خلل تنظيمي مزمن يحول بعض الشهادات الجامعية إلى عبء على أصحابها

نهى علي

لم يقل أحد أن الاختصاصات المدرجة في مفاضلة وزارة التعليم العالي، راسخة وثابتة ولا يجوز تغييرها و”غربلتها” كل بضع سنوات أو حتى كل عام دراسي.
فمتوالية المتغيرات في هذا العالم سريعة أكثر مما كان متوقعاً، ولا بد من مواكبتها، وسوق العمل هي المعيار بما أن التعليم لم يعد رفاهية والشهادة للاستثمار لا للتفاخر.
وبما أننا نصرّ دوماً على التمسك بسياسة الاستيعاب الجامعي، فهذا يعني أن الكثير من الطلبة ستقذف بهم حظوظهم وقدراتهم على تحصيل العلامات في الشهادة الثانوية، إلى اختصاصات لا يرغبونها وليس لها أي فرصة مناسبة في سوق العمل، تماماً كمن تقودهم علاماتهم العالية إلى اختصاصات لا يرغبونها كأفراد لكنها مرغوبة اجتماعياً وهذه مشكلة أيضاً.
ما زال لدينا الكثير من الاختصاصات الباقية منذ عقود وليس لخريجيها أي فرصة في العمل لا في القطاع العام ولا الخاص، بالتالي تحولت إلى مصيدة للطلاب ولذويهم، والأمثلة ليست في مجال العلوم الإنسانية وحسب، بل في العلوم الأساسية والتقنية، وهنا يلح التساؤل على الجميع عن سبب الإبقاء عليها؟!!
بالمقابل هناك اختصاصات جديدة – هندسية بالدرجة الأولى – تم إحداث كليات لها لكنها قليلة الحظوظ في سوق العمل، ويضطر خريجوها للاجتهاد على أنفسهم عبر دورات مكثفة أو جهد إفرادي لاكتساب مهارات وشهادات مكملة لحجز مكان لهم في القطاع الخاص، والمهارات الجديدة التي اكتسبوها هي ما أهلهم للفرصة وليست شهادتهم الجامعية التي لم تنفعهم إلا في حيازة اللقب.
أي يستفيق الطالب خلال دراسته الجامعية أو في السنوات الأخيرة منها على أنه “تورط” في اختصاص قادته إليه ثنائية العلامة والمفاضلة، وقد تكون علامة واحدة هي الفاصل في تقرير المصير بين الأبيض والرمادي.
نحتاج إلى جرأة وحكمة في إعادة بناء مفاضلة التعليم العالي للطلاب الذين يخوضون في هذه الأيام حالة عصف حقيقية مع أنفسهم بشأن خيارات المستقبل التي ستقررها علامة أو جزء منها.
جرأة في اجتراح اختصاصات جديدة، وجرأة أيضاً في إلغاء أخرى، من منطلق الحرص على التأسيس لمستقبل حقيقي للطالب وللبلاد، لأن تكاليف رحلة أربع أو خمس سنوات من الدراسة مضنية ومكلفة للطالب وذويه وللدولة التي تنفق التريليونات سنوياً على التعليم العالي.

صحيفة الثورة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]