أمن وطني.. وأكثر..!!

ناظم عيد

إن كان ثمة الكثير مما يتوعّد مفهوم “أمننا الوطني” وهو المصطلح الذي نحب ترداده نحن السوريين، أو درجنا على ذلك تحت وطأة ظروف المواجهة والتهديد الخارجي المزمن، والتي يرجعها بعضهم إلى أسباب تندرج في سياق الجدل حول” لعنة.. أو نعمة الجغرافيا”.

إلّا أن علينا ألّا نتجاهل مهددات داخلية تبدو خرساء رغم صخبها، وهي من الطراز ذاته الذي نَصِفه تقليدياً بأنه ” يوهن عزيمة الأمة.. ويُضعف الشعور القومي” إلى آخر سلسلة تشخيص انعكاسات الأفعال النافرة والسلوكيات المنحرفة التي تمس هيبة الدولة.. مهددات يمكن تشخيصها دونما خوف من الوقوع في غواية المبالغة أو مجافاة الموضوعية، وهي رغم أنها غير قليلة لكننا لانصنفها بالـ “خطِرة” بما أنها تحت السيطرة وقابلة للتطويع متى نشاء.

ولعلّنا لن نكون مغالين في تهيؤاتنا لو ادعينا أن فوضى أسواق المستهلك وما يعتريها من ارتباك واضح – بل صارخ – على مستوى التنظيم والإدارة، تشكل أبرز تهديد لحالة الرسوخ والانتماء التي طالما فاخرنا بأنها علامة فارقة تسِم المواطن السوري، إذ يبدو جليّاً أن أداء مجالس المحافظات والمدن كما أداء معظم كوادر وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لم يرتقِ إلى مستوى وعي هذه الحقيقة، لا بآليات التسعير، ولا لجهة ضبط السوق، وهذه ليست تهمة وافتراء، بل توصيف لواقع لا يمكن مواراته مهما تكاثفت وعلت التصريحات المطمئنة، والتلويحات والتهديد والوعيد الذي أدمنه المعنيون بالرقابة على الأسواق.

بالأمس تم رصد باعة مفرق يبيعون بعض السلع بأقل من تسعيرة محافظة دمشق، وبالأمس وقبله وقبله واليوم يمكن لأي كان أن يلمس فرقاً في أسعار الكثير من السلع بين” البسطات” والمتاجر التقليدية، يصل إلى 100% أحياناً، وهي سلع خاضعة للظروف المزعومة ذاتها بأنها سبب ارتفاع الأسعار، من البنزين إلى المازوت وتكاليف النقل، ثم الأحوال المناخية وظروف الأزمة والحصار، حتى الحرب الروسية- الأوكرانية كانت متهم الواجهة بارتفاع أسعار الكثير من السلع المنتجة محلياً.. فالباعة يرددون قائمة مبررات- نشك بأنها لا تأتيهم جاهزة من كبار التجار ولاسيما المحتكرون لأن المضامين التي يتحدثون بها أعلى من مستوى إدراكهم – بدليل أن البسطاء منهم يخطئون أحياناً باستخدامها في مكانها المناسب أو بلفظها، فتظهر فاضحة ونافرة ومضحكة.. فمثلاً سمعنا عن الحرب الفيتنامية كذريعة بدلاً من الحرب الأوكرانية..

الدولة – كدولة برّأت ذمتها تماماً.. تدعم الصناعي لا ليبيع بأسعار الأسواق الأميركية والأسترالية مثلاً، و تدعم الزراعة لا ليقطف السماسرة والتجار الثمار، بل تدعم الفلاح و المستهلك..

كما صدر مرسوم تشريعي حازم وحاسم يتيح أدوات فاعلة لضبط السوق..لكن اختلالات العامل البشري بقيت، بما أنه يختصر سلسلة من المشكلات بالعناوين ذاتها التي تعانيها البلاد ولعل أبرزها المصطلح المطاط الفضفاض الذي اسمه ” الفساد”.

الواقع أن السوق اليوم مغرية للتلاعب وجني العلاوات والإثراء السريع، من قبل الحلقات التجارية ومعها الهياكل الرقابية التي لا نتهمها بالجملة، لكن ثمة وقائع لا تبرئ ساحة الكثيرين فيها.

نعم شد الأحزمة على البطون مسلّمة وبدهية في زمن الحروب والأزمات والحصار، لكنه لن يعود كذلك عندما تكون المشكلة خللاً في إدارة السوق، وتلاعباً ووقوعاً في غواية الإثراء السريع.

بالأمس صدر مرسوم رئاسي كريم بمنحة واسعة الطيف بمن شملتهم، لا نستبعد أن تستثمره الحلقات التجارية لجني ما تيسّر من الكتلة المالية التي سيتيحها وهي توازي تقريباً الكتلة الشهرية للرواتب والأجور، أي بين 200 -250 مليار ليرة سورية.

الجميع الآن سيراقب كيف ستتعاطى” مكنة ” الرقابة على الأسواق مع أعمالها.. فالمنحة اعتاد المواطن أن يسميها” منحة السيد الرئيس” وهي موجهة لمن استحقها، وليس لمن عرفهم المواطن ذاته بأنهم” حيتان السوق”.
تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]