المنتج يبيع بـ 100 ليرة والمستهلك يشتري بـ 400…البطاطا “تعرّي” الضمائر الفاسدة وهشاشة الرقابة

 

تدل جميع المؤشرات الرقابية على تواطؤ التجار فيما بينهم تجاه عملية السيطرة على الأسعار، وبالتالي ابتزاز المواطنين، وذلك ضمن سياق جملة من الألاعيب  التي يحاولون من خلالها فرض قوانينهم على الحكومة، ويبدو الدليل صارخا لدى توجه المراقبون إلى أشهر سوق للخضراوات والمنتجات الزراعية “سوق الهال” الذي اعتدنا على سيطرته الكاملة للمنتجات الزراعية، حيث كشف هؤلاء المراقبون ما يقوم به تجار السوق من حجب هذا المنتجات عن المواطنين في بعض الأحيان لرفع سعرها، أو تهريبها إلى دول مجاورة للحصول على مبالغ أكبر وخاصة للمنتجات السورية التي تتميز بجودتها مقارنة بالمنتجات المثيلة لهذه البلد، وفي كل الأحوال علينا الابتعاد كثيرا عن المعايير الأخلاقية في تعاملات سوق الهال وبعض التجار لأنها مفقودة بنسبة كبيرة في واقعنا الحالي.

احتكار التجار

لقد تصدرت البطاطا مشهد الغلاء خلال هذه الفترة، والتي تعد من أبسط المنتجات الغذائية التي كان يمكن للمواطن السوري الحصول عليها، لكن عامل الأخلاق الذي ذكرناه سابقا لم يسمح ببقاء هذه القاعدة، لتتحول البطاطا إلى أغذية “ترفيهية”، وهنا يذكر معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال الدين شعيب أن أسعار سوق الهال لم تعد منطقية وليس لها أية مبررات، وخاصة في الفترة الأخيرة إذ أصبحت الأسعار مرتفعة جدا وخاصة البطاطا، مشيراً إلى أنه تم الكشف عن حالات تلاعب بعمليات البيع وتأمين حاجة السوق بها، فهناك العديد من التجار  حاولوا احتكارها لبيعها بأسعارهم الخاصة.

ويضيف شعيب أن الوزارة قامت بجولات رقابية تم الكشف من خلالها عن أن هناك عدد من تجار المفرق يشترون البطاطا من سوق الهال بسعر 325 ليرة سورية للكيلوغرام، لذلك يضطرون لبيعها للمستهلكين بمبلغ يتراوح بين 350 – 375 ل.س حتى يتمكنون من بيعها للمواطنين، مبيناً أنه في حال النظر نحو المصدر الحقيقي لإنتاج مادة البطاطا “المزارع”، يكتشف أن سعر الكيلو لا يتجاوز 100 ليرة سورية  للكيلو غرام، وبالتالي يمكن القول: سقوط معادلة نسب الأرباح التي اتخذتها الجهات المعنية لتحديد الأسعار.

تواضع العقوبات

في الوقت الذي لا يمكن فيه إنكار جهد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تجاه ضبط الأسعار، يتبين أن العامل الأخلاقي لا يمكن ضبطه بسهولة، وهنا يمكن أن نعتبر أن العقوبات الصارمة كفيلة بفرض العامل الأخلاقي على أسواقنا، ويبين  شعيب في هذا السياق أن أهم الإجراءات التي اتخذتها الوزارة هي مصادرة منتج البطاطا من أي تاجر يقوم ببيعها بسعر زائد، وعدم تقديم الفواتير المستحقة عليه كسعر الشراء والبيع بين حلقات الوساطة، بالإضافة إلى استمرار جولات الرقابة التموينية وإيجاد آلية تحدد طرق تداول الفواتير، والإعلان عن أسعار موادهم والتقيد بالنشرات الصادرة عن مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك، علما أن الوزارة تعمل على تنشيط حركة البيع والشراء، وتشجيع أصحاب الفعاليات الاقتصادية والتجارية.

تكاليف زراعية

ورغم الاتهامات التي وجهت إلى المؤسسة السورية للتجارة حول تواطؤها مع سوق الهال لرفع سعر البطاطا، إلا أن هناك بعض المعلومات التي كشفت أن المؤسسة تقوم بمراقبة الأسواق في جميع المناطق والأحياء من أجل تخفيض سعر البطاطا لتتناسب مع القدرة الشرائية للمستهلك، حيث تم بيع الكيلو في المؤسسة بنصف القيمة، وفي كل الأحوال لا يمكن أن يعفى تجار سوق الهال من التلاعب بالمنتجات الزراعية، ومحاولة احتكار الأسواق وفرض قوانينهم على أرض الواقع، وهنا تنتابنا الحيرة والاستهجان بما صرحه رئيس لجنة سوق الهال بدمشق رامز السمان حول ضرورة تصدير المنتجات الزراعية في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج  كالمازوت والأسمدة والبذور، ناهيكم عن ارتفاع أجور النقل ونقص اليد العاملة إضافة إلى العتالة والعمولة والضمانات، معتبراً أن عملية التصدير كفيلة باسترداد تكاليف هذه المنتجات وتحقيق أرباح للمنتجين.

حجج واهية

السمان بين أن الظلم الذي يطال المزارعين يتعلق بغلاء تكاليف الزراعة، وسقط من مفهومه كتاجر السعر المتدني الذي يدفعه للمزارعين مقابل منتجاتهم متجاهل هذه التكاليف، ويبدو أن السمان يلعب دور العبقري في وضع النظريات الاقتصادية فهو يتحدث عن التصدير والغلاء والقدرة الشرائية في حين هو الرابح الأكبر والأوحد في معادلاته، هذا ما يجعلنا نتوجه لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لفرض عقوبات لسلسلة من التجار الذين يتواطئون على المصلحة العامة وعلى المواطن وهنا لابد أن نذكر انه في تصريح سابق للسمان تحدث كمصلح اقتصادي عن إحياء الزراعة بترخيص الكهرباء وفرض رسوم محددة على هذه التراخيص وذلك لتشجيع الفلاح للعودة إلى حقله والبدء بالزراعة والتوسع بالزراعات الموجودة، وتوفير كميات من الإنتاج والمحاصيل الزراعية تشجع على خلق حركة تصدير تجلب الدولار إلى الأسواق المحلية، إذاً فإن هذه الآمال العريضة لسوق الهال تبحث عن الدولار وزيادة أرباحهم، بينما الفلاح السوري يزرع والسوق تشتعل بالغلاء وتبقى شلل سوق الهال نظيفة الأيدي.

حق المزارع

تظهر التصريحات السابقة أن هناك مشكلة اكبر من ارتفاع سعر البطاطا أو البندورة، لان واقع الأسواق السورية يؤكد أن ثمة جهد مسروق يأكله التجار ويدفعه المزارع والمستهلك وتتهم به الجهات الحكومية ويبقى بذلك تاجر سوق الهال الحمل الوديع الذي يعاني غلاء تكاليف الزراعة، لن نكون ظالمين إلا أن من يتلاعب بلقمة عيش المواطن وخاصة في هذه الظروف القاسية التي تعاني منها جميع شرائح المجتمع ليس بريء في كل الأحوال لأنه يتهرب من واجبه الأخلاقي والإنساني تجاه مجتمعه مقابل تحقيق مكاسب شخصية له فقط .

 ميادة حسن

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]