رحلة البحث عن السم في دسم سلّة غذاء السوريين تسفر عن نتائج صادمة… أكاديميون يشككون بنظافة وسلامة أسواقنا من الناحية

 

 

خاص – الخبير السوري:

كثيراً ما نسمع عن سلع استهلاكية ومواد غذائية تم سحبها من الأسواق في مختلف دول العالم ولأسباب متعددة، ولعل أهم هذه الأسباب هو تأثيرها أي (السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية) المباشر أو غير المباشر سلباً على صحة الإنسان، إلا أننا دائماً كنا نجد أنفسنا استثناء عن ذلك السياق، فلم نسمع في أي يوم من الأيام أن وزارة الاقتصاد ومديرياتها – سابقاً – أو وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك خلال السنوات الأخيرة أو أي جهة رسمية أخرى همت بسحب أي سلعة -من الأسواق السورية- في حين أن مثيلاتها من السلع في دول أخرى قد سحبت من الأسواق نظراً لما تشكله من أخطار محتملة على صحة الإنسان المستهلك لها، فهل الاستثناء الذي نعيشه في هذا المنحى دليل قدرة وقوة إجراءاتنا الرقابية الوقائية على منع إدخال أنواع كهذه من السلع؟ أم إننا آخر من يسمع فيكون قد فات الأوان على هذا الإجراء وبالتالي نتناسى الأمر وكأن شيئاً لم يكن، وإذا آمنا وصدقنا أن جهاتنا المعنية قادرة فعلاً على ضبط ومراقبة المستوردات وخاصة الغذائية منها عبر المنافذ الحكومية الرسمية لجهة السلامة الغذائية من خلال تحليلها ومدى مطابقتها لمعايير السلامة والأمان الصحية، فماذا يمكننا أن نفعل أو أن نقول حيال السلع المهربة التي لا تخضع قبل ولوجها أسواقنا لأي رقابة صحية؟ وما هي المعايير المتبعة في جودة الصناعة الغذائية، وهل شهادات “الآيزو” الجودة هي صكوك براءة على خلوّ المنتجات الغذائية من التجاوزات؟؟.

 

إجراءات وتدابير

في وزارة التجارة ثمّة مديرية اسمها مديرية حماية المستهلك التي تكاد تكون هي الجهة المسؤولة الأولى عن التدابير الرقابية الخاصة بسلامة السلع سواء أكانت مستوردة أم مصنعة محلياً، وتبين مصادر هذه المديرية أنها تعتمد إجراءات دقيقة وتقوم بالعديد من التحاليل المخبرية للسلع المستوردة وخاصة إذا كانت مواد غذائية، مع لفت الانتباه إلى نظافة السوق السورية من أية منتجات يمكن أن تشكل خطراً جسيماً على صحة المستهلك نظراً لتعدد الجهات التي تراقب وتحلل المستوردات من السلع وخاصةً إذا ما توافرت معلومات أن ثمة أمراضاً معينة موجودة في بلد المنشأ.

أما بالنسبة للآلية المتبعة حالياً في مديرية حماية المستهلك لمراقبة سلامة السلع فتزعم المصادر: قمنا مؤخراً بسحب 3500 عينة من مواد غذائية وغير غذائية، منها ما هو مستورد ومنها ما هو منتج محلياً من المحافظات السورية كافةً، حيث إن لدينا 14 مخبراً موزعاً على كل المحافظات وكل هذه المخابر على مستوى فني عالٍ وخبرات جيدة جداً، وعندما يخطرنا أحد المراكز بوجود انحراف في نتائج التحليل لأية عينة نقوم بمطابقتها مع المخابر الأخرى وفي حال الشك تحلل القرينة بعد اعتراض صاحب تلك السلعة خلال مدة أقصاها أسبوع وفي عدة مخابر أيضاً.

أما فيما يتعلق بمسألة السلع المهربة فقد أكدت مصادر المديرية: أن المديرية بين الحين والآخر تقوم بضبط ومصادرة العديد من السلع المهربة وخاصةً إذا ما تبين أنها قد تشكل خطراً على صحة المستهلك، وإحالتها مع أصحابها إلى القضاء ويتم إتلافها عن طريق الحرق.

 

تشكيك

مقابل ما سبق أبدى الدكتور فرانسوا قارابييه الأستاذ في كلية العلوم قسم الكيمياء بجامعة دمشق شكه في التعامل العلمي من الجهات المعنية مع تحليل العينات للسلع الموجودة في الأسواق السورية وتساءل عما إذا كانت هذه الجهات تمتلك المخابر المجهزة لتحليل العينات المسحوبة من المواد المراد التحقق من سلامتها من مسببات الأمراض التي تؤذي صحة المستهلك، ولاسيما أن عملية التحليل تحتاج إلى دقة عالية وهي تمر بمراحل عدة تبدأ بتحضير العينة ثم العمل على الجهاز وبعدها تقييم النتائج لكل مرحلة، وهل تجرى دراسات على نسب استرداد لدى استخلاص المادة المراد تحليلها مشيراً إلى وجود نقص في هذا المجال، وأكد ضرورة مراقبة أداء عمل الأجهزة بشكل دوري ضمن نظام معتمد في هذه المخابر كما هو الحال في المخابر العالمية، وأضاف: لا بد من تأهيل الكوادر العاملة في هذا المجال مشيراً إلى نقص في ذلك، فهذه الكوادر حسب رأيه تحتاج إلى فترة تدريب لا تقل عن سنة بعد تخرجها في الجامعة بدءاً من عملية تحضير العينة وهي المرحلة الأصعب وإمكانية الخطأ فيها كبيرة، وتدريبها على الأجهزة ذات الصلة وأيضاً طريقة مقاطعة النتائج.

وفي السياق ذاته بينت الدكتورة فايزة الأطرش الأستاذة في كلية العلوم أنه لا يوجد سوق تخلو من المشاكل وأن سوقنا غير نظيفة وقالت: “قمنا مؤخراً بدراسة عينات غذائية في مخبر ميكروبيولوجيا التغذية أخذها الطلاب من أماكن مختلفة تشمل (فطراً معلباً، ومرتديلا، ولحوماً معلبة، وعصائر، وصلصة البندورة) منها ما هو مستورد ومنها منتجات محلية، حيث تبين لنا من خلال تحليل تلك العينات عدم خلو هذه المنتجات من الملوثات التي قد تنتج سموماً تؤثر في صحة المستهلك وتؤثر في طعم المنتج، وأضافت: يتوجب على الجهات المعنية العمل على مراقبة الأسواق بجدية وسحب هذه الأنواع من المنتجات الملوثة منها، ويجب الأخذ بالاعتبار تأثير الأحياء الدقيقة المفسدة التي اكتشفناها في هذه المواد الغذائية وهي نوعان الأول تأثيره على المدى القصير ويتجلى بأعراض تسمم غذائي ينبئ عن تسمم المادة الغذائية وهو عادة ما يكون قابلاً للشفاء، والنوع الثاني يبقى كامناً في مظاهره السريرية ويتآزر مع أفعال تراكمية ليسفر في النهاية عن أمراض.

على سبيل المثال، موضوع تناول المعلبات بعد غليها على اعتبار أن الغلي يقتل الأحياء الدقيقة الموجودة في المادة الغذائية يتجاهل المفرزات التي تفرزها تلك الأحياء الدقيقة أثناء نموها في المادة الغذائية وهي ضارة وتكون في بعض الأحيان سامة.

 

السلامة الغذائية

تبقى مسألة السلامة الغذائية على قائمة الأولويات الرقابية للسلع والمنتجات أكثر من غيرها، حيث ينظر خبراء الأغذية إلى هذه القضية من جوانب متعدِّدة، أبرزها أهمية إيلاء سلامة الغذاء الدور الأكبر عند رصد واقع الأسواق ومتابعة الرقابة الغذائية، على اعتبار أنَّ الأسواق الغذائية مِن أهم الأسواق التي تحتاج إلى متابعة من الجهات المعنية، ومن أبرزها دوائر حماية المستهلك في المحافظات السورية التي يُتطلَّب منها العمل على تكثيف المراقبة حفاظاً على سلامة وصحة المواطنين.

وتبرز الإشارة هنا إلى ضرورة أن توضع أفكار جديدة ومتطوِّرة في طرق وعمليات دوائر حماية المستهلك، وأن تعمل هذه الدوائر والجهات المعنية بشكل جدِّي للانتقال من العقلية القديمة والنظام القديم المتمثل في تسمية “التموين”، إلى نظام جديد يعمل بشكل مدروس ومنظم، مع ضرورة أن تقوم هذه الجهات المعنية بالرقابة وبدور المتابعة، وأن تسعى قبل كلّ شيء إلى كسب ثقة المستهلك، من خلال تعريف المستهلك بتلك الدوائر بشكل أكبر، لإتاحة تحقيق رقابة غذائية سليمة، وصولاً إلى جودة الغذاء المطلوب.

 

معايير

خبراء في مجال الصناعات الغذائية يفضلون التعامل مع الغذاء كأنه دواء، فالمعمل من شروطه أن يكون نظيفاً ومعقّماً من الجراثيم مثل معامل الأدوية، وأن يكون مستوى النظافة مرتفعاً جداً ومبالغاً فيه في بعض الأحيان، لضمان السلامة. فالغذاء أمر خطر يتناوله الجميع من كبار وصغار ومسنِّين، وربما في بعض الأحيان أناس غير سليمين صحياً، فكيف إذا أعطي هؤلاء غذاء ملوثاً وغير سليم، والأهم من ذلك أنه يجب على مَن تكون البضاعة في حوزته (المصنِّع أو البائعون على مختلف درجاتهم) الحفاظ عليها ضمن ظروف التخزين الملائمة للبضاعة.

ومن أهم المعايير التي يجب اتباعها في جودة صناعة الغذاء “المنتج محلياً”، استخدام المواد الأولية الجيدة والمراقبة دولياً وضمن فترة الصلاحية، مع ضرورة الفحص الدوري للعمّال والعاملين من ناحية الأمراض السارية والمعدية.

ولصدور القانون رقم 19 لعام 2008 المتعلِّق بسلامة الغذاء أهمية كبيرة في هذا الشأن، حيث يهدف إلى ضمان سلامة وصحية وجودة الأغذية المنتجة محلياً والمستوردة والمصدرة والمتداولة في الجمهورية العربية السورية، بالإضافة إلى تنظيم الرقابة على المستوردات والصادرات والمنتجات المحلية الغذائية، بما يتوافق مع المواصفات الوطنية والمعايير الدولية المعتمدة من الجهة المتخصّصة، كما يهدف القانون إلى تطبيق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالغذاء، بما في ذلك معايير وتوصيات هيئة الدستور الغذائي، كما نص القانون على عقوبات جزائية وغرامات مالية كبيرة على المخالفين وإغلاق المنشآت المخالفة.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]