الحكومة تصحح خللاً مزمناً أضاع “تريليونات” الليرات في زمن الحاجة الماسّة..

 

 

يمكن اعتبار تصدي الحكومة لملف عقارات الجهات العامة المؤجرة والمستثمرة من قبل القطاع العام، هو استدراك لخطأ تاريخي أضاع ولا يزال موارد هائلة على الخزينة العامة للدولة، لأن أن بدلات هذه الإيجارات والاستثمارات لا توازي الأسعار الرائجة، كونها موغلة في القدم ولم يطرأ تعديل على كثير منها، إذ تؤكد بعض المصادر المطلعة  أن بعض العقارات الحكومية المؤجرة والمستثمرة والمعارة للقطاع الخاص يعود تاريخها إلى عقود قد تصل أحياناً إلى قرن من الزمن..!.

تحفظات

في الوقت الذي ما تزال هناك بعض التحفظات للحديث عن هذا الموضوع إلا أن ما رشح من معلومات يفيد أنه تم تشكيل لجنتين في إطار مجلس الوزراء، الأولى برئاسة وزير الدولة لشؤون الاستثمار, والثانية برئاسة مدير مديرية دعم القرار،  تضم بعضويتهما عدد من الفنيين من ذوي الكفاءة، بحيث تكون مهمة الأولى جمع وتأمين البيانات المتعلقة بهذه العقارات، على أن تقوم الثانية بدراسة هذه البيانات وتحليلها ورفع المقترحات اللازمة، وقد بدأتا بالفعل العمل بهذا الاتجاه، وتم التعميم على جميع الجهات العامة لتزويدهما ببيانات تحصر الأبنية التابعة لها.

هدر

وأفادت بعض المصادر إلى تجاوب بعض الوزارات والتزامها للتصدي لأكبر ملف متخم بالتجاوزات التي أضاعت ولا تزال تُضيِّع على الخزينة العامة للدولة إيرادات من العيار الثقيل، إذ تؤكد أن ثمة آلاف المليارات تفوت على الخزينة العامة للدولة جراء عدم إعادة النظر بالعقارات الحكومية المؤجرة والمستثمرة للقطاع الخاص. مشيرة إلى أن عمليات المتابعة والتقصي عن هذا الموضوع أثبتت أن بعض الجهات العامة لا تعرف بالضبط العقارات العائدة لملكيتها نتيجة غلوها في القِدَم من جهة، وعدم امتلاكها قادة بيانات تحدث بشكل مستمر من جهة ثانية. فوزارة السياحة على سبيل المثال تمتلك جزءاً كبيراً من الفنادق المستثمرة من قبل القطاع الخاص، وبأسعار لا تعادل الأسعار الرائجة في السوق، وكذلك وزارة الإدارة المحلية، والتجارة الداخلية وحماية المستهلك..الخ..!.

هذا المشهد يشي بأن ثمة هدر تاريخي للمال العام، جزء منه يتعلق بالفساد والصفقات المشبوهة من تحت الطاولة، والجزء الآخر يتعلق بعدم تعديل الأنظمة والقوانين بما يتوافق مع التطورات الاقتصادية الحاصلة ومدى ارتباطها بمستوى التضخم وتراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار. وبالتالي فإن تصدي الحكومة لهذا الملف خطوة بالاتجاه الصحيح، ويسجل لها محاولتها حل تشابكاته وتعقيداته خاصة تلك المتعلقة بالورثة نتيجة تواتر المستثمرين على بعض العقارات، مستغلين النأي الحكومي طيلة العقود الماضية..!.

جدية

وفي الوقت الذي أفادت به المصادر أن الحكومة جادة بمعالجة هذا الملف برمته، وأن الحكومة وجهت اللجنتين بتدقيق وتقييم هذه العقارات، ووضع المقترحات اللازمة للمعالجة بالسرعة الممكنة، تشي بعض المعلومات بعدم تجاوب بعض الوزارات مع هاتين اللجنتين وتحديداً من ناحية تقديم المعلومات والبيانات وفق برنامج زمني محدد، ما دفع بعض أعضاء اللجنتين إلى القيام بجولات ميدانية يومية إلى الوزارات والجهات التابعة لها، بغية إعطاء زخم كبير للعمل والوصول إلى نتائج واقعية، وبينت المصادر أن اللجنة تفاجأت بما لدى عدد من الوزارات من أبينة وعقارات باتت أقرب للمنسية..!.

يذكر أن رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس ترأس مؤخراً اجتماعا للجنة طالباً من الوزارات إيلاء هذا الملف الاهتمام الكافي والتجاوب مع عمل اللجنة وتقديم المعلومات والبيانات وفق برنامج زمني محدد، مبينا أن الحكومة ستعمل على تذليل كل العقبات ومواجهة التحديات لتحقيق الهدف من تشكيل اللجنة، وأبدى تصميم الحكومة على معالجة هذا الملف لتحقق العقارات المؤجرة والمستثمرة البعد الوطني في التنمية الاقتصادية، مؤكدا ضرورة العمل وفق رؤية موحدة لمتابعة تنفيذ هذا الملف بكل جدية للوصول إلى نتائج ايجابية مشيرا إلى الدعم الكامل لعمل اللجنة لتحقق الهدف المرجو منها في إعادة تقييم بدلات الإيجار للعقارات الحكومية المؤجرة والمستثمرة وبما يحقق مردود أعلى للخزينة العامة والعدالة بين طرفي العقد.

وتم خلال الاجتماع الاتفاق على وضع أسس موحدة لمعالجة الملف من خلال التنسيق مع اللجنة المكلفة بمتابعة جرد كافة المشاريع وعقارات الدولة المستثمرة أو المؤجرة للقطاع الخاص والعمل وفق آلية دقيقة وتقديم تقرير شهري عن تجاوب الوزارات والجهات العامة مع مراسلات اللجنة وعرضه على مجلس الوزراء.

لعل المفارقة أن كثير من الوزارات لا تزال تشغل أبينة مستأجرة تعود ملكيتها للقطاع الخاص، في الوقت أن لدى نظيره العام أملاك مؤجرة للأخير تعود أيضاً إلى عقود من الزمن..!. وبالتالي نأمل أن يحل هذا الملف بكل تعقيداته وتشابكاته بما يحقق العدالة لكلا الطرفين، فالمستثمرين بالنهاية هم مواطنون سوريون، فكما أن للحكومة حقوق وعليها التزامات، كذلك الأمر بالنسبة لهم.

حسن النابلسي   

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]