محظورات السوق وضرورات الحكومة..؟؟

 

 

ناظم عيد

ربما تجاهلت حكومتنا أو لم تكترث – كما سابقاتها – لـخصوصيات “مُرّة” مقيمة في قوام “سيكولوجيا المستهلك السوري”، التي تنتج كماً كبيراً من الخلل في آليات تعاطيه مع يومياته، ولا فرق هنا بين أيام الرخاء وزمن التوتر والأزمات من حيث المبدأ وليس التفاصيل.

فقد كان لافتاً أن تطغى “نجومية” مادة البطاطا وبعدها البندورة، على مجمل نتاج العمل التنفيذي في أشهر عشرة، كانت مكتظّة بالبرامج والحراك الساعي لحسم ملفات قديمة وأخرى جديدة، يتصل مؤدّاها في المحصّلة بحياة كافة شرائح مجتمعنا، بدءاً من المُترفين وصولاً إلى من يكاد زادهم أن يكون خبزاً وليس إلّا، وهذه هي المهمة الاستراتيجية لعمل الحكومة..أيُّ حكومة.

لكن في مثل هذه المناخات غير المتزنة، يبدو من الحكمة الاستفسار عن شكل ومضمون التحفيز الذي تولّد على شكل استجابة استدراكية لدى من يلزم لبلورة آلية حكومية للتعاطي مع مستهلك “صاحب حاجة”، هو ذاته من ارتمى يوماً – راضياً وشاكراً – في أحضان تاجر سيارات “اقتنص” منه قنصاً مئات آلاف الليرات كربحٍ فاحشٍ ولم يشتك، لكنه أدمن الانتفاض أمام سعر غير معتاد لكيلو خيار أو سلعة أخرى أساسية.. لكن رغم ذلك لا نملك إلا أن نصغي لصوت النداءات المحقّة، فمن شأن الجوع أن ينحدر بملكات العقل والصبر، ويوطّنها في بطن المرء بدلاً من عقله، وهذا طبيعي ولا يجوز استهجانه، لأن ملكة السمع والاستيعاب لا تكون على ما يرام مع الإحساس بالحاجة.

الواقع ليس إنصافاً من الحكومة لنفسها أن تسمح بأن يغطي صخب الضجيج حول ملف أسعار السلع الأساسية في أسواق المستهلك، على سلّة – يُفترض أنها ثمينة – من الإنجازات التي لم يعد من الممكن طمسها بسهولة، ونستغرب أن يكون ملف الأسعار مستعصياً إلى هذا الحد الذي يظهر الحكومة بصورة مرتبكة أمام تاجر أو “تحالف” تجار، أو في حالة استسلام لنزعات ربح وإثراء سريع تسيء للسلطة التنفيذية والمستهلك معاً..!!

قد تكون الحكومة محقّة في السعي لإرساء حل استراتيجي ومستدام لمشكلة ارتفاع الأسعار، تبدأ أولى مفرداته بآلية العرض والطلب على أساس أن تعزيز البنى الإنتاجية يوفّر معروضاً سلعياً يواكب الطلب ويزيد، بالتالي ستنخفض الأسعار، لكن الوقائع أثبتت أن هذه النظرة تبدو مثالية نوعاً ما، لأنها تحتاج إلى ضوابط غير متاحة في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة، بدليل أن فورات إنتاج السلع الزراعية في مواسمها، لم تتكفل بكبح الجماح الصاعد لأسعارها، والشواهد ماثلة لم ينفع معها مجرد التهديد والوعيد والجولات المجردة من قوة القانون.

نعلم أنه من الصعب التحكم تماماً بأسعار السلع المستوردة، فلهذه منازعاتها وحكايتها التي تطول، لكن السلع المنتجة محلياً يمكن أن تخضع لنشرة أسعار يومية، إن أرادت الحكومة ذلك حتى لو اقتضى الأمر تعديلات على قانون حماية المستهلك الحالي، الذي يبدو أجوفاً وغير كافٍ لضبط السوق.

ولعل الضرورة باتت ملحة للاستدراك لأن ضجيج المستهلك ليس متأتياً من قلّة المعروض، وليس من ارتفاع تكاليف يستوفيها المنتج – خصوصاً – الزراعي، بل من تلاعب الحلقات التجارية، بدءاً من تجار سوق الهال حتى باعة المفرق، الذين يفاخر بعضهم بوصول أرباحه اليومية إلى 50 ألف ليرة، ويتنافسون ليس بعدد الزبائن بل بحجم الغلّة المريبة..!!

لن نزيد لأن ما سنشرحه ليس بخافٍ على الحكومة ممثّلة بوزارة حماية المستهلك، التي تحتاج اليوم إلى قرار جريء، ينصف المنتج والمستهلك معاً، ويتيح للحكومة العمل بهدوء، والتفرّغ للاضطلاع ببرامجها التي نجزم أنها واعدة، لكن السوق والمستهلك أولوية متقدّمة والباقي يليها في الترتيب.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]