الابتزاز الاقتصادي..بقلم: الدكتور سنان علي ديب

 

إن احتكار الموارد الأولية والسيطرة الاقتصادية أساس الصراعات و الخلافات الدائمة ومحرض ومحرك الحروب و الفتن ,فمن يسيطر على الاقتصاد بموارده وطرقه وتقنياته يسيطر على كافة نواحي الحياة وغالباً ما كانت أغلب الحروب ومنها العالمية لأسباب مردها اقتصادي وإن بررت بأسباب أخرى و في العقود الأخيرة اشتد التنافس الاقتصادي لتتموضع التكتلات الرأسمالية و التحالفات الدولية الداعمة لها بمواجهة باقي العالم  وتجلى ذلك خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ليعيد بناء نفسه وفق عقلية اقتصادية جديدة تساير العقلية التي نهجها وحاول فرضها الطرف المنتصر و كذلك سار التنين الصيني لهيكلة اقتصادية جديدة لمواجهة المخاطر و لتحقيق كفاءة أكبر عبر انتهاج السوق الاجتماعي .

أمركة

وكان العنوان الأبرز سعي حثيث من قبل الولايات المتحدة لأمركة الاقتصاد العالمي و فرض سلطة رأس المال المتمركز الكثيف، عبر كارتلات عابرة للجنسية و القارات على حساب الدول الوطنية ومؤسساتها، من خلال العمل بشتى الطرق و الأساليب ، لفرض مقررات واشنطن المبتدعة من قبل الرأسمالية العالمية المتابعة للولايات المتحدة، والداعية لتحرير التجارة /عبر دعه يعمل دعه يمر و السوق تنظم نفسها /، و عبر الاعتماد على شخصيات تابعة بدلاً من المؤسسات الرسمية، تكون وكيلة بالسير بإملاءاتها وعبر تجنيد قرارات المؤسسات الدولية لخدمة برامجها البرغماتية، لتتحول عن دورها المنوط بها كأممية راعية للسلام و الرفاهية و الإنسانية ، إلى دور ممهد لتنفيذ الأجندات الغربية، وحتى لو كان تأثير هذه القرارات مدمر ومفقر ومجوع للشعب ولا ينعكس على الأنظمة فكثرت العقوبات و الحصارات الاقتصادية المدعومة أممياً ، لمبررات كاذبة وغالباً ما تكون كاذبة كما حصل بالعراق و يحصل بسورية.

وكل ذلك تكريساً لاستمرارية تفوقها الاقتصادي و استمرارية كونها مصدراً للسلع و البضائع و الدول الأخرى سوقاً لمنتجاتها ومصدر للمواد الأولية بأبخس الأسعار.

استلاب

 

إن الرؤية الامبريالية الناتجة عن التمركز المكثف لرؤوس الأموال نتيجة النهب و السلب و الابتزاز  و الاستلاب،  الداعية لفرض نهج اقتصادي معولم يفرغ الدول الوطنية من دور حكوماتها في قيادة الاقتصاد و يضاعف المشكلات الاقتصادية و الاجتماعية و يعرقل حلها و يعيد البلدان الساعية للوصول لمستويات عالية بالتنمية إلى قرون سابقة من المعاناة و المعافاة الاقتصادية والاجتماعية و التخبطات السياسية  بسياسات أبعد ما تكون عن العلاج الصحيح أو استمرارية النمو و التنمية وإنما تكون مدخلاً لإضعاف البنى و تحويل البلدان لتمركز قوي لرأسمال طفيلي أسود تابع لمراكزهم الامبريالية و غالبية سابحة في بحر الفقر و الجوع و العوز لهي عنوان لعبودية عالمية جديدة و لمنطق غير إنساني، يدل على وحشية فارضيها و لهي أكبر ابتزاز يمارس في مجتمع أوحى إعلام القوة أنه مجتمع عالمي وفق معايير الديمقراطية و الإنسانية، ومورست باسم هذين المصطلحين شتى أنواع الجرائم .

 

تأزيم

 

كل ذلك جرى للوصول للغاية الأسمى لتوصيل قوى جاهزة للإنقياد وفق مشاريعهم التفريغية واستمرارية الاستعمار و الاحتلال وفق نهج جديد وعلنية وقحة ,كل شيء مباح من مخالفة القوانين الدولية و انتهاك السيادة و تشكيل عصابات مسلحة و استخدام الأسلحة الفتاكة المحرمة دولياً و قتل الأطفال و النساء و تدمير البنى التحتية و سرقة المعامل و المؤسسات وسرقة المحاصيل و الثروات وفرض العقوبات الاقتصادية و الحصار الكامل و تزوير الحقائق عبر إعلام مضلل كاذب بالخبر و بتقنياته وواقعيته , وبعرقلة أي توافقات لأي حل وطني إن لم يراع مصالحهم الإملائية من شخصيات للحل و برامج وسياسات اقتصادية واجتماعية ليكون بمثابة استمرارية التأزيم و صورة ديكورية لحل مزعوم في تفاصيله تكمن كل معوقات العرقلة و استمرارية التأزيم , ولا يقف الإبتزاز عند مستوى هؤلاء الحكام للعالم فقط وإنما يهبط لمستويات أدنى من العولمة, للمحلية لمرتزقة تستغل الأوضاع السيئة التي عملت قوى النهب الاقتصادي العالمي لتوصيل البلاد لها لتجميع الثروات على حساب الدم و العرض و الشرف بالمتاجرة بكل ما يخطر على البال من سلع و عرض و سرقة ونهب و متاجرة رقيق وأعضاء بشرية و تضعيف مبرمج للفساد و استغلال الظروف لتمرير قرارات لم يتمكنوا تمريرها سابقاً بما يخدم استمرارية فسادهم و يقوي وجودهم ومركزهم لمستقبل طويل رغماً عما تتسبب به أعمالهم و قراراتهم من إضعاف للبنى و لمقومات مناعة البلد و المواطن وما ينجم عنه من نزوح و تهجير وتفقير وعوز مسبب لآلاف الوفيات ,وكل ذلك كسلوك ابتزازي بعيداً عن القوانين وعن القيم الإنسانية و الحضارية , فالابتزاز هو أحد السلوكيات الوضيعة غير الأخلاقية التي يسعى البعض من خلالها لاستغلال ظروف معينة والضغط على الطرف الآخر للحصول على مآرب غير مشروعة بعيداً عن أي معايير أخلاقية أو حتى إنسانية وله أنواع عديدة إقتصادي سياسي ثقافي إجتماعي وكذلك قد يكون شخصي أو يأخذ مجال فئة أو لون معين أو بلد بأكمله .

 

غايات مبررة للوسائل

 

ومهما أختلفت المبررات يبقى البعد الإقتصادي هو الغاية القصوى ولكن التمهيد للأهداف الإقتصادية قد يكون بشكل سياسي أو إرهابي مسلح أو تضليل إعلامي و الابتزاز السياسي يعد أسوأ بكثير من الابتزاز الشخصي لأسباب عديدة؛ أهمها أن تأثيره ينسحب على دول وشعوب بأكملها وليس على فرد أو عدة أفراد، كما أن تداعياته قد تكون غاية في السوء حيث بإمكانه التسبب في حدوث ظواهر شديدة الخطورة مثل الإرهاب عابر القارات نتيجة للشعور بالغبن والظلم وما ينجم عن ذلك من قتل آلأف الأشخاص وتدمير البنى و العمران وهذا الأسلوب ليس بجديد على الإنسانية ولكنه أخذ أنواع جديدة و بأساليب وحشية في ظل التباهي بالثورة التقنية و التقدم الحضاري و العولمة الانسانية و حقوق الإنسان , والابتزاز بهذا المعنى قد يكون شخصي أو جمعي أو دولي أو مؤسساتي عبر التهديد بكشف معلومات مزورة أو صنعها عبر أدوات المبتز، أو فعل شيء لتدمير الشخص أو الكيان المهدد، إن لم يقم الشخص المهدد بالاستجابة إلى بعض الطلبات. هذه المعلومات تكون عادة محرجة أو ذات طبيعة المدمرة اجتماعياً و يستخدم  أي لعبة قذرة للإيقاع بالضحية دون مخافة من الله أو وازع ديني أو خوف قانوني وهنا لا فرق بين الابتزاز الشخصي و الدولي  ويكون ذالك الإكراه بالتهديد بفضح سر من أسرار المبتز أو عبر افتعال جرائم و تكريس إعلامي لصنع رأي عام    ولهذا السلوك انعكاسات سلبية على كافة مجالات الحياة الوطنية أو العالمية بما يؤدي إلى تراجع بكافة المقاييس و المعايير وإلى الفوضى الهدامة لكل أشكال الحياة .

 

اختلال صارخ

 

إن سلوكيةالولايات المتحدة الأمريكية المتفردة كقائدة للعالم قد أخل بكل التوازنات و الأخلاقيات الدولية اتجاه اللجوء للمؤسسات في حال الخلافات لتصبح هذه المؤسسات شبه ديكورات تقاد برغبة الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني و بالتالي اللغة الأهم هي لغة القوة و العربدة لتهشيم أي تطلعات ديمقراطية أو تحررية للوصول إلى مستوى حضاري ولمجتمع متوازن ذو تنمية مستقلة مستمرة متوازنة ,هذه التنمية التي بنظر الغرب الامبريالي هي البعد عن التبعية و تكريس لاستقطاب دولي مواجه لأعلى أشكال الامبريالية التي وصلت له , ولا يقف الابتزاز الارهابي على المعسكر الامبريالي ولكن قد يجد الكيان نفسه أمام إبتزازات من آخرين وثق بهم وتحالف معهم  يقف معهم بنفس الخط تأخذ كافة الأنواع الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية من خلال قطع الامدادات و نقض العهود أو اللعب بالبنى الداخلية أو محاولة الوصول لقوى لا تأتمر إلا بإملاءات هذه البلدان بعيداُ عما تقتضيه الحاجة الداخلية, و يجب التنويه أنه كلما ساد القانون و أشرعت المحاسبات زاد خوف الأشخاص و الدول من الشروع بأي ابتزاز و على العكس الأشنيات و الطفيليات غير المنتمية للأوطان تزيد من سلوكها الابتزازي في ظل ظروف الفوضى أو التغاضي الاجباري للحفاظ على الأهداف الكبرى بدلاً من الالتفات لصغائرها وهذا ما وجدناه من سلوكيات كانت الغاية منها ازدواجيات الاغتناء و الاثراء و تنفيذ رغبات الغرب باللعب على الوتر الاقتصادي والاجتماعي بعد عجز الأساليب الأخرى الارهابية , فمن اللعب بأسعار الصرف لضرب الاقتصاد, للوقوف عن تأمين الاحتياجات إلا بظروف مجحفة إلى التأثير على قرارات تمنع تدخل الحكومة لمواد محتكرة إلى اللعب بالأسعار و تفريغ أي دور لضبط الأسعار إلى السرقة العلنية و النهب و السلب وإلى افتعال الأزمات الدورية من كهرباء ووقود وووإلى استئجار إرهابيين لضرب المنشآت العامة و ضرب البنى كالكهرباء لمحاولة خصخصتها بعدما فشلت كل المحاولات السابقة ,إلى تهريب الأموال و الاستثمارات والتنظير الفارغ للرغبة باعادة الاعمار و المطالبة بقرارات باطنها استمرارية الفوضى وظاهرها سلب لدور الحكومة إن الحل الوطني الحقيقي الفاعل هو العلاج لأي محاولات ابتزازية عبر برامج كرس دور المؤسسات ويفصل السلطات و يواجه الفساد و يجعل القانون بوصلة المواطنة و التقييم و جعل الجسد الوطني القوي هي المواجه لأغلب المشاكل التي صنعت برعاية امبريالية عبر فعل مباشر أو عبر وكلاء و يبقى أهم سلاح لهكذا سلوك هو إعادة الثقة بين الحكومة والمواطن عبر إعطائه دوره وعبر إعادة بناء الانسان الوطني , تبقى فاعلية الجماعة أكبر من الفرد عبر قوانيين ضابطة للسلوكيات و سياسات تحقق العدالة و الانتماء

الدكتور سنان علي ديب/جمعية العلوم الاقتصادية

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]