خبراء يقرعون جرس إنذار .. سقوف التمويل والتسهيلات تهدد جهود تنمية المشروعات الأهم في سورية

الخبير السوري:

خلط التضخّم النقدي كامل أوراق منظومة الدعم التي تستهدف إعادة إنعاش المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، لجهة السقوف الدنيا المحددة في توصيف المشروعات وتحديد نوعها بين المتوسط والصغير والأصغر أو متناهي الصغر.

ورغم تفاوت التصنيفات الذي طالما كان مشكلة اعترت التعاطي مع مجمل منظومة تنمية المشروعات، وتعدد الرؤى بين الجهات ذات الصلة بالدعم والتنمية، إلا أن معظمها تبدو اليوم متواضعة لجهة التكلفة الاستثمارية الحقيقية للمشروع، نتيجة تراجع القوة الشرائية لليرة وبشكل متسارع، أسرع بكثير من المواكبة التي حاولتها الحكومة ومحاولة تعديل سقوف التكلفة بما يتماشى مع المتغيرات الطارئة على سعر الصرف.

عائق تنموي

هذا ما يتطرق إليه خبراء الاقتصاد والتنمية على شكل هواجس مقلقة في المشهد العام المتعلّق بإنعاش المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ويلفت الباحث الاقتصادي شامل بدران في دراسة متخصصة حول التمويل الصغير وتنمية المشروعات ” الميكروية”، إلى أن التضخم الاقتصادي بات مشكلة اقتصادية حقيقية، لها تأثير سلبي على كل محاولات التنمية في سورية، فبعد أن كان التضخم الاقتصادي نتيجة لمجموعة كبيرة ومتشابكة من الأوضاع الاقتصادية والسياسات الاقتصادية، بات في الوقت الراهن سبباً في التأثير على السياسات الاقتصادية، ما يتطلب عملياً اتخاذ إجراءات متكاملة تستهدف بناء قطاع إنتاجي حقيقي تكون فيه لمؤسسات التمويل الأصغر مساهمة فاعلة في نجاح تلك السياسات.

استدراك

ويجمع الاقتصاديون، كما الجهات الحكومية المعنية بإدارة المشروعات الصغيرة العاملة في إطار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية التي آلت إليها مهمة إدارة هذا الملف الاستراتيجي بالغ الأهمية، على أن الاستدراك السريع ملحاَ اليوم بالنظر إلى أهمية الدور المنتظر من المشروعات الصغيرة، التي تتسم بأثر إيجابي كبير في البعدين الاقتصادي والاجتماعي، و التعزيز التنموي المتوازن باتجاهات أفقية مطلوبة كخيار إنقاذ اقتصادي واجتماعي، على اعتبار أن هذه المشروعات قابلة للتوضع في الأرياف وضواحي المدن، هذا ما يصفه هؤلاء بأنه أهم أشكال التنمية المرنة أي يذهب المشروع إلى المطارح المراد تنميتها بدلاً من استقدام العمالة وتجميعها في المدن وأماكن تمركز المشروعات. . إذ بات دعم وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتشجيع إقامتها وضمان ديمومتها، من أهم دعائم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك لما تلعبه هذه المنشآت من دور مهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي بشكل عام، والحد من تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة بشكل خاص.

قانون ولكن..؟

وبالعودة إلى دراسة الاقتصادي بدران، فإنه يرى وبالرغم من استمرار الحرب والحصار الاقتصادي الجائر، أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا تزال تعمل بالرغم من كافة المعوقات الاقتصادية والتمويلية، وقد شكّل القانون رقم 8 لعام 2021، الخاص بتأسيس “مصارف التمويل الأصغر”، علامة فارقة وداعمة للخطوات التنفيذية المتسارعة في مسار المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحفز المجتمع على العمل الإنتاجي، والإبداع، وإدارة المشروعات المولّدة للموارد المالية والمعيشية.. إذ يمكن لحظ الكثير من الإيجابيات والمزايا للمرسوم (إحداث مصارف التمويل الأصغر)، لجهة أنه يهدف إلى “تحقيق الاستفادة المالية لأكبر شريحة ممكنة من صغار المنتجين وأصحاب الأعمال الصغيرة ممن يستطيعون ممارسة عمل اقتصادي، لكنهم غير قادرين على تأمين التمويل اللازم له.

لكن من المهم تقديم تسهيلات مختلفة، وعدم الاقتصار على المزايا الضريبية كالمساعدة في تخصيص جزء من رأس المال الثابت: (أراض، مبان، تجهيزات، بنية تحتية..)، إضافة إلى دراسة تقديم مزايا لاحقة، أثناء تطبيق التجربة، للمصارف الناجحة في تقديم القروض ذات العائد الاقتصادي الأفضل، وبما يتلاءم مع المناطق التي يتم تنفيذ المشروعات فيها.

فرق ميدانية

وكي لا تتباطأ وتبرد الهمم ولتحقيق الاستفادة المثلى من النواظم القانونية الجديدة الصادرة لدعم المشروعات الصغيرة، يطالب المتابعون المتخصصون باستحداث فريق متابعة في البنك المركزي تناط به مهام الإشراف الكامل على جدية نجاح التجربة، وتأمين الحصول على التمويل، وعدم الاقتصار على الوصول إلى مصادر التمويل، وتقديم الدعم التقني الكامل للمؤسسات المالية المستحدثة، والدعم القانوني والإداري والفني، وتحليل كافة البيانات والمعطيات لتصويب مسار التجربة، إلى جانب ربط المؤسسات بشبكة موحدة لتأمين سهولة الإشراف عليها، وتوحيد المعايير، والاستجابة للمتغيرات الطارئة.

 

تنظيم

من جهته يركّز بدران على تحديد الفئات المستهدفة بدقة عالية وفق آليات وتطبيقات برمجية حديثة (الأسر المستهدفة، المنشآت المستهدفة، الأفكار والمشروعات التي يتطلب تنفيذها لاحقاً)، وذلك من خلال بناء قاعدة معلومات متطورة وموثوق، وحدد نقطة البداية من بيانات المسوح الأسرية (المسح الديمغرافي المتكامل 2017، مسوح الأمن الغذائي 2017، و2020، تعداد المنشآت 2019 و2020)، والبيانات الإدارية المتوفرة لدى الوزارات: (الزراعة، الصناعة، التجارة الداخلية، الشؤون الاجتماعية)، والبيانات المتوفرة على مستوى أصغر وحدة إدارية لدى وزارة الإدارة المحلية والمحافظات، والبيانات المتوفرة لدى المجتمع الأهلي (الجمعيات والمؤسسات الأهلية المحلية).

وكخطوة لاحقة لابد من إنشاء آليات جديدة لمعرفة المستهدفين من خلال إنشاء تطبيقات برمجية سهلة التعامل لإضافتهم لقاعدة البيانات الأساسية، والتحقق من البيانات والمعطيات من خلال فرق عمل ميدانية.

شبكة مصرفية

ويقترح خبراء بناء شبكة مصرفية حديثة تعتمد آليات غير تقليدية للوصول إلى المقترضين، و تحديد خارطة دقيقة نوعاً ما للمستهدفين، ثم منح التراخيص وفق تلك المعطيات من حيث عدد المستهدفين، وخارطة التوزع الجغرافي، والاعتماد على طرق فنية حديثة ومتطورة لتقييم المشروعات المستهدفة، وتسهيل عملية التسجيل للمشروعات من خلال وضع برمجيات سهلة لملء البيانات الأساسية المطلوبة، بحيث يتم تقييم المشروعات من قبل فريق متخصص، وإعطاء نتائج التقييم للمشروعات الناجحة، ومنح القروض بسرعة خلال مدة لا تتجاوز الشهر، إلى جانب تدريب كادر فني لتقييم المشروعات معتمد من قبل المصارف ونقابة المهن المالية والمحاسبية.

لكن تبقى مشكلة النظر إلى التكلفة، بانتظار الحل السريع والمواكبة اللصيقة للتطورات الحاصل في المسألة النقدية، لأن سقوف التمويل باتت اليوم متواضعة لا تكفي لمجرد الانطلاق بتأسيس نواة مشروع، وليس مشروع متكامل، بالتالي تذهب التمويلات إلى اتجاهات استهلاكية غير إنتاجية، أي تضيع الغاية من كل التسهيلات التمويلية المقرّة في التشريعات والقرارات الحكومية الهادفة إلى ” إنقاذ” المشروعات التنموية الصغير.

ضوابط

وكان مجلس النقد والتسليف، أصدر مؤخراً ضوابط تقديم جزء من رأسمال مصارف التمويل الأصغر على شكل مقدمات عينية، على أن لا تتجاوز قيمة هذه المقدمات العينية نسبة 10% من رأس المال في مصارف التمويل الأصغر.

وأجاز المجلس أن يكون للمؤسس الواحد نوعين من الأسهم/المساهمات النقدية والعينية، على أن لا تتجاوز قيمتها الحد الأقصى لنسب المساهمة المحددة حسب المادة 7 من القانون 8 لعام 2021.

كما أجاز المجلس تقديم المقدمات العينية جزءاً من رأسمال مصارف التمويل الأصغر عند التأسيس، وتقديم المقدمات العينية لدى زيادة رأسمال المصرف، على أن يدرج ما يتعلق بالمقدمات العينية في النظام الأساسي على ألا تتجاوز النسب المحددة في القانون.

ونص القرار على أن تكون المقدمات العينية المقدمة في رأسمال مصارف التمويل الأصغر على شكل عقارات حصراً، ولا تعدّ المنقولات بأنواعها أو الحقوق المعنوية مثل حقوق الامتياز أو حقوق الاختراع أو الملكية الفكرية أو المعرفة الفنية وغيرها، أو الخدمات وعمل أي شخص مهما كان نوعه من قبيل المقدمات العينية المقبولة جزءاً من رأسمال مصرف التمويل الأصغر وفق أحكام هذا القرار.

ولا يستثنى مما سبق إلا المنقولات المرتبطة بالعقار نفسه المقدم عيناً، حيث تعد جزءاً منه لأغراض هذا القرار.

ويخضع التنازل عن الأسهم العينية لنفس الشروط المفروضة على التنازل على أسهم الشركة المحددة بموجب أحكام القانون رقم 8 لعام 2021 وقانون الشركات النافذ.

وحدد القرار الشروط الواجب توفرها في العقارات المقدمة على شكل مقدمات عينية، يتصدرها أن يكون لها سجلات أصولية ممسوكة من إحدى الجهات المعنية في الدولة، على نحو يسهل تحديد مالكيها ومدى وجود أية إشارات على صحيفتها قد تحد من إمكانية التصرف بها، سواء كانت لها صحيفة عقارية أو سجل مؤقت، أو غيرها من أنواع السجلات المعتمدة، وأن تكون مفرزة ومصححة الأوصاف، وسجلها خال من أي إشارات تحد من إمكانية نقل الملكية إلى المصرف في إطار استكمال إجراءات تأسيسه أو قد تؤثر على حقوقه مستقبلاً بما فيها إشارات الدعوى، ولا تعد إشارات التجميل أو تحسين الأوصاف من قبيل الإشارات المؤثرة لهذه الغاية.

وفي حال كان تقديم المقدمات العينية أثناء فترة التأسيس فإنه يجب أن يكون العقار ملكاً للمؤسس/ المؤسسين حسب الحال، كما يجب أن تكون العقارات المقدمة على شكل مقدمات عينية مناسبة للغايات المتعلقة بممارسة أعمال المصرف، بحيث يتم استخدامها على شكل مقرات للمصرف، أو استثمارها من أجل الأنشطة والخدمات التي تقدمها حسب أحكام القانون 8 لعام 2021.

 

وقضى القرار بتقديم تقرير تقييم معد وفقاً لمعايير التقييم الدولية من مدقق حسابات معتمد من القوائم الصادرة عن مجلس المحاسبة والتدقيق، وبشرط أن يكون قد مرّ على ممارسته المهنة ثلاث سنوات على الأقل، يتضمن تقديراً لقيمة هذه المقدمات العينية وبشرط أن يكون مستنداً ومرفقاً به تقرير تقييم عقاري صادر عن مقيم/مخمن عقاري معتمد من قبل هيئة الإشراف على التمويل العقاري، ولديه خبرة تقييم لا تقل عن ثلاث سنوات، مع تضمين التقرير إقراراً واضحاً من الجهة التي أعدته أنها قد أخذت علماً بمسؤوليتها مع المؤسس/صاحب المقدمات العينية عن صحة تقديراتها، وأنه في حال تبين ارتكابها لخطأ جسيم أو كانت تعلم أن التقديرات كانت خاطئة تطبق أحكام القانون 33 لعام 2009 الناظمة لمهنة مدققي الحسابات، وذلك حسب متطلبات قانون الشركات، وبحيث يبقى مضمون هذا التقرير من الناحية الفنية على مسؤولية مدقق الحسابات المعني والمؤسس/صاحب المقدمات العينية..الثورة – نهى علي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]