تفاصيل جردة حساب مؤلمة ..هنا تقرع أجراس الإنذار

 

يتفق الجميع على أن خط زراعتنا البياني في هبوط مستمر، ومن يدقق في أرقامه الإنتاجية يدرك هذه الحقيقة المرة، وهذا مصدر قلق، بل يجب أن يؤرق بال الحكومة لتبحث عن الأسباب لإيجاد الحلول، خاصة مع تراجع الغلة الزراعية، ويكفي أن نتذكر بأننا كنا يوماً نصدّر القمح لبعض الدول العربية، والآن نستورد ضعفي ما ننتجه..

كنا ننتج مليوناً ونصف المليون من الشوندر  لدرجة تربك معامل تصنيع المحصول، أما هذا العام، فإنتاجنا المتوقع 18 ألف طن.. كنا نصدّر أكثر من مليون رأس من ذكور أغنام العواس وجدايا الماعز الجبلي، وفي العام الماضي تم فتح باب التصدير، فلم يتم تصدير سوى بضعة آلاف.

لكن بالمقابل هناك من يقول: إن إنتاجنا الزراعي مازال بألف خير وصامداً رغم قسوة ما لحق بهذا القطاع الحيوي والكبير، وهجر الآلاف من المشتغلين فيه، وخروج مساحات هائلة من دائرة الإنتاج، وهنا نسأل  هل وفرنا لمزارعيها مقومات التمسك بالزراعة من خلال التسعيرة الجيدة وصولاً لإنتاج وفير، وماذا فعلنا بالثروة الحيوانية التي بدد المهربون فيها، وذبح القصابون بعضها؟ فجلّ ما نسمعه دائماً هو بأن مشروع الترقيم مازال مستمراً في محافظات اللاذقية والسويداء وحماة، وأن هذه الخطوة جاءت عبر تعاون مع القطاع الخاص من خلال تأمين واستيراد الحلاقات البلاستكية من نيوزيلندا، كما صرّح مدير المشروع قبل سنوات من الآن دون أن نلمس إيجاد بدائل لزراعات محاصيل علفية تخفف من وطأة شراء الأعلاف من التجار، بل ماذا فعلنا في تأهيل السدود والخزانات، مثل إقامة أربعة خزانات مائية في السفح الغربي من سهل الغاب، سعتها 42 مليون متر مكعب لحقن المياه الهاربة أمام أعيننا، ونبحث عنها بالقطارة صيفاً لإرواء المحاصيل، فلو توافرت المياه لما رأينا يوماً سهل الغاب بلا لون أخضر… والأسئلة تدور.. وتدور.

تحذير

اليابانيون كانوا أكثر دراية واطلاعاً وتصوراً وتقديراً بما قد تواجهه سورية في مطلع الألفية الثانية، حيث أظهرت دراسة أعدتها الوكالة الدولية اليابانية للتعاون الدولي بطلب من الحكومة السورية منتصف التسعينيات أن سورية بأمس الحاجة لإقامة مشاريع مائية جديدة واسعة في مجال أحواضها المائية، وشملت الدراسة التي استغرق إعدادها أكثر من خمس سنوات أحواض داخلية، مثل بردى والأعوج والعاصي والساحل وحلب والبادية بمساحة إجمالية قدرها 112 ألف كيلو متر مربع، أي ما يشكل 60 بالمئة من مساحة سورية.

وكانت الوكالة قد قدمت الدراسة، موضحة فيها الخطة الرئيسية لتطوير الأحواض المائية المذكورة حتى نهاية عام 2.15 بعد رصدها الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمستقبلية للسكان في هذه المناطق الواقعة الأحواض في مجالها ومدى تأثيرها الشديد بقلة وارداتها المائية، وسواء أكان لجهة مياه الشرب، أو سقاية المزروعات والاستعمالات الصناعية، وضرورة تطوير الموارد المائية السطحية والجوفية، ومما جاء في الدراسة أيضاً أن النمو السكاني المتسارع في المنطقة التي تناولها البحث أدى إلى زيادة وحدة استهلاك المياه من 138 ليتراً في اليوم إلى 159 ليتراً وبشكل مطرد، وركّز التقرير على ما قد تعاني منه سورية جراء العجز المائي الذي سيؤثر على مستقبلها الزراعي والإنتاجي.

