قرارات تستند لمراسيم خمسينيات القرن الماضي.. ومناداة بإحداث ملاكات وصكوك تراعي النظم الداخلية للجهات العامة

 

 

تعاني معظم الجهات العامة من مشكلات إدارية حقيقيّة في إعادة هيكلة برامج أنظمتها الداخلية، تمحورت غالبيتها بحسب تقارير صادرة عن بعض الجهات الرقابية المالية السنوية، حول فتح ملاكات مالية ليست معتمدة ومقررة، حتى وصلت الحال بإحدى الجهات إلى إحداث أكثر من 12 مديرية جديدة على مدى السنوات العشر الأخيرة دون أن يكون إحداث تلك المديريات مبنيّاً حسب النظام الداخلي لتلك الجهة. اللافت أن هذا الخلل الحاصل في الهياكل الإدارية للجهات العامة تسبّب على مدار السنوات الماضية من إحداثها بتكبيد تلك المؤسسات خسارات بمليارات الليرات وتحميلها أعباء مالية إضافية، إذ يفيد أحد التقارير بأن خسارة إحدى الجهات المخالفة لذلك وصلت إلى أكثر من 100 مليون ليرة نتيجة فتح اعتمادات مالية ليست موجودة في النظام الداخلي لديها. وتؤكد التقارير المالية في مجملها على ضرورة تثبيت البنيان الإداري لتلك المؤسسات من خلال التقيّد بالنظم الداخلية لديها، إلا أن بعض جهابذة تلك المؤسسات يصرّون على خرق البنى الإدارية لتلك الجهات.

تعاميم

بدورها رئاسة مجلس الوزراء لم تغفل عن هذه المخالفات، إذ تطلب وبشكل مستمر من الجهات العامة إعداد مشاريع الملاكات العددية، وإصدار الأنظمة الداخلية للجهات التي لم تصدر أنظمتها الداخلية أو ملاكاتها العددية حتى تاريخه طبقاً للإجراءات المرسومة بهذا الصدد.

ويوضح رئيس لجنة الأنظمة الداخلية في رئاسة مجلس الوزراء محمد سعيد بأن هناك لجنة مهمتها دراسة وتدقيق الأنظمة الداخلية لكافة الجهات العامة، مؤلفة من وزارة المالية ورئيس مجلس الدولة، ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، إضافة إلى ممثل عن وزارة التنمية الإدارية، مبيّناً في حديثه لـ”البعث” أن هذه اللجنة أنجزت ما يقارب 60 نظاماً داخلياً جديداً للجهات العامة خلال السنوات الخمس الماضية، وأنه تمّ رفض أكثر من 20 نظاماً آخر لأسباب تتعلّق بصكوك وملاكات قديمة، وأن الآلية التي تعتمدها اللجنة في دراستها للأنظمة الداخلية تستند بالمقام الأول إلى صك الإحداث والملاك العددي لتلك الجهة العامة، وبما لا يتعارض مع القانون 50 لعام 2004 ولا يتعارض مع الصك النموذجي الصادر بالقرار 903 لعام 2005 والذي يعطي الخطوط العريضة لبناء الأنظمة الإدارية للجهات العامة، سواء أكانت إدارية أم اقتصادية.

 

عقبات

ويبيّن سعيد أن العقبة الرئيسية مع غالبية الجهات العامة هي وجود ملاكات قديمة عمرها أكثر من 30 عاماً، مشيراً إلى أن هذه الملاكات بالأساس تعاني من عدم وجود مؤهلات علمية محدّدة، إضافة إلى أن اعتماد هذه الملاكات كان بموجب قانون نظام المراتب والدرجات، وليس بموجب نظام الفئات الوارد في القانون 50، فضلاً عن أن بعض الجهات العامة لديها صكوك إحداث منذ 50 عاماً، بالرغم من إصدار تعاميم في بداية كل عام من رئاسة مجلس الوزراء تؤكد على ضرورة استصدار مراسيم ملاكات جديدة وأنظمة داخلية من شأنها أن تعيد الألق الوظيفي للعاملين بالدولة، مشيراً إلى أن بعض الجهات العامة لا تزال تعمل بقرارات تستند بتشريعاتها إلى مراسيم تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، الأمر الذي يستوجب الكثير من إعادة النظر في تلك المراسيم والقرارات والبلاغات، مقترحاً إحداث ملاكات وصكوك إحداث جديدة تراعي النظم الداخلية للجهات العامة على اعتبار أن الملاك هو البوصلة لدراسة أي نظم داخلية، مشيراً إلى أنه يمكن إعادة توزيع الملاكات حتى لو كانت من دون عبء مالي.

