ماكرون يتطفل على قمة بريكس القادمة…

د. رحيم هادي الشمخي:

لماذا يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حضور قمة “بريكس”؟

سؤال لم يقدم قصر الإليزية إجابة عليه حتى الآن رغم مرور أيام على إبداء ماكرون رغبته حضور القمة، ومن نافل القول إن إبداء الرغبة وإبلاغها للمعني بالأمر- وهي هنا جنوب إفريقيا التي تستضيف القمة في آب المقبل- هي بمنزلة الطلب الرسمي.

روسيا وعلى لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها ماريا زاخاروفا، طالبت فرنسا بتوضيح سبب رغبة رئيسها حضور قمة “بريكس”، قائلة: سيكون من الجيد أن يقول ماكرن لماذا يريد المشاركة في القمة؟.. فيما كان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي أكثر وضوحاً وتحديداً وهو يؤكد رفض موسكو حضور فرنسا باعتبارها دولة «غير صديقة» وليس من المُحبذ دعوة الدول غير الصديقة، قائلاً: ليس لماكرون مكان في قمة “بريكس”؟

مع ذلك السؤال آنف الذكر، وفيما لم تعلن جنوب إفريقيا عن موقف نهائي بخصوص رغبة ماكرون، برز سؤال آخر: لماذا قد تريد/ أو لا تريد ، مجموعة “بريكس” حضور ماكرون؟.. يترافق هذا السؤال مع حديث فرنسي عن إن توجيه الدعوة لماكرون ليس أمراً مستبعداً.

وللتوضيح بداية فإن تقديم الدعوات يتم باستشارة جميع الأعضاء حتى وإن كان مضيف القمة هو الذي يحق له بالدرجة الأولى اختيار الضيوف وتوجيه الدعوات.

كاترين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية قدمت أغرب تصريح حول مسألة مشاركة ماكرون في قمة بريكس، وهو تصريح مثير للسخرية “والشفقة ربما” عندما قالت إن مشاركة ماكرون ستوسع نطاق الانتشار العالمي لمجموعة “بريكس”.. كيف ذلك؟ وهل تحتاج “بريكس” لأمثال ماكرون وهي التي حققت من الانتشار العالمي والقوة الاقتصادية والجيوسياسية ما جعلها في موقع التنافس المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية، هذا ونحن لم نتحدث عن تقاطعاتها مع المنظمة الأكبر عالمياً «شانغهاي»..؟

لنعد إلى ما قاله ريابكوف حول مسألة الدول غير الصديقة، ففرنسا هي واحدة من مجموعة «السبع الكبار» الأكثر معاداة لدول “بريكس”، وإذا ما أخذنا موقفها من الحرب الأوكرانية فهي دولة معادية لروسيا التي تمثل مع الصين الجناحين الأساسيين لبريكس.

ربما من المفيد هنا لفت الانتباه إلى أن رغبة ماكرون حضور قمة “بريكس” لم تجلب عليه ذلك السخط الكبير الذي جلبته له زيارته للصين في نيسان الماضي، وما أدلى به من تصريحات اعتبرها الأوروبيون والأميركيون شقاً للصف الأوروبي والغربي، هذا طبعاً قبل أن يثبت ماكرون أن أقواله غير أفعاله، ليعود إلى دائرة الرضى الأوروبي- الأميركي.. ربما لهذا لم تأخذ رغبته تلك حيزاً من الاهتمام والجدل، فنحن لم نسمع أي تعليقات عليها من قريب أو من بعيد.. وقد يكون هناك نوع من الرضى عليها، ربما تكون «حصان طرواده» كما وصفتها زاخاروفا.

هناك تيار واسع من المراقبين والمحللين يوافق زاخاروفا.. يكفي أن نعيد التذكير بأقوال ماكرون المناقضة لأفعالة ما بعد زيارته للصين ولقائه رئيسها شي جين بينغ.

في ذلك اللقاء قدم ماكرون نفسه حمامة سلام عندما تحدث الرئيس الصيني عن خطته للسلام في أوكرانيا، وعندما عاد إلى بلاده لم يترك شيئاً لم يقم به لتأكيد أنه داعية حرب، من تأييده السماح بتسريع إجراءات انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي “ناتو” إلى مسألة فرض مزيد من العقوبات على روسيا إلى مسألة التسليح.

أيضاً.. طلب ماكرون ألا تحذو أوروبا حذو الولايات المتحدة في المواجهة مع الصين وعارض الخطة المثيرة للجدل لفتح مكتب اتصال للناتو في اليابان.. ثم وخلال الشهر الماضي وقع بياناً مشتركاً مع قادة مجموعة السبع لوصف الصين بأنها «التحدي الأكبر للأمن العالمي والازدهار في عصرنا»، يُضاف إلى ذلك تصريحات ماكرون المعادية للدور الروسي في إفريقيا (وخصوصاً المستعمرات الفرنسية السابقة) والتي تعتبر روسيا شريكاً موثوقاً به أكثر من فرنسا.

هذا غيض من فيض التناقض بين أقوال ماكرون وأفعاله، وبما يجعله في موقع غير ذي مصداقية، ومع ذلك هناك من يرى أن فرنسا ربما تريد العمل بصورة منفردة إذا جاز لنا التعبير.

في أحدث تقرير له، يشير موقع «مودرن دبلوماسي» الأميركي إلى أن فرنسا تدرك جيداً الآثار السياسية والاقتصادية لصعود دول “بريكس” في عصر يشهد مواجهة متصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، وهي المواجهة التي تعيد تشكيل طريق التجارة والاقتصاد العالمي.

من هذا المنطلق، ربما تحاول باريس، التي ترى نفسها قوة عظمى قادرة على اتخاذ قرارات منفصلة عن واشنطن، إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع جميع الأطراف وحجز مكان لها في مجموعة اقتصادية كبرى.

يُشار إلى أن دول مجموعة بريكس تغطي نحو 26% من إجمالي مساحة الأرض، ويبلغ عدد سكانها مجتمعة 3.24 مليارات نسمة أي أكثر من 40% من سكان العالم.. ناهيك عن أنها تساهم بنسبة 31.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما انخفضت حصة مجموعة السبع إلى 30%.

ويبدو أن “بريكس” ينتظرها مشروع توسّعي واعد إذا ما عبرت إليها عدة دول بارزة في محيطها، بينها السعودية والإمارات والأرجنتين وإندونيسيا والجزائر ومصر.

وكانت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية وصفت ماكرون بأنه زعيم براغماتي يتجرأ على كسر الحواجز، وسبق له أن اقترح مرات عدة على الأوروبيين تأسيس منظمات وهيئات تمهد لفك الارتباط مع الولايات المتحدة باعتباره سبيلاً وحيداً لحل مشكلات أوروبا الاقتصادية والأمنية وأشارت الصحيفة الصينية إلى زيارة ماكرون للصين في نيسان الماضي وإعلان استعداده للتعاون بقوة مع الصين رغم التوتر المتصاعد بينها وبين الولايات المتحدة.

وأضافت الصحيفة إن فرنسا التي انخرطت في نظام العقوبات على روسيا أدركت جيداً بعد حرب أوكرانيا أن العديد من البلدان النامية لم تنحز إلى جانب الغرب كما كانت تأمل، وتشير الصحيفة إلى أن تحرك ماكرون ينبع أيضاً من أنّ الغرب «يشعر بأزمة ويخشى فقدان هيمنته العالمية».

ويرى محللون أن مساعي ماكرون للانفتاح على تجمعات دولية أخرى كان أمراً متوقعاً منذ تلقيه «طعنة في الظهر» من الثنائي الأمريكي-البريطاني عندما استبعد فرنسا من صفقة الغواصات لأستراليا وأسسا معها تحالفاً أمنياً عسكرياً «أوكوس».

يُضاف إلى ما سبق أن فرنسا أيضاً تسعى لتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي، وهو ما قاله ماكرون بلسانه بعد عودته من الصين، محذراً من اعتماد أوروبا بشكل كبير على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأسلحة والطاقة وأنه لابد من تعزيز صناعة الدفاع والأمن في أوروبا.

لكل ذلك فإن مسألة توجيه الدعوة إلى ماكرون لحضور قمة بريكس قد لا تكون مستبعدة، وربما ترى فيه بعض الدول فائدة من نوع ما، فإذا ما تم استقطاب فرنسا- على سبيل المثال- سيكون فعلياً بمثابة شق للصف الأوروبي/الغربي، هذا في حال افترضنا أن وراء رغبة ماكرون، تقف نيات حسنة، وليس نيات سيئة كما نبهت زاخاروفا.

بكل الأحوال، مازال هناك متسع من الوقت حتى قمة “بريكس” (22 – 24 آب المقبل) وتبعاً للتطورات العالمية المتسارعة فهذا المتسع من الوقت مفتوح على الكثير من الأحداث الكبرى.. والمفاجآت الكبرى.

كاتب وأكاديمي عراقي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]