أولويات مكررة

وللعلم في عام 1997 وصل عدد السدود لدينا 152 سداً من مختلف الأحجام والسعات بطاقة إجمالية تقدر بـ 18 ملياراً ونصف مليار متر مكعب ومن يومها لم تشأ أي حكومة بإقامة سد جديد فلو عملت الحكومات المتعاقبة بهذه الدراسة لكان يوجد لدينا العشرات بل المئات من الخزانات المائية والسدات التي يمكن الاستفادة منها عند الحاجة ولرفد الآبار الجوفية المحيطة بها.

وفي جولة رئيس الحكومة الأخيرة قبل أسبوعين من الآن لمحافظة حماة قال وزير الموارد المائية: لدينا دراسة لإقامة أربعة خزانات مائية في السفح الغربي من سهل الغاب سعتها 42 مليون متر مكعب وحال توافر الاعتمادات اللازمة سنباشر فيها .. وتعقيباً على ذلك نشير هنا إلى أن هذه الدراسات جاهزة منذ سنتين وربما أكثر، وقد تأخر التنفيذ جراء التعديلات المتكررة عليها من الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، فلماذا لا تكون هناك أولويات، فتوافر المصادر المائية نعتقد أهم بكثير من الحديث عن الصناعات وبخاصة تلك المتعلقة بالإنتاج الزراعي بشقيه..

تراجع واضح

كما طرحنا الأسئلة في البداية وإشارات التعجب والاستفهام نعود لنقدم الدلائل والقرائن على صحة ما ذهبنا بالقول إليه: لقد بلغ إنتاجنا من الشوندر في مجال محافظة حماة عام 2012 /578/ ألف طن أي ما يعادل 35 بالمائة من إجمالي إنتاج سورية في حين مقدار إنتاجها هذا العام 18 ألف طن، وللسنة الثالثة على التوالي يقدم العلف للثروة الحيوانية، وفي عام 2014 وصل إنتاج سهل الغاب من القمح إلى 200 ألف طن من مساحة قدرها 55 ألف هكتار، في حين يقدر الإنتاج لهذا العام والذي بدا حصاده أمس بـ 106 ألف طن فقط، لكن من مساحة قدرها 45 ألف هكتار.

المهندس غازي العزي المدير العام للهيئة العامة لتطوير الغاب يبرر هذا التراجع عبر حوار طويل معه إلى غياب التسعير المحفز للفلاحين والعاملين في القطاع الزراعي، وما لم تكن التسعيرة مشجعة ومحفزة فقد نشهد تراجعاً آخر وقد يكون محصول الشوندر هذا العام آخر المواسم رغم أنه من المحاصيل الاستراتيجية والاجتماعية..

 

هنا يتدخل في الحوار رئيس قسم الإحصاء في زراعة الغاب المهندس سمير ملحم فيقول: تكلفة إنتاج كيلو الشوندر 22 ليرة سورية في حين التسعيرة الرسمية 25 ليرة، وتسعير إنتاج كيلو واحد من القمح 123 ليرة سورية في حين إن تسعيرة الشراء هو 140 ليرة سورية، وتسعيرة إنتاج كيلو واحد من القطن هي 265 ليرة في حال كانت مروية من الآبار الارتوازية و224 ليرة في حال كانت مروية من أقنية الري، في الوقت نفسه تبلغ التسعيرة الرسمية حكومياً 300 ليرة، فالمزارعون لا يزرعون ليخسروا فتكاليف الحياة ومستلزمات الإنتاج أصبحت غالية جداً وهم يريدون التمسك بالقطاع الزراعي بشتى الوسائل، لكن يجب أن يكون هناك هامش ربح مغر ومجز..

 

الثروة الحيوانية

وكما هو الحال بالنسبة للشأن الزراعي، كذلك الحال بالنسبة لقطاع الثروة الحيوانية، في لغة الأرقام يقول آخر إحصاء رسمي قبل الأزمة كان لدينا 17 مليون رأس من الأغنام ومليون و600 ألف رأس من الأبقار.

وقد حاولنا التأكد من صحة ما هو متوافر لدينا من قبل مدير عام المؤسسة العامة للأعلاف المهندس مصعب العوض، فقال بأننا نقوم بتوزيع المادة العلفية بموجب إحصاء عام 2015، لكنه لا يذكر ولا يعرف الرقم، ووعدنا أن يعاود الاتصال بنا حال توفرها له من خلال اتصالاته، لكنه كعادته دائماً يتهرب، ولم يجب!.

وفي معرض جوابه، لماذا لم يتم توزيع المادة العلفية بموجب آخر الإحصائيات الحديثة العام الحالي قال العوض بأنها لاتزال لدى وزارة الزراعة، ولم ترسل لنا.

 

وفي كل الأحوال لا تشي الوقائع والمعطيات على الأرض بأننا نملك خمسين بالمئة من عدد الأغنام التي كانت موجودة قبل الأزمة، وإن وجدت إحصائياً فهي حيازات وهمية ليس إلا، كما أكد لنا المربي الكبير “أبو مشاري”، وليس خافياً على أحد ما لحق بالقطيع من تهريب منذ بداية الأزمة وحتى وقت قريب!.

 

لكن ارتفاع أسعار المادة العلفية لدى مؤسسة الأعلاف أكثر مما هو لدى الباعة دفعها قبل يومين إلى تخفيض سعر كل طن 2700 ليرة باعتبار أن مؤسسة الأعلاف كانت تغص بالمادة حسب مصدر مطلع طلب عدم ذكر اسمه في مؤسسة الأعلاف، إلا أن السؤال الأكثر إلحاحاً مؤداه بعد أكثر من سنتين وربما أكثر: ماذا قدم مشروع تطوير الثروة الحيوانية للمربين والقطيع سوى وضع الحلقات الملونة في آذان الأبقار حيناً، وتارة الانتقال للأغنام، هل زاد معدل إنتاجها من الحليب، أو زادت نسبة المواليد؟.

 

طبعاً ندرك جيداً مدى أهمية توافر البيانات والحالات الطارئة التي قد يستفاد منها عند الحاجة، لكن هذه الخطوة ليست أولوية أبداً من وجهة نظرنا، وإنما من وجهة نظر المربين أيضاً لطالما لم تقدم لهم الفائدة المرجوة، فحتى الأبقار التي اكتتب عليها المربون منذ سنوات لم يفلح المصرف الزراعي في استيرادها، بل هناك من ذهب إلى القول بأن الحلابة اليدوية تؤدي إلى تدني إنتاج الحليب لدى القطيع رغم أن جدتي تدرك بأن إنتاجية الحليب للبقرة أو الأغنام تتوقف على السلالة، والصنف، والعليقة الحافظة، والحالة الصحية للقطيع، وكل شيء غير ذلك ليس صحيحاً.

 

الدعم الكافي

 

باختصار: ما يعاني منه قطاعنا الزراعي بشقيه النباتي والحيواني لم يعد خافياً على أحد، وهذا العام أقل سوءاً من العام القادم، وهذا الكلام ليس نظرة سوداوية، وإنما من خلال نظرة عملية وعلمية واستقصاء لآراء المزارعين، وبخاصة إذا ما طرأ أي ارتفاع على أسعار المازوت، فإن محصول القمح الاستراتيجي الأول لم يلق الدعم الكافي الذي يحفز ويشجع المزارعين لمضاعفة الإنتاج، واستغلال كل شبر يمكن زراعته لملء كل صوامعنا من الحبوب، ويكفي أن نذكر بأن إنتاجنا من القمح وصل منتصف التسعينيات إلى 5 ملايين طن، في حين بلغ العام الماضي، وفقاً لما تم تسويقه لمؤسستي البذار والحبوب، 438 ألف طن فقط، وهذا خير دليل على تراجع إنتاجنا الزراعي، وهو محزن حقاً، رغم أننا بلد زراعي بامتياز ونكنى به!.

 

محمد فرحة – البعث

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]