضخمية بدون تكلفة تتحملها الحكومة، ولكن تتكبدها شريحة محدودي الدخل المتعاملين مع السوق بشكل يومي، أو اللجوء إلى طرح سندات خزينة وبالتالي تكلفة عالية مقابل معالجة التضخم، علماً أن الأخيرة “تؤدي إلى انخفاض سعر القطع الأجنبي ورفع قيمة الليرة، لأنها تخفض الطلب على القطع الأجنبي في السوق وفقاً لتأكيدات الخبير الاقتصادي أكرم حوراني. ففي ظروف سورية الحالية، والتطلع لإعادة الإعمار وتمويل هذا الإعمار، وفيما إذا كنا نهدف إلى تخفيض التضخم أو الحد من الارتفاع المتتالي للمستوى العام للأسعار، فإن هذه الوسيلة التمويلية –حسب حوراني- تمتص جزء من الكتلة النقدية الموجودة، وبالتالي كلما تراجع عرض النقد كلما انعكس ذلك انخفاضاً على الطلب الكلي ومن خلال ذلك يمكن الحد من ارتفاع الأسعار. مبيناً أنه حتى لا يرتفع التضخم يجب أن تكون الزيادة السنوية في العرض النقدي معادلة للزيادة في الناتج، مقسومة على سرعة دوران النقود، فأي طرح نقدي أكبر يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

توافق

واشترط حوراني نجاح عملية تمويل الموازنة من خلال سندات وأذونات الخزينة، أن تكون الفائدة موجبة، أي أن تكون أكبر من الزيادة السنوية في المستوى العام للأسعار، فإذا افترضنا وسيطاً أن هذه الزيادة بحدها الأدنى بعد أن استقر الوضع 10% فالفائدة المجزية يجب أن تكون أكبر من 10% يعني 15%. ويتوافق الخبير النقدي الدكتور علي كنعان مع زميله حوراني، إذ بين أنه ووفقاً لقانون النظرية النقدية الموغل في القدم فإن “العلاقة عكسية بين كمية النقود وقيمتها”، فإذا انخفضت كمية النقود ارتفعت قيمتها، وإذا ازدادت كمية النقود انخفضت قيمتها. ما يعني أن طرح السندات يفرض نفسه كحل تكتيكي وإستراتيجي لتخفيف معدل التضخم، عبر سحب السيولة من السوق، ليزداد الطلب على الليرة السورية، ويرتفع سعر صرفها مقابل العملات الأجنبية، أي “أن تعامل الليرة كسلعة”.

استسهال

ثمة استغراب يثار في أوساط المتابعين حول استبعاد خيار طرح سندات الخزينة خلال سنوات الأزمة، رغم تأكيداتهم على أنها الطريقة الأفضل لترميم العجز، وعزا كنعان هذا الأمر إلى استسهال الحكومة الاستدانة من البنك المركزي تفادياً لما ستتكبده من تكاليف في حال طرحها لسندات الخزينة، لكن هذا الاستسهال رفع الدين العام الداخلي إلى 4000 مليار بعد أن كان أقل من 200 مليار قبل الأزمة، وكان حجم الدين الخارجي في حدوده الدنيا. في حين يرى حوراني -إضافة إلى هذا السبب- أن الإقبال على شراء السندات عادة ما يكون غير كبير في ظروف الاضطراب السياسي والأمني نظراً لمخاطره العالية، ولكن بما أن الأمور بدأت تتجه نحو الاستقرار فيمكن أن ينتفي هذا العامل، ومع الاستقرار العام للأسعار يمكن أن تنخفض الفائدة المقبولة على هذه السندات وبالتالي يمكن أن تكون وسيلة تمويلية ناجحة.

