سرّ رسوخ مجتمع الفساد … أدبيات متماسكة ونظم “راقية” ..؟!!

 

قسيم دحدل

يُحكى أن هناك مجموعة من القنافذ تُعاني البرد الشديد..، فاقتربت من بعضها وتلاصقت طمعاً في شيء من الدفء، لكن أشواكها المُدبَّبة آذتها، فابتعدت عن بعضها فأوجعها البرد القارص..!.

احتارت القنافذ ما بين ألم الشوك والتّلاصق، وعذاب البرد، ووجدت في النهاية أن الحل الأمثل هو التقارب المدروس بحيث يتحقّق الدفء والأمان مع أقل قدر من الألم ووخز الأشواك..!.

وبالنتيجة خلصت إلى الحل، فاقتربت من بعضها لكنها لم تقترب الاقتراب المؤلم..، وابتعدت لكنها لم تبتعد الابتعاد الذي يُحطم أمنها وراحتها..!.

هذه القصة ونحن نتمعن بها نجدها- وعذراً من الحيوانات المسالمة الضعيفة- خير توصيف للحالة التي تحكم الفاسدين في علاقاتهم بعضاً ببعض..!.

“قنافذ” الفساد ممن خبرنا تصرفاتهم وأساليب أعمالهم..، ربما قرأوا هذه القصة وأخذوا يطبقونها بكل دقة وبكثير من الحذر فيما بينهم، فتراهم متفقين ضمناً لكن شكلاً عكس ذلك..!.

يتقاربون فيما بينهم لكنهم لا يُظهرون ذلك، يُبقون خيوط فسادهم مشدودة بينهم إن أرخاه أحدهم شدها الآخر، فترى بعضهم يُشير لشيء من فساد نظرائه، لكنه لا يذكر رابط فسادهم المشترك..!.

بكل خبث يكشف لك معلومة عما يقوم به نظيره، حين تتضارب مصالح الطرفين في مرحلة ما، لكن نكتشف أن المعلومة المسربة غايتها إبعاد الشك عن الطرف المُسرب للمعلومة، وفي نفس الوقت لا تكون المعلومة التي يسربها هذا الطرف أو ذاك، بالقدر الذي يثبت فساد الآخر، لأن الغاية من التسريب إما الحفاظ على علاقة الفساد وفساد العلاقة، أو للتلويح بعصا الفضيحة “عليَّ وعلى أعدائي” في حال حاول أحدهم الغدر بشريكه، للاستفراد بغنيمة “مدسمة”..!.

عالم الأعمال بين “قنافذ” الفساد لا توازيه أية عوالم أعمال ومصالح..، إلى الحد الذي لا يتورع المتورطون فيه عن ابتزاز بعضهم البعض..!.

يسوقون لفساد بعضهم البعض، لأن بضاعة فسادهم نفسها، هذا ينتجها وذاك يروجها وآخر يبيعها بالجملة والمفرق..، وهناك من يغطي ويرعى، وبحسب كبر التغطية والرعاية يكون الثمن..!.

قنافذ الفساد يرددون الحكمة القائلة: لكي تدوم “صداقة الفساد” يجب أن نحافظ على مساحة ومسافة بيننا وبين من “نحبهم”..، تماماً كالخطوط المتوازية لا تلتقي حتّى لا تتقاطع فتتضارب فينكشفون، ولا يعود هناك فرصة للقاء..، هكذا هي حقيقة “الرفقة الصّالحة”..، خطوطٌ مُتوازية..، وعلى خلاف كل أية خطوط..!.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]