هياكلنا الحكومية تعرج من رؤوسها….تنازع صلاحيات وتشابك مهام.. والإصلاح الجاد سينتج وزارات ويذهب بأخرى إلى غير رجعة

 

 

الخبير السوري – فهد كنجو:

 

هل بدت الهيكلية التنفيذية لدينا خلال الفترة الماضية بأحسن أحوالها؟.. ألم يظهر فيها الكثير من العيوب التي أفضت إلى تأخير عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحتى التعليمية في سورية؟.. ألا يوجد مديريات بات حجمها أكبر من الوزارات التي تنضوي تحتها؟.. وفي ظل تشتت الصلاحيات حول مشروع ما “سكني –سياحي –تنظيمي..إلخ” كيف يمكن لنا تصويبه ومعرفة من أين يأتي التعطيل إن حدث وغالباً ما يحدث؟.. أما آن الأوان لنلملم شمل الوزارات التي تتكامل في آلية عملها بدلاً من ترك التشابك بينها على حاله فلا أحد يتحمل المسؤولية وكلها تتنازع على الصلاحيات..

فما هي الوزارات التي يمكن الاستغناء عنها؟.. وما هي المديريات التي بات من الضروري إعادة هيكلتها لتنضوي في كنف الوزارة التي تتكامل معها؟.. وأين تكمن مشكلة تعطل الهيئات العامة المنبثقة عن بعض الوزارات وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها؟.. فثمة من يرى أن تحويل بعض هذه الهيئات إلى وزارات قد يعطيها صلاحيات أوسع ومرونة أكبر ويساعد على ضبط أدائها وتنظيمه وتصويب أهدافها للوصول إلى الهدف المرجوّ منها.

 

تسمية وزارات

(مشروع استثماري سياحي يقع على شاطئ بالقرب من منطقة حراجية “أم الطيور أو رأس البسيط” تتدخل فيه صلاحيات كل من الموانئ لأنه يقع على الشاطئ، ووزارة السياحة لأنه مشروع سياحي، ووزارة الزراعة لقربه من منطقة حراجية، والصحة، والإدارة المحلية لإعطاء الترخيص، وأيضاً البيئة، والاقتصاد من أجل حماية المستهلك، إذاً حوالي 8 وزارات تتدخل في مشروع واحد وهذا يسبب إرباكاً لصاحب المشروع منذ الترخيص وحتى عندما يدخل في الخدمة).

هو مثال حي ساقه لنا الدكتور عابد فضلية أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق ليؤكد ضرورة رفع شأن بعض الهيئات كـ”هيئة الاستثمار”، إلى مستوى وزارة لناحية المهام والصلاحيات التي تضطلع بها، وبيّن أن وجود وزارة استثمار تتم هيكلتها حيث تكون قادرة على أن تحلَّ محل كل تلك الوزارات سيسرع وتيرة الاستثمار ويشجّع عليه ويرفع من مستوى العمل ويقلل من البيروقراطية والروتين والفساد ويطور الفكر الاستثماري، ويطور القوانين والأنظمة المتعلقة بالاستثمار ويلغي التناقض الحاصل فيها.

كما أشار د.فضلية إلى أهمية تسمية وزارة تهتم بالتطوير الإداري على مستوى القطر تتعاون مع مختلف الوزارات لوضع الخطط الإدارية والإصلاحية، وبيّن أنه لا بدَّ من إعطاء وزارة كهذه الصلاحيات الكافية لتمكنها من أداء عملها بالشكل الأمثل وليس على غرار الوزارة التي كانت قائمة منذ حوالي 10 سنوات وتم إلغاؤها بسبب فشلها لكونها كانت مرتبطة بأشخاص وليست بخطط.

 

تنازع صلاحيات

إن تنازع الصلاحيات الحاصل بين بعض وزارات الدولة حول العديد من القضايا التنموية، وارتباط هذه الوزارات بمزاجيات زعامية وسلطوية من بعض المتعاقبين عليها من وزراء، ناهيك عن المركزية الشديدة، ساهم إلى حد كبير في تعطيل عجلة التنمية وربما نسفها في بعض الأماكن، كما أن العناوين الفضفاضة لتسمية بعض الوزارات قد حرف البوصلة عن مسارها الصحيح لجهة تحقيق الهدف المرجو منها كجهة حكومية قائمة على أهداف قصيرة ومتوسطة الأجل ذات برامج زمنية محددة، وهذا ما نراه بين كل من ” وزارة السياحة والثقافة – الري والزراعة- الإسكان والإدارة المحلية”.

ففي حالة وزارتي السياحة والثقافة نجد أن هناك دائماً احتكاكاً يصل إلى حد التنازع حول المواقع والأوابد الأثرية، فالأولى ترى نفسها معنية بالترويج والتسويق لها من أجل فتحها للزيارة أمام السياح، بينما الأخيرة تدير هذه المواقع، وبالتالي أي فعالية تودّ أن تقيمها السياحة في أي من المواقع يستدعي موافقة الثقافة، وهذا ما يدعو إلى تبادل عشرات الكتب بين الجهتين ما يؤخر أو يعطل العمل.

أيضاً في حالة وزارتي الزراعة والري، الأولى تطرح مشروعاً زراعياً تنموياً وهذا المشروع حتماً يحتاج إلى مشاريع ري تدعمه، وشق قناة ري يتطلب دراسة من وزارة الري وموافقتها، لذلك نشهد دائماً تأخر المناطق الزراعية عن الإنتاج بسبب عدم وصول مياه الري إليها.