تردد

ليعود ويوضح كنعان أن الحكومة السورية لم تحاول طرح سندات الخزينة ولجأت إلى البنك المركزي واعتبرتها وسيلة تمويل رخيصة، ولجأت أيضاً إلى إصدار نقدي رخيص القيمة لا يرتب عليها أية نفقات، أي تطبع أوراق نقدية وتطرحها في السوق بدون تغطية، مشيراً إلى هذا الأمر مقبول في سنوات الرخاء نظراً لوجود سلعة مقابل هذا الإصدار النقدي، ويكون الاقتصاد بحالة رواج، ولا يؤثر هذا الإصدار كثيراً على قيمة العملة، ولكن في سنوات الحروب يؤدي مباشرة إلى انخفاض العملة. وأضاف كنعان كي تستطيع الحكومة طرح سندات دين عام وتسويقها في مثل هذه الظروف عليها أن تدفع سعر فائدة مرتفع حتى تجذب المدخرين، خاصة وأننا نمر بمرحلة زيادة كمية النقود في السوق بدون تغطية، مقدراً أن الحكومة قادرة على تسويق سندات بقيمة 500 – 1000 مليار، في حال دفعت سعر فائدة مشجع، وبسحب هذه المبالغ سترتفع قيمة الليرة السورية بنسبة لا تقل عن 7 – 8%.

محازير

ولنا أن نتصور انعكاس توظيف هذا المبلغ في قنوات الإنفاق العام، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه سيضخ على مدار العام وبشكل تدريجي وليس خلال يوم أو شهر، إذ يعتبر كنعان أن ذلك كفيل بتحسن الوضع المعيشي للمواطنين من خلال رفع الرواتب والأجور، الذي يساهم بتشجيع الاستهلاك وبالتالي زيادة الإنتاج، أي يصبح لدى الطبقة غير المدخرة وسائل دفع للشراء والاستهلاك تدفع المنتجين إلى زيادة إنتاجهم، وتشغيل العمالة، وبالتالي حدوث تحسن اقتصادي، وقد يزداد النمو بمعدل ربع أو نصف نقطة، لكنه إيجابي في ظل الأزمة. إلا أن تداعيات هذه العملية ستكون سلبية في حال الاعتماد المطلق على السلع المستوردة، لأن ذلك يعني خروج قطع أجنبي للخارج بغية تأمين هذه السلع، ففي حال عدم وجود سلع منتجة محلياً سيكون بالفعل لهذه العملية آثارها السلبية، مثلما يحصل في لبنان الذي يعتمد على الاستيراد بشكل كبير جداً، فالخزينة اللبنانية تطرح السندات بالدولار لتمويل مستورداتها الخارجية، علماً أنه يمكن للحكومة السورية –بحسب كنعان- طرح سندات خزينة بالدولار بآثار إيجابية لتمويل المستوردات الأساسية ومستلزمات الإنتاج فقط،، وترفع في الوقت ذاته من سعر صرف الليرة، لأنه عندما تجمع الحكومة السيولة بالدولار بأسعار فائدة مشجعة، تجذب بذلك المضاربين نحو السندات بدلاً من المضاربة في السوق السوداء، وتصبح الحكومة هي المسيطر، وبإمكانها أن تخفف التضخم، وأن تخفف المضاربات على القطع الأجنبي، وتدعم الإنتاج المحلي، أما فتح الاستيراد على مصراعيه بما فيها السلع الكمالية وتمويله بسندات بالدولار فهنا الكارثة.

لقد أظهرت آخر موازنة والبالغة 2660 مليار ليرة حجم النفقات المترتبة على الحكومة، وفي ظل انحسار موارد التمويل يستحيل جمع إيرادات تعادل الـ 2660،  فهي إن جمعت نصف المبلغ سيكون إنجازاً كبيراً، وبالتالي فإن الخيار الأمثل لتمويل النصف الآخر أو الجزء الأكبر منه هو طرح سندات الخزينة، مع الأخذ بعين الاعتبار إلى تجربة حكومة عطري بطرح سندات الخزينة في فترة الـ 2008 إلى 2010 والتي  كانت محدودة بـ5 مليارات، وبفائدة مطروحة أقل من 2% ما أدى إلى عزوف البنوك الخاصة عن الاكتتاب بهذه السندات واضطر المصرف التجاري للاكتتاب بها وفق تأكيد حوراني..!.

حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]