1،4 مليار ليرة من المال العام مهددة بالضياع بسبب تقصير جهة “مؤتمنة

مئات الملايين من الليرات تنتظر توريدها إلى الخزينة العامة منذ أكثر من عام من قبل الإدارات المالية المعنية بالتحصيل الضريبي، ولا تحتاج لأكثر من أن تشعر الإدارة الضريبية بواقع الحال الذي وصلت إليه إيراداتنا بعد ست سنوات من الحرب التي استهدفت جميع مكونات الدولة، وذلك ضمن سياق الشعور بالمسؤولية الذي تمليه مناصب من يتبوؤن مراكز القرار في الهيئة العامة للضرائب والرسوم ومديريات المالية في المحافظات. شعور يملي على الإدارة الضريبية الحرص على تحصيل حقوق الخزينة، والعمل ضمن توجهات الحكومة الرامية إلى دعم الواقع المعيشي للمواطن وترميم ما خربه الإرهاب من خلال رفد الخزينة العامة بالرسوم وتحصيل الضرائب المترتبة على كثير من الجهات لاسيما فئات كبار المكلفين..!.

 المؤلم

لقد كان من المؤلم ما كشف عنه رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس  في وقت سابق بخصوص ما تصرفه الحكومة من أموال لاستيراد المشتقات النفطية وغيرها، والمؤلم أكثر أن نعلم بأن مئات ملايين الليرات ما تزال حبيسة أدرج هيئة الضرائب ولا تورد إلى الخزينة، وهي كفيلة بتعويض جزء من النفقات التي تصرفها الحكومة لخدمة المواطنين، وذلك بالتزامن مع إبداء وزير المالية مؤخراً عدم رضاه عن أداء الإدارة الضريبية، وتهديده بمحاسبة الفاسدين فيها وبالمؤسسات التابعة لها، ما يجعلنا في موضع ترقب لكيفية تعامل الوزير مع هذا الملف، الذي يمكن إدراجه تحت إطار الفساد الإداري، أو أن هذا الأمر بات بحاجة لقرار حاسم من رئيس مجلس الوزراء يعيد المياه إلى مجاريها في الهيئة..!.

قصة المخالفة

القصة يرويها محضر جلسة للجنة البت بالاعتراضات في الهيئة العامة للضرائب والرسوم والتي ترأسها مدير عام الهيئة بتاريخ 16 \2 \ 2016، ملخصها ضبط مخالفة بحق إحدى الشركات المدرجة في فئة كبار المكلفين من قبل اللجنة التي كلفها وزير المالية بموجب قراره رقم 628\  تاريخ 1\3\2007، وذلك بعد تدقيق الحواسب والمستندات والعقود والبيانات والفواتير والوثائق الخاصة بالشركة المذكورة، وقد انتهى الضبط إلى مطالبتها برسم طابع مقداره 474 مليون ليرة، وغرامة مالية مقدارها 949 مليون ليرة، أي أن مجموع الذمة المالية المترتبة على الشركة 1.4 مليار ليرة، ويؤكد المحضر أن الضبط المنظم – ودون التطرق إلى التفاصيل الدقيقة- فقد انصب على مجموعة وثائق “البيانات الجمركية -واستمارات اشتراك بخدمات تقدمها لزبائنها- وعقود خاصة ببعض العاملين” مع الإشارة إلى أن هذه الوثائق والبيانات تعود إلى تواريخ متفاوتة.

تعديلات 

وبحسب المحضر  فقد جرت تعديلات لاحقة على الضبط المنظم بحق الشركة، تتمثل بمجموعة من النقاط التي اعترضت عليها الشركة أمام الدائرة المالية المختصة لجهة أن رسم الطابع المتوجب على الاستمارات غير صحيح، وكذلك الاعتراض على الرسم الخاص بالبيانات الجمركية.

ومن ضمن الإجراءات التنفيذية لما ذكر آنفاً –بحسب المحضر- فقد قامت مديرية مالية ريف دمشق باعتبار أن الشركة المخالفة مسجلة في مديرية مال داريا، بتوجيه الإنذار رقم 6870\ م تاريخ 4\ 6\ 2007، وقد ردت الشركة على الإنذار بتاريخ 1\7\2007 على جميع البنود الواردة في الضبط، ولكن جرى نزاع قانوني بين مالية ريف دمشق ومال داريا، بصدد الجهة التي يحق لها توجيه الإنذارات اللازمة للشركة لتنفيذ محضر المخالفة، وعليه تقدم عدد من العاملين من مديرية مال داريا بشكوى إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، حول أحقيتهم بإصدار الإنذارات اللازمة، ونتيجة التحقيق والتقصي الذي قامت به الرقابة والتفتيش فقد أوصت بإعادة كل ما ورد من اعتراضات للشركة، وما صدر من مالية ريف دمشق بهذا الخصوص، بما في ذلك إعادة تدقيق البيانات الجمركية وعقود العاملين والوقوف على الوضع الصحيح للغرامة المتوجبة على البيانات الجمركية إلى مديرية مال داريا، والتي خلصت في نهاية المطاف إلى تقرير أوضح بأن الرسم الواجب سداده على البيانات الجمركية للشركة 943 ألف ليرة وغرامة مالية مقدارها 45 مليون ليرة.

تدقيق 

وخلص التدقيق الجديد من قبل مديرية مال داريا إلى أن مجموع رسم الطابع المترتب على الشركة 573 مليون، ومجموع الغرامات 1.189 مليار ليرة، وعندما عرض التقرير على مالية ريف دمشق أيدت الأخيرة ما جاء في تقرير مديرية مال داريا.

وبتاريخ 16 \ 2 \ 2016 عقدت لجنة البت بالاعتراضات في الهيئة اجتماعها بحضور أعضاء اللجنة كاملة، ونظرت في التقارير المقدمة من مديرية مال داريا وقررت قبول الاعتراض المقدم من الشركة شكلا، كونها تقدمت به ضمن المهلة القانونية، والمستغرب في هذا الملف هو اتخاذ لجنة قرارا مخالفا لقرار مماثل يخص شركة شبيهة بهذه الشركة، بمعنى أنها ردت اعتراض الشركة المعنية لجهة اعتبار الاستمارة غير خاضعة لرسم طابع مقطوع مقداره 10 ليرات، وتم الاتفاق على إخضاعها لرسم طابع مقطوع وقدره 200 ليرة، في حين أنه وافقت بموجب القرار 40 على إخضاع الشركة الشبيهة لرسم طابع مقطوع 10 ليرات، وهذا كم من حجم ملايين الليرات الضائعة جراء التناقض بين القرارين..!.

وبما أن قرار اللجنة المذكورة والمؤرخ بتاريخ 16/2/2016 وهو ما دون على محضر الاجتماع قد أقر باستيفاء رسم الطابع طابع مقداره 474 مليون ليرة، وغرامة مالية مقدارها 949 مليون ليرة، فلماذا لم تصدر إدارة هيئة الضرائب قرارا بذلك ليحال إلى الدوائر المالية المختصة للتنفيذ، وهل هناك أنظمة وقوانين تمنع الهيئة من إصدار هكذا قرار بعد مضي نحو عام كامل على محضر الاجتماع..؟. أليست الخزينة أولى من بقاء هذه المبالغ حبيسة الهيئة..؟ وكم من الملفات المشابهة يمكن أن نكتشفها فيما لو دخلنا في السراديب المظلمة للهيئة..؟.

ولدى مراجعتنا لمدير عام الهيئة العامة للضرائب والرسوم عبد الكريم الحسين، اعتذر عن الإدلاء بأية تفاصيل لها علاقة بهذا الملف، لجهة أن الموضوع متابع من الوزير، مكتفياً بالإشارة إلى سعي الهيئة المستمر بمتابعة تنفيذ سير عمل اللجان الخاصة وما يصدر من قرارات تحصيل عن هذه اللجان..!.

فسادا

يبقى أن نشير إلى أن وزير المالية أعلن في أكثر من مناسبة ومنها الاجتماع الذي ترأسه رئيس مجلس الوزراء مع القائمين على القطاع المالي، بأنه أصدر تعميما بعدم بقاء أية معاملة لمواطن أكثر من يوم واحد في عهدة أي موظف، ومعتبراً أن بقائها فسادا ويستحق العامل المقصر الإحالة إلى الرقابة، وغيرها من التصريحات التي تؤكد تمسكه بتحصيل كل ليرة للخزينة، وأنه لن يسمح بالحديث عن وجود فاسدين وهو في منصبه، فهل هذا النوع من المحاضر يثير اهتمام الوزير، وهل سيتخذ قرارا يحسب له منذ اعتلائه كرسي الوزارة..؟.

محمد زكريا

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]