أما حالة وزارتي الإدارة المحلية والإسكان فلها شجونها التي باتت تنعكس بشكل كبير على الواقع الاجتماعي والتنظيمي للمدن، فالإسكان تقوم بوضع خطط إسكان تتماشى مع متطلبات الزيادة السكانية في سورية وتطلق الأرقام، وهذه الأرقام بحاجة للأرض، بينما الإدارة المحلية لم تنتهِ بعد من المخططات التنظيمية فيتوقف المشروع السكني، كما أن غياب التنسيق بين الجهتين ساق إلى عدم الوصول إلى الهدف، وفتح المجال للعشوائيات التي ضربت عرض الحائط بكل السياسات التنظيمية والإسكانية.

فهل يكون الحل بالدمج أم بإعادة الهيكلة؟..

 

إعادة هيكلة

في هذا الصدد عبّر د. فضلية عن خشيته من دمج الوزارات التي يتشابك عملها في معظم المشروعات لأن الدمج برأيه قد لا يكون مفيداً من الناحية الإدارية ومن ناحية تنفيذ أهداف الوزارة على أرض الواقع ما قد يعقد المسائل، ورأى أن تتم إعادة النظر في هيكلية كل وزارة، وإعادة تموضع بعض الإدارات من أجل فض الاشتباك وإلغائه، وهذا ينطبق على وضع وزارتي السياحة والثقافة، حيث اقترح د.فضلية إعادة النظر في هيكلية كلتا الوزارتين، وضم المديرية العامة للآثار والمتاحف بما تحويه من أوابد أثرية لوزارة السياحة، وإنشاء مديريات مشتركة بين الوزارات التي تتشابك صلاحياتها، فكثيراً ما نرى أن جهة عامة تتعطل أعمالها نتيجة تقصير جهة عامة أخرى وهو تماماً ما يحدث بين وزارتي الإسكان والإدارة المحلية.

 

ضم وإلغاء

في السياق ذاته بيّن الدكتور حسين القاضي الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أن ضمَّ بعض الوزارات لمصلحة وزارات أخرى يمكنها من العمل بصلاحيات أكبر، وبالتالي يجعلها تتحمل المسؤولية بشكل أوضح وأيضاً يقلّص من المركزية والهدر للمال العام وللجهد والوقت.

والضم برأيه يمكن أن يشمل وزارة الزراعة والري بوزارة واحدة، وأيضاً ضم ما يتعلق بالأوابد الأثرية ” المديرية العامة للآثار والمتاحف” لمصلحة السياحة وتلغى وزارة الثقافة كوزارة لأن الإنتاج الثقافي الفكري ليس بحاجة لوزارة.

أما فيما يتعلق بوزارة الإدارة المحلية فلم يرَ د. القاضي معنى لوجودها في ظل الصلاحيات الممنوحة للمحافظين سوى الإمعان في المركزية، ولفت إلى ضرورة توزيع هذه الصلاحيات على مجالس البلديات للحد من البيروقراطية والمركزية، بما يخدم الخطط التنموية وتحديد المسؤوليات في حال وقوع خلل ما.

كما أشار القاضي إلى الطابع الغالب على القرارات الإدارية التي تتصف بالمركزية الشديدة وترتبط بسلطات أعلى ما أدى إلى إحداث الكثير من الوزارات العديمة الفائدة، ورأى أن هناك إمكانية لإلغائها ومن هذه الوزارات “وزارة التعليم العالي”، التي يتنافى وجودها مع مجالس الجامعات ويحدّ من صلاحياتها وقد يكون تدخل الوزارة بآلية عملها سلبياً في كثير من الحالات.

وطرح مثالاً على ذلك قيام وزير التعليم العالي بإصدار قرار يقضي بمنع الأستاذ الجامعي من الإشراف على أكثر من 3 رسائل لطلاب الدكتوراه، ما أدى إلى حرمان الجامعات السورية من عشرات ملايين الدولارات، حيث كانت الجامعات السورية تستقطب سنوياً مئات الطلاب العرب للحصول على شهادة دكتوراه مقابل 3500 دولار يدفعها الطالب الواحد، وهذا برأيه قرار خاطئ من الوزارة وينمّ عن عدم علم بواقع الجامعات، ودعا إلى أن يحل محل وزارة التعليم العالي مجلس جامعات لأنها الأولى بأن تصدر القرارات التي تخصها.

 

حالات أخرى

لا شك أن بعض المشاريع التنموية المهمة يحتاج إلى استقلالية وصلاحيات واسعة تسهل من استمرارها، فعلى سبيل المثال لا الحصر مشروع الغاب بأهميته وما يمكن أن يقدمه لسلة الغذاء السورية من إنتاج زراعي وحيواني، هذا المشروع لا يمكن أن ينجح كما أوضح د.فضلية في ظل تدخل أكثر من 20 جهة فيه، وكل جهة لها صلاحيات لا تستغني عنها من جهة وهي غير كاملة من جهة أخرى، مؤكداً ضرورة إنشاء إدارات مستقلة لمشاريع كهذه تمتلك صلاحيات كل تلك الجهات وتكون هي القائمة على العمل ولا ضير أن تقام لها وزارة.

وأيضاً يمكن أن ينطبق ما قلناه على مسألة المشاريع الصغيرة التي بقيت حبراً على ورق، حيث إن المشروع يتبع لجهة والتمويل لجهة ثانية وموافقة الترخيص لثالثة وهكذا، وأي عرقلة من أي جهة ستؤدي إلى توقف المشروع، ومن باب أولى أن تضطلع جهة واحدة بمسألة المشاريع الصغيرة من بابها لمحرابها ويمكن أن تسمى وزارة، فما هو المانع؟..

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]