إعاقات

وفي السياق نفسه أكد مصدر رقابي مالي أن ما يعيق العمل الرقابي المالي على صكوك العاملين بالدولة هو عدم إصدار ملاك عددي لبعض الجهات، أو عدم تعديل الملاكات الموجودة فيها، أو إعادة توزيع الملاكات القديمة وعدم إصدار الأنظمة الداخلية لبعض الجهات العامة، كما أن بعض الأنظمة الداخلية الصادرة لا تتوافق مع بطاقات التوصيف ومع المؤهلات العلمية المحدّدة في الملاكات العددية، إضافة إلى عدم تدوين الجهات العامة لكافة الوقائع على البطاقة الذاتية، وعدم التمييز بين الإجازة الخاصة بلا أجر التي تدخل في ترفيع العامل وتلك التي لا تدخل، فضلاً عن عدم وجود آلية واضحة لمعالجة حالات كف اليد وإنهائها، وعدم وجود مبدأ عام أو رأي موحّد لذلك، ناهيكم عن نقص في بعض الثبوتيات الأساسية في الصكوك المتراكمة لدى بعض الجهات العامة، لافتاً إلى قلة الخبرة الإدارية لدى العاملين في الجهات العامة والمسؤولين عن أوضاع العاملين وتحديداً مديرية الشؤون الإدارية، يضاف إلى ذلك أيضاً عدم اعتماد الجهات العامة لصك نموذجي موحد للقرارات المتعلقة بأوضاع العاملين.

كما أشار المصدر إلى أن هناك جملة من الملاحظات يجب على الجهات العامة تلافيها، منها إصدار قرارات تخالف القوانين والأنظمة والتعليمات الخاصة لنقل العاملين قبل خمس سنوات أو خلافاً للملاك العددي، مبيناً أنها مشكلات يتوجب على المؤسسات العامة حلّها، وأن التعديلات التي تطرأ بين الفينة والأخرى على بعض النظم الداخلية من شأنها تخفيض النفقات والتكاليف المالية وتمنح الكثير من المرونة بالعمل، على مبدأ “المؤسسة المرنة الرشيقة”.

رأي

ويبقى الحديث الأهم أن تسعى جهاتنا العامة إلى استغلال الوقت الحالي في تطوير وتحديث أنظمتها الداخلية من خلال السعي لإحداث ملاكات وصكوك جديدة، الأمر الذي يصبّ في مصلحة الموظفين القادرين على التطور المستمر في أوضاعهم الوظيفية، والابتعاد قدر الإمكان عن داء التكلس والترهل الإداري الذي أصاب إدارات القطاع العام. ووفق ما تقدم فمن الضروري اعتماد صكوك نموذجية والتي تشكل حاجة ملحة وضرورة للبدء في إصلاح التنمية الإدارية وتهيئة البيئة التشريعية الملائمة لها، وبالتالي ترسيخ منظومة إدارية متطورة تعتمد الدقة في اختيار الكوادر الوطنية لتحقيق مشروع الإصلاح الإداري وحماية المال العام وترسيخ مبدأ الثواب والعقاب، لتكون أرضية مناسبة وصالحة لخوض مرحلة إعادة الإعمار والبناء.

الخبير السوري – محمد زكريا

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]