فصلٌ صامت لحرب صاخبة..بقلم:ناظم عيد

 

 

لا تبدو معركتنا مع الإرهاب محددة الزمان والمكان، بما أنها تحوّلت إلى “حرب عالمية مصغّرة”، أو على الأقل حرب إقليمية كبرى، ففي مجريات معركة حلب تجلّت حقيقة الاصطفاف العالمي الذي ينذر بتمديد أجل الحرب على سورية، ولا نعتقد أن في ذلك مفاجآت من النوع المتنحي بعيداً عن حساباتنا، بل هي وقائع مسبوقة بقراءات دقيقة وردت في أكثر من مناسبة في سياق ما يرشح وما يعلن صراحةً من قيادتنا السياسية.

إلا أن التركيز الخارجي السافر، والإصرار غير المسبوق على دعم الإرهاب الذي تجلّى على مدار خمس سنوات ونصف، ويتجلّى حالياً في حلب، من شأنه أن يعيد تذكيرنا بحقائق موقف راهن ليس بالبسيط بل بالغ التعقيد، يملي إعادة حسابات متأنية بخصوص القادمات من الأيام على المستوى العام، وبتفصيلٍ أكثر على المستوى الاقتصادي وامتداداته المعيشية، بما أن سنوات الحرب أرست شعوراً جمعياً بالاسترخاء في الأوساط الشعبية والتنفيذية، وهذا ليس تجنياً بل واقع ملموس لدينا المزيد من القرائن التي تشي به، بدأت ملامحها بالظهور تباعاً منذ بدايات العام 2014 وحتى الآن، بكل ما في ذلك من مؤشرات غير مُطمئِنة، لأن الاسترخاء في زمن الشد العصبي هو إشراع للأبواب أمام حزمة عريضة من الأخطار.

ولعلّه ليس من السهل استدراك هذا الخلل بقرار، فإن كان الأمر ممكناً في الأروقة الحكومية، ستعتريه بلا شك بعض الصعوبات في المضمار الشعبي، لأن بيننا من يصرّون على تمثّل الأدبيات الاستهلاكية للمجتمعات المُترفة بكل احتياجاتها التي لا تنتهي عند سلعة كمالية تسخر من “أسواق أزمتنا”، أو خدمة “نافرة” تستفز سلسلة مفارقات يجب أن نحرص على ألّا تحدث في ظل حربٍ لم تستثنِ من شرورها أحداً.

وربما آن الأوان لنقتنع بأن للحرب الاقتصادية التي يشنّها الخارج علينا وجهان، الأول يبدو من خلال سياسات المقاطعة والحصار المعلن، وقد أكثرنا من الحديث فيه وعنه لنبرهن على أننا فهمنا الموقف جيداً، والثاني الذي لم يجرِ الإعلان عنه صراحةً كان تسهيلاً متعمّداً للتدفقات السلعية الكمالية إلينا يتعدى مجرد إغماض العين عن وجهتها، بهدف شفط واستنزاف الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي من جهة، ثم نسف حالة التحفز والاستنفار الشعبي في وجه الاستهداف الخارجي، عبر “دس” سلع الرفاهية وإشعال حمى الإنفاق الترفي في مجتمعنا لما توحي به من سيرورة طبيعية مُتعافية للحياة، وبالتالي توفير أسباب التصالح مع آثار الإرهاب الحاقد من جهةٍ أخرى، كما أن خلق التباينات الاستهلاكية يعبّئ الشارع سلبياً وهذا ما علينا ألا نظن أنه يحدث صدفة..

وهنا نسأل: لماذا لا تسمح “دول الحصار” بتصدير المواد الأساسية للمواطن السوري كالدقيق والوقود والدواء، ولا تمانع – بل تبارك وتدعم خلسةً – شحنات الكماليات المتوجهة إلينا؟. لماذا تسمح بهذا وتفرض حظراً على ذاك.. وإن كانت العبرة في “شطارة” مستوردينا الذين لم يتركوا منتجاً جديداً إلا ووافونا به من أقاصي الدنيا، فأين حنكة هؤلاء في استيراد سلع معززات الصمود بدل “سلع الاستنزاف”؟!..

على العموم ثمة الكثير من الاستحقاقات المطلوبة الآن تحت عنوان ترتيب البيت الداخلي، وكلّها باتت مصيرية لا تقبل التسويف، وقد نص عليها البيان الحكومي صراحةً.. ليبقى المهم التوافق والتناغم في التنفيذ والتطبيق، والأهم البدء فالأجندة طويلة وكذلك الأزمة، بما أننا نواجه دولاً وليس مجموعات خارجة على القانون الدولي.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]