قانون “متمرّد” في المصيدة..

ناظم عيد
كان مفاجئاً إعلان الدكتور عبد الله الغربي عن تعديلات ستجري على قانون حماية المستهلك الشهير بالرقم 14، بعد أقل من عامين على صدوره، والمفاجأة ليست في التعديل، بل في السبب المباشر الذي أقنع الوزارة بتبنّي هذه الخطوة التي سنصفها بـ”الجريئة” لعلمنا بتفاصيل وملابسات من النوع بالغ الريبة، اعترت غرفاً متنحية شهدت فصول إعداده ثم ولادته التي كانت عسيرة جداً، لكن الحكومة السابقة اعتبرته إنجازاً تستحق عليه التصفيق والثناء؟!.
ونتساءل بكل جديّة عن السبب المباشر، تساؤل مستبشر بالتعديل لا يرغب بمواراة استهجانه للتأخير، فلطالما كان محبِطاً ذلك التجاهل المؤرق لخطورة بقاء هذا القانون نافذاً بهشاشته، وتفاصيله البغيضة التي تغيب عنها أية نصوص واضحة وصريحة من شأنها حماية المستهلك فعلاً، بالتالي الحماية كانت مباشرة لهواة التنافس بلعبة جمع المال في الحلقات التجارية كافة، من المستورد أو المنتج وصولاً إلى أصغر بائع مفرق.
قد تكون الأشهر المنصرمة على تجربة الوزير الغربي في تأبّط أعقد الملفات التي تواجه الحكومة، ضرورية ليقتنع بأن ثمة خللاً صارخاً في هذا القانون الذي “قلّم أظافر” الوزارة، ووضعها في مواجهة غير متكافئة مع التاجر، فأغلب الظن أن الرجل قد لمس ذلك شخصياً في جولاته الكثيرة على الأسواق التي لم ترسِ استدامة فيما خرج به من استدراكات وحلول، لأن انتصاراته للمستهلك لم ترتكز على نص قانوني، بل كانت من وحي مبادرة معززة بسطوة شخصية وصلاحيات “سيادية” لا يمتلكها المراقب التمويني ولا حتى مدير فرعي في محافظة!!.
الآن رغم استبشارنا خيراً، لا نملك إخفاء هواجسنا من الشكل والمضمون الذي ستنجح به الوزارة في إخراج تعديلاتها على “القانون المشكلة”، وهي هواجس موضوعية على طريقة “النفخ في اللبن”، لأن التجربة مع الحكومة السابقة كانت مريرة، وندرك أن ثمة أيدٍ تستعد لـ “اللغبصة” في صيغة القانون الجديد، وهنا تبدو الوزارة في مواجهة مباشرة مع تحدّي إنفاذ ما تراه مناسباً لأدائها في ضبط السوق، فما زال المواطن على قناعة راسخة بأن الحكومة إن أرادت فعلت، بالتالي لا وجود لمصطلح الضغط في الوعي الجمعي الشعبي، بل دوماً تذهب التأويلات باتجاه الفساد الذي بات أبرز الكلمات المفتاحية في مداولات الشارع.. وهنا تبدو وزارة حماية المستهلك أمام منعطف حادّ، لا بد أن تجيد التعامل معه بحذاقة، لأن المسألة ليست مجرد إجراء داخلي في ركنٍ تنفيذي هامشي، بل معالجة ستكون ذات انعكاس في صدى حكومي ، له ماله من حساسية على المستوى العام للبلاد.
ولا نعتقد أن وزارة حماية المستهلك -ليس بكوادرها المترهلة بل بوزيرها الدؤوب- ساهية عن ضرورة تضمين التعديل المنتظر، نصّاً واضحاً لا يقبل اللبس بخصوص التسعير المركزي للسلع، فنشرة الأسعار هي الحكم الفيصل بين التاجر والمستهلك، وهي الأساس الذي تعتد به الوزارة في توجّهها نحو مهامها في الحماية الحقيقية للمستهلك، واستعادة “هيبتها” في السوق، لأن القانون الحالي أحال موظف الرقابة إلى “موظف” لدى التاجر وليس موظف وزارة.
وكي لا نطيل التفصيل نلفت إلى أنه قد يكون من المفيد الاقتداء بتجربة ما قبل توطين “صرعة” تحرير الأسعار والامتثال لإملاءات خدعة العرض والطلب.. وبدون ذلك ننصح بأن نغض النظر جميعاً عن فكرة التعديل، لأن الإبقاء على الوضع الراهن، أفضل من زعم المحاولة وحصول الارتكاس الذي سينتج خيبة أمل كبرى، لسنا مستعدين لها في هذا الزمن الصعب.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]