بطاقة بحث عن وزارة ضائعة..؟؟بقلم:ناظم عيد

لم يكن تداول التسريبات بشأن التعديل الحكومي المرتقب من الهواجس التقليدية للشارع، وعامة الناس يوماً، والمفترض ألّا يكون كذلك، فالمسألة ليست ذات طابع شعبي بتاتاً، رغم أهمية الرأي العام في سبر صدى أداء الحكومات، لكن الحديث في التفاصيل وتحديد أسماء الوزراء المرشّحين للمغادرة أو تولّي المهام الجديدة، يجب ألا يكون من ضمن سرديات هواة الاستعراض بمعرفة خفايا أروقة القرار في الدولة، وهؤلاء كُثر ويتكاثرون بشكلٍ مريب فعلاً.
إلّا أن السيرة بمجملها تحفّز طرح بعض الأفكار في ذات السياق لكن باتجاهٍ آخر، وتتعلّق بالهيكليات لا بالأشخاص لعلّها تكون جديرة بالرصد والدراسة والأخذ في الحسبان في أول تعديل أو تغيير قريب أو بعيد الأجل.
فعلى الأرجح سنجد من يوافقنا الرأي، بأن اختصاصات الحقائب الوزارية غير التقليدية، تنتج من استحقاقات مرحلية تتقدّم في ترتيبها على قائمة أولويات السلطة التنفيذية، وكان لنا في سورية تجارب متعددة لاستحداث وزارات “ظرفية” وألغيت مع زوال الحاجة والضرورة.
من هنا نعتقد أننا سنحتاج بعد فترة، قد لا تكون طويلة، إلى وزارة للإعمار لكن هذا مرتبط بالظرف العام السائد، لكن ما نحن بأمس الحاجة إليه ولا يقبل التأجيل هو إحداث وزارة جديدة تعنى بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ولن يكون ذلك ترفاً، بل ضرورة تؤكّدها حيثيات الظرف العصيب أولاً، ثم فحوى البيان الذي وضعته الحكومة الحالية كمقدّمة لانطلاقتها ثانياً، أما الاعتبار الثالث والأهم فهو أننا نواجه مشكلة في هيكلية الجهات صاحبة الاختصاص بالوصاية ورعاية هذا النوع من المشروعات، حتى لو كانت حالة التنازع الخفي قد تلاشت في العلاقة بين هذه الجهات، ونرجو أن يكون ذلك قد تحقق فعلاً.
لكن النتائج على الأرض ما زالت هزيلة، فقد كان لافتاً أن يكون ما وطّنته وزارة الزراعة في هذا المضمار، أفضل مما أفلحت به وزارة العمل التي كان حراكها إغاثياً أكثر مما هو استثماري، وأفضل بكثير مما فعلته وزارة الاقتصاد، الراعي المكلف مهمة تنمية هذا النوع من المشروعات الحيوية والفعّالة جداً على المسار الاقتصادي، وبالتالي الاجتماعي كتحصيل حاصل.
قد يكون لكل جهة مبرراتها “المقنعة” لتسويغ فشلها في إحداث نقلة ولو بسيطة في مهمة جزئية تشكّل نواة المهمة الكلية للحكومة، وفق بيانها، الذي نصّ “بإصرار” على إعادة تفعيل البنى الإنتاجية الحقيقية، وخصّ المشروعات الصغيرة ببندٍ وافٍ، وسنسلّم بموضوعية هذه المبرّرات، لكن نحن على يقين بأن ثمة حلاً استراتيجياً ما، من شأنه أن يقطع الطريق على كل إسقاط ممكن للذهنيات الذرائعية التي لم تخلُ منها بعض وزاراتنا في مختلف مفاصلها الإدارية، وتهدد بإبطال مفاعيل مساعي الحكومة والحؤول دون تظهيرها كنتاج واضح على الأرض، أي حل يُحرر حركة التوجّه الحكومي نحو إحداث إنجازات حقيقية في هذه الزاوية الحساسة والمؤثّرة، التي يُفترض أن تشغلها “مشروعات الفقراء”.
وزارة متخصصة بالمشروعات الصغيرة.. هي حل جذري لركام من الارتكاس المزمن في إخراج هذه المشروعات من طور الأقوال إلى طور الأفعال، جهة واحدة تتولّى مهمة الإشراف على كل ما يخص مشروعات “المستثمرين الصغار”، تجمع في جنباتها فريقاً من الاقتصاديين، لإعداد دراسات الجدوى المناطقية وفق الميزات النسبية وخصوصية كل منطقة على امتداد مساحة البلاد، ثم تقديمها لمن لديهم المال ويفتقرون للتدبير الاستثماري- وبالمناسبة هؤلاء ليسوا قلّة في بلدنا- والإشراف على التنفيذ والإدارة، والأهم إيجاد صيغة تسويقية لمخرجات “مشاريع الصغار”، وبعدها تبحث في إيجاد التمويل لمشروعات من ليس لديهم المال، فهذه المهمة هي آخر ما يجب بحثه، وليس الخطوة الأولى للانطلاق، التي تعثر عندها كل من أوكلت إليهم المهمة، واجتهدوا لإيجاد شماعة جاهزة لتعليق إخفاقاتهم، بدلاً من الاجتهاد لخلق مصادر التمويل؟!!.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]