“أهل الكار” يسلّمون بعدم ارتقاء مراكز التحكيم إلى مستوى المحاكم الاقتصادية

 

الخبير السوري:

ظهر التحكيم في المشهد القضائي السوري كرديف للقضاء النظامي الرسمي، ليبت بالدرجة الأولى بقضايا النزاعات التجارية والاستثمارات والمشاريع الهندسية، إضافة إلى القضايا الدولية الكبرى مثل الحدود والاتفاق على حصة المياه لكل دولة وغير ذلك من القضايا ذات الطابع المدني والشرعي.

ويتمتع التحكيم بمزايا تجعل منه أكثر مرونة من نظيره النظامي كالسرعة في فصل المنازعات التي غالباً ما يفتقدها القضاء النظامي نتيجة كثرة الدعاوى المعروضة عليه وقلة عدد القضاة وحداثة عهدهم بالسلك القضائي – على ذمة أهل الكار – إضافة إلى الحفاظ على سرية العلاقة بين أطراف النزاع والتخلص من الرقابة القضائية وأحياناً من درجات التقاضي، إلى جانب مساهمة التحكيم بإيصال الحقوق لأصحابها بطريقة سهلة وميسرة، وتفادي المنازعات قبل حدوثها، ناهيك عن تعقيد إجراءات التقاضي أمام المحاكم النظامية وعدم تطويرها…كلها مغريات ترجح كفة عمل مراكز التحكيم البالغ عددها حوالي الخمسين مركزاً وبالتالي تخفف الضغط عن أروقة القصور العدلية.

مخاوف

بعض المخاوف ما زالت تشوب مغريات ومزايا التحكيم، من قبيل خشية عدم إلزامية وتنفيذ القرارات الصادرة عن مراكز التحكيم، والأتعاب العالية المترتبة لقاء عملية التحكيم لفض النزاعات بين المتنازعين، ناهيك عن بعض حالات التغرير التي قد يلجأ إليها بعضهم.

يوضح المستشار أنس كيلاني مدير مركز الفارابي للتوفيق والتحكيم أن الهدف من مراكز التحكيم يتمثل بتنظيم إجراءات التحكيم وتسهيل عمل المواطنين، فهو يؤكد لـ”صدى الأسواق” أن كل مركز يختار عدداً من المحكمين ذوي الكفاءة العالية والسمعة الحسنة لاعتمادهم لديه، كما أن رئيس المركز عادة ما يوجه أطراف النزاع إلى النقاط التي يستطيعون الاتفاق عليها، وإلزام المحكمين بها وهذه ميزة – حسب كيلاني – لا يستطيع القاضي القيام بها.

وفيما يخص اختراق قرارات التحكيم وتوجيهها حسب مصلحة أحد الأطراف عبر مسالك غير شرعية وقانونية بيّن كيلاني أن الاختراق يتم حسب سمعة ومستوى أداء كل مركز، وعلى اعتبار أن كل مركز يحرص على اختيار المحكمين الأكفاء فإن نسبة اختراق القرارات تكاد تكون معدومة لأن ذلك يسيء لعمل المركز في نهاية المطاف.

سلطة قضائية

المحامية ريم دولة المديرة الإدارية في أحد مراكز التحكيم اعتبرت أن الاختراق يكاد يكون معدوماً لأن طرفي النزاع هم من يختارون محكميهم، ودور المركز هو تنظيم الإجراءات القانونية وإدارتها من ناحية التباليغ ودعوة الشهود وإجراء الخبرات إذا استدعت القضية ذلك. كما أن المركز يتولى عملية إحالة القرارات التحكيمية إلى محكمة الاستئناف لإكسائها صيغة التنفيذ، فبعد أن يصدر قرار التحكيم يتم إيداعه في ديوان محكمة الاستئناف المدني التي تصدر الحكم خلال عشرة أيام في غرفة المذكرات ليصبح نافذاً، وينفذ عن طريق دائرة التنفيذ مثل أي قرار قضائي.

وأضافت دولة في تصريح لـ”صدى الأسواق”: إن القرارات التحكيمية هي صيغة من صيغ الأحكام القضائية، والقانون اعتبر الاعتداء على أي محكم بمثابة الاعتداء على أي قاضٍ، وهذا دليل على أنه يتمتع بسلطة قضائية.

رديف وليس بديل

بعد صدور قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 أخذت معالم مراكز التحكيم تتبلور شيئاً فشيئاً لدرجة ظن البعض أنها قد تأخذ منحى البت في القضايا الاقتصادية، لكن المستشار كيلاني اعتبر أن القضايا الاقتصادية قضايا جزائية تمس اقتصاد البلد وبالتالي لا يمكن أن تأخذ مراكز التحكيم طابع المحاكم الاقتصادية، فقضايا التحكيم هي قضايا بين أطراف مدنية، بينما اعتبرت المحامية دولة أن المراكز تشكل رديفاً يخفف الضغط عن القضاء النظامي في بعض القضايا.

دون التوقعات

رغم ازدياد عدد مراكز التحكيم خلال السنوات القليلة الماضية، وما تقدمه من مزايا ومغريات تجعل منها محط اهتمام كثير من المتنازعين، إلا أن الإقبال عليها – حسب بعض المراقبين – ما زال محدوداً ولم تلقَ الإقبال الكثيف الذي كان متوقعاً لها، وذلك لأسباب عزاها كيلاني إلى ارتباط عمل مراكز التحكيم بالنشاط الاقتصادي والاستثماري في سورية، فبمقدار تزايد التنمية الاقتصادية ومشاريعها المتعددة يزداد نشاط عمل مراكز التحكيم.

كما أن المراكز تنشط وتأخذ دورها على أكمل وجه – حسب كيلاني- في ظل تدني عدد القضاة وقلة خبرتهم نتيجة حداثة عهدهم في السلك القضائي، إلى جانب تشعب الإجراءات القضائية وكثرة الدعاوى. فعندما يتحسن مستوى القضاء يخف نشاط التحكيم، باستثناء القضايا الخاصة التي يحرص فيها أطراف النزاع على سرية محل النزاع.

بينما رأت دولة أن سبب تدني نسبة الإقبال على مراكز التحكيم يعود إلى تدنى مستوى الثقافة القانونية لدى المواطن السوري وعدم ثقته بمدى مصداقية وإلزامية تطبيق قرارات التحكيم، إضافة إلى قصور دعم وزارة العدل لهذه المراكز، داعية الوزارة – عبر صحيفتنا – إلى وضع جدول للمراكز بحيث يتم التحكيم عن طريقها وليس عن طريق المحاكم.

ثغرات

لم يأخذ قانون التحكيم الصادر منذ عدة سنوات حقه في النقاش لدى الجهات الوصائية، لذلك لم يخرج القانون بالشكل الأمثل بل اعتراه بعض الثغرات أهمها   المادة رقم 65 التي تنص على أن “تبقى اتفاقيات التحكيم المبرمة قبل نفاذ هذا القانون خاضعة للأحكام التي كانت سارية بتاريخ إبرامها سواء أكانت إجراءات التحكيم قد بوشرت أم لم تباشر” فما زال هناك خلاف بالرأي حول تطبيق هذه المادة – حسب كيلاني – فالرأي الأول يأخذ بظاهر النص الذي يوحي بأن كل القضايا المتفق عليها بين أطراف النزاع قبل صدور القانون تبقى من اختصاص محكمة البداية، بينما يعتبر الرأي الثاني – وهو الصحيح برأي كيلاني – أن كل قضايا التحكيم سواء القديمة أم الجديدة تنتقل إلى محاكم الاستئناف ما عدا الأمور الموضوعية وليس الأصولية، فعلى سبيل المثال: إذا اتفق طرفا النزاع على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية لحل النزاع، يجب أن يبقى هذا الشرط ملزماً حتى لو انتقلت القضية إلى محاكم الاستئناف.

وأضاف المستشار كيلاني: إذا أخذنا بالرأي الأول الذي تحرص عليه محاكم البداية نجد أن قضايا التحكيم سوف تتشعب إلى شعبتين: قضايا تحكيم قديمة لا يجوز تطبيق أحكام الإبطال عليها التي نص عليها قانون التحكيم الجديد، وقضايا تحكيم جديدة تخضع لأحكام البطلان. ومن ناحية أخرى فإن أحكام التحكيم القديمة تبقى خاصة للاستئناف، بينما الجديدة لم تعد خاصة للاستئناف عدا الطعن ببطلان الحكم.

وأوضح كيلاني أن الوزارة أعدت دراسة حول هذا الموضوع واعتمدت الرأي الثاني، لكن وزير العدل الأسبق آثر عدم تعميم الدراسة على القضاة وترك الأمر للهيئة العامة لمحكمة النقض لتقرر رأيها فيه الذي لم يصدر حتى الآن.

ومن ثغرات التحكيم التي لم يبت بأمرها، إكساء حكم المحكم الأجنبي صيغة التنفيذ، وإلى الآن لم ترد إلى مراكز التحكيم قضايا من هذا النوع – حسب ما أكده كيلاني – الذي يعتبر أن يكون إكساء صيغة تنفيذ هذا النوع من القضايا من اختصاص محاكم البداية لكونها على اطلاع بالقوانين الأجنبية أكثر من محاكم الاستئناف.

 